تحاصر الأجور الهزيلة، وعقود العمل المؤقتة، بالإضافة إلى ضعف التغطية الاجتماعية والصحية، ملايين العمال العرب في العديد من الدول، أمام ضعف الأداء النقابي الذي احترف السياسة عوض الدفاع عن حقوق العمال.
ويرزح هؤلاء تحت وطأة "البطالة المقنّعة"، حيث لا تكفيهم الدولارات القليلة التي يتقاضونها شهرياً، لسد حاجياتهم وحاجيات أسرهم المختلفة، المستمرة في إثقال كاهلهم بفعل مسلسل ارتفاع تكاليف المعيشة.
ويرزح هؤلاء تحت وطأة "البطالة المقنّعة"، حيث لا تكفيهم الدولارات القليلة التي يتقاضونها شهرياً، لسد حاجياتهم وحاجيات أسرهم المختلفة، المستمرة في إثقال كاهلهم بفعل مسلسل ارتفاع تكاليف المعيشة.
"من سيء إلى أسوأ"
وتبرز قراءة لأوضاع العمال في الدول التي شهدت ثورات "الربيع العربي"، أن هذه الفئة تعاني من واقع اجتماعي واقتصادي يزيد قساوة. وتشير جل التقارير إلى أن وضعية العامل العربي "تسير من سيئ إلى أسوأ".
ويقبل ملايين العمال في دول عربية، مثل مصر، الجزائر، تونس، المغرب، العراق وكذلك لبنان، بالعمل داخل المصانع بعقود عمل مؤقتة، أو بشروط تحرمهم من الأجر العادل ومن الحقوق الاجتماعية، تفرضها شركات الوساطة للتشغيل.
وكشف تقرير التنمية البشرية، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2014، عن أن قرابة 80% من سكان الدول العربية يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية الشاملة، بل تقدّر نسبة العمال المستفيدين من أنظمة تغطية التقاعد بالثلث فقط من مجموع السكان النشيطين.
وأوضحت أرقام رسمية في الجزائر أن معدل الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص لا يغطي تكاليف معيشة العمال، والذين لا تتجاوز أجورهم في المتوسط 30 ألف دينار (حوالي 314 دولاراً)، في حين يقدّر الحد الأدنى لتلك التكاليف بـ38 ألف دينار (حوالي 397 دولاراً).
أما مصر، التي خاض فيها العمال أكثر من 489 شكلاً احتجاجياً خلال شهر فبراير/ شباط من سنة 2011، حسب تقارير حقوقية، وساهموا بقوة في الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، فقد عاشوا سنة سوداء قبل الثورة.
حيث أظهر تقرير صادر عن "مركز الأرض لحقوق الإنسان" المصري، أن 40.7 ألف عامل مصري جرى فصلهم خلال السنة نفسها، فيما لقي 118 عاملاً مصرعهم وأصيب 6544 آخرون، بسبