أكملت الحرب في اليمن عامين ونصف العام على بدء التدخل العسكري للتحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات، وهي الفترة التي تغير خلالها وجه البلاد، وبات ذكرها يرتبط بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، وبانتشار الأوبئة والفقر، ووصول الملايين إلى حافة المجاعة، فضلاً عن الانقسام، الذي تمزقت على أثره البلاد بين أكثر من مركز، في وقت كان المسار السياسي بحكم المعطل، وتبرز ملامح مرحلة مختلفة من رحم الاختلافات الداخلية الأخيرة في أوساط قوى الشرعية والانقلاب.
وبدأ تدخل التحالف بقيادة السعودية، تحت هدف أساسي معلن، هو الاستجابة لطلب الحكومة الشرعية وإعادتها إلى البلاد، بعد أن انقلب عليها أتباع جماعة أنصار الله (الحوثيين) وعلي عبدالله صالح، في صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، ثم اللحاق بالرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن في مارس/ آذار 2015. وبعد عامين ونصف العام، لا يزال المقر المؤقت لإقامة الرئيس اليمني هو العاصمة السعودية الرياض، على الرغم من عودته، بفترات متقطعة، إلى البلاد. وفي واقع الأمر، فقد تغير الشيء الكثير في اليمن، على امتداد 30 شهراً، فإذا كان التحالف، بقيادة الرياض وأبوظبي، فشل في الوصول إلى حسم عسكري سريع، أو تحقيق نصر يؤدي إلى حل سياسي خلال هذا الوقت، فإنه، في المقابل، نجح في أن يدعم أو يصنع واقعاً تمزقت فيه البلاد، وساءت معه أحوال اليمنيين إلى أبعد حد، جنباً إلى جنب مع ما تسبب به الانقلاب من مآس وأزمات كانت البداية التي قادت إلى الحرب الأكبر في تاريخ البلاد. وبعد عامين ونصف العام، يمكن تقييم عمل التحالف على عدد من المسارات:
عسكرياً، نفذ التحالف عشرات الآلاف من الضربات الجوية، صب خلالها القنابل والصواريخ على مختلف المواقع المفترضة والمعسكرات التي سيطر عليها الحوثيون وحلفاؤهم. وتقول مصادر يمنية، لـ"العربي الجديد"، إن عدد القتلى الفعلي للعسكريين، من مختلف الأطراف، يصل إلى عشرات الآلاف، خلافاً للأرقام المعلن عنها لعدد القتلى بأنها أكثر من 13 ألف قتيل، نحو نصفهم من المدنيين. في المقابل، فإن الغارات، التي أعلن التحالف بعد 27 يوماً على بدء "عاصفة الحزم"، أنها نجحت بتحييد الصواريخ البالستية التي استولى الحوثيون عليها، وتدمير الجزء الأكبر من القوة العسكرية، لم تكن كذلك، إذ لا يزال الحوثيون وأتباعهم يطلقون الصواريخ البالستية، حتى يوليو/ تموز الماضي، وأعلنوا استعدادهم لقصف أبوظبي بهذه الصواريخ. وإذا كان تأمين السعودية لحدودها مع اليمن، من أبرز الأهداف المنطقية لتدخلها العسكري في البلد، فإنه وبعد عامين ونصف العام، أعلن الحوثيون أخيراً عن أسر جنود سعوديين في مناطق الحدود، ولا تزال المواجهات والغارات ومحاولات الاختراق من قبل الحوثيين في المناطق الحدودية مستمرة حتى اليوم.
عدن ومحيطها أولاً
واستطاع التحالف، منذ الأشهر الأولى لحربه في اليمن، أن يحقق تقدماً، عبر السيطرة على المحافظات الجنوبية في اليمن وإخراج الحوثيين منها، وفي مقدمتها عدن، وهي المدينة التي تصفها "الحكومة الشرعية"، بـ"العاصمة المؤقتة". وكان التحالف يقول في الأشهر الأولى من الحرب إنه يسعى لإعادة هادي وحكومته إلى عدن، كحد أدنى لأهداف تدخله العسكري في البلاد. ونجح بإخراج الحوثيين من عدن ومحيطها خلال يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2015.
مأرب والشمال
شمالاً، دعم التحالف سيطرة قوات الشرعية على محافظة مأرب النفطية، وسط البلاد، ونجح بنقل المعركة منها إلى أطراف صنعاء الشرقية (مديرية نِهم)، وتمدد شمالاً نحو محافظة الجوف، وفتح جبهات في المناطق الحدودية مع السعودية، بما في ذلك جبهة ميدي بمحافظة حجة، التي تقدمت إليها قوات يمنية موالية للشرعية من جهة السعودية، ولا تزال منطقة مواجهات حتى اليوم. وبالترافق والتزامن، شرع التحالف، وبواجهة قيادة إماراتية، بتنفيذ عمليات للسيطرة على أبرز الجزر اليمنية في البحر الأحمر، أهمها ميون، وباب المندب، وزُقر، وحنيش الكبرى والصغرى، ثم قاد عمليات مطلع العام الحالي، أحكم فيها سيطرته على باب المندب، من خلال التقدم من جهة الجنوب إلى الساحل الغربي لتعز، والسيطرة على مدينة وميناء المخا، ومحيطه الساحلي القريب من أهم موقع استراتيجي في اليمن، وهو باب المندب.
الشرق أيضاً
امتدت سيطرة التحالف والقوات الموالية للشرعية تحت إشرافه إلى الشرق الغني بالمساحة والنفط والأهمية الاستراتيجية، وفي المقدمة منه محافظة حضرموت (نحو ثلث مساحة اليمن) وكذلك جزيرة سقطرى، التي تعد محافظة في التقسيم الإداري. ولكن المبرر في مناطق الشرق، حضرموت على نحو خاص، لم يكن سيطرة الحوثيين، بل كان انتشار تنظيم "القاعدة" في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، ومحافظات أخرى، مثل شبوة. في المجمل، فبعد عامين ونصف العام، باتت أغلب المناطق اليمنية، من الجوف ومأرب شمالاً ووسطاً، إلى سواحل تعز الغربية ثم عدن ومحيطها جنوباً إلى حضرموت وسقطرى شرقاً، مروراً بأهم الجزر والأجواء والمياه اليمنية، تحت سيطرة التحالف والقوات اليمنية المتحالفة معه والموالية للشرعية، في حين يواصل الحوثيون وأتباعهم السيطرة على أغلب المحافظات ذات الكثافة السكانية، وفي مقدمتها صنعاء.
لكن... كيف كانت المحصلة؟
نجح التحالف والشرعية بإخراج مدن غير قليلة من سيطرة الحوثيين، وسيطر على أغلب مناطق اليمن، غير أنه، وعلى الرغم من ذلك، لم تعد الحكومة الشرعية بالمعنى الفعلي تسيطر وتدير دفة الأمور في تلك المناطق على الأقل. فما حصل على صعيد السيطرة، هو تصعيد قوى محلية، بعضها ذات طابع انفصالي، في حين أن من يملك القرار هو التحالف، الذي تحول بنظر بعض المعارضين إلى "محتل"، وخصوصاً في الجنوب والشرق، حيث تتولى الإمارات واجهة عمل وحضور التحالف، وتواجه إشكالات، حتى مع الحكومة الشرعية، وهو الأمر الذي لا يُخفى على المتابعين لتطورات عدن في الأشهر الماضية.
يمن مُقسم
في عدن ومحيطها، التي تمثل مركز الجنوب اليمني قبل توحيد البلاد في العام 1990، بات من شبه المستحيل العثور على مسؤول عسكري يتحدر من المحافظات الشمالية، في حين أن السلطة والسيطرة هي للتحالف ولقوى محلية تميل للدعوة العلنية للانفصال، كما هو حال "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي دعمت أبوظبي تأسيسه، في مايو/ أيار الماضي، أو قوى أخرى، لا تؤيد الانفصال بالضرورة، لكنها مع الاستقلال الذاتي. وفي كل الأحوال، بات الجنوب منفصلاً عملياً، من عدة جوانب عسكرية وحكومية، وصلت إلى تأسيس مقرات للوزارات وغيرها، على نحو بدا كما لو أنه يؤسس لدولة وليس لسلطة محلية فحسب. والأمر لا يختلف كثيراً مع المحافظات الشرقية، وأهمها حضرموت التي تميل إلى الاستقلال الذاتي، وفقاً للتقسيم الفيدرالي المقترح للبلاد إلى ستة أقاليم، والذي تتبناه الحكومة الشرعية رسمياً. ووفقاً للتقسيم يأخذ إقليم حضرموت نصف مساحة اليمن.
شمالاً، تتركز القوات الموالية للشرعية والمدعومة من التحالف في مأرب وأجزاء من الجوف، كما تنتشر في مناطق متفرقة من تعز وحجة، في حين ترسخت، على ضوء الحرب، سلطة الحوثيين في صنعاء، لتبدو البلاد بعد عامين ونصف العام من حرب التحالف، منقسمة بين حكومتين، الشرعية وحكومة الانقلابيين، وأكثر من مركز سيطرة ونفوذ عسكري بين صنعاء ومأرب وعدن وحضرموت. ويبدو التحالف كما لو أنه يعيد ترتيب اليمن بين هذه المراكز، أو جنوب وشمال على الأقل، مع الحفاظ على وصايته أو سلطته في مناطق السيطرة، في هذه المرحلة على الأقل.
مناطق منكوبة
بين كل ذلك، خلقت حرب التحالف في اليمن مناطق منكوبة أكثر من غيرها، وفي المقدمة منها تعز، التي تنتشر فيها العديد من جبهات القتال، وكذلك منطقة نِهم، شرق صنعاء، وجبهات في الجوف، وصولاً إلى المناطق الحدودية، حجة وصعدة من جهة اليمن، ومناطق أخرى في محافظة البيضاء والضالع وشبوة، حيث ما يُسمى بـ"جبهات المواجهات"، التي سقط فيها عشرات آلاف القتلى والجرحى، وطاول بعضها دمار واسع خلق نزوحاً إلى الداخل في الغالب، إذ تشير أرقام الأمم المتحدة إلى ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين نازح يمني، وهو عدد يتقلص بين منطقة وأخرى.
أزمة إنسانية
بين كل ما سبق، خلقت الحرب وحصار التحالف للعديد من المناطق في اليمن، أزمة إنسانية تفوق الوصف. فتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، تشير إلى أن نحو 20 مليون يمني من بين 27 مليوناً هم إجمالي عدد سكان البلاد، بحاجة إلى نوع من المساعدات، والملايين من هؤلاء على بعد خطوة من المجاعة، وما يقرب من مليون موظف حكومي، يعولون الملايين من أفراد أسرهم، لم يتسلموا مرتباتهم منذ عام، خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم. وبين كل ذلك، فقد الملايين من الأشخاص وظائفهم ومصادر دخلهم في القطاعين الخاص والعام، مع إغلاق أغلب المؤسسات والشركات، أو تضررها، وأصيب نحو نصف مليون شخص بالمرض جراء انتشار وباء الكوليرا، فيما تحدثت تقارير في وزارة الصحة، التي يسيطر الحوثيون عليها، عن وفاة نحو ربع مليون يمني نتيجة الأوبئة والأمراض، وممن كانوا بحاجة للعلاج وتعذر علاجهم على النحو المطلوب أو عجزوا عن توفيره.
في المحصلة، يبدو اليمن بقايا بلد تعرض إلى دمار كبير، بدأ بانقلاب الحوثيين والموالين لصالح وسيطرتهم على صنعاء، ثم توسع وأصبح الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، وفقاً لوصف المنظمات الدولية، وتعطلت الكثير من مؤسسات البلاد وقطاعاتها، أو تدمرت. وحتى على مستوى مناطق سيطرة التحالف والشرعية، لم يقدم الأخيران نموذجاً عن حضور الدولة ومعالجة الاختلالات، في ظل إخفاق الجهود السياسية بالوصول إلى حل، حتى اليوم. ويلخص جانباً من الصورة، التي بات بعض اليمنيين يرون فيها حصيلة تدخل التحالف، تصريح للناشطة الحائزة على جائزة "نوبل" للسلام، توكل كرمان، إذ قالت إن "التحالف العربي يمنع الرئيس هادي من العودة إلى عدن ويبقيه عملياً رهن الإقامة الجبرية في الرياض". وأضافت "سموا الأشياء بمسمياتها، هذا تحالف لمنع عودة الشرعية من جهة، ولاحتلال أجزاء من البلاد من جهة أخرى".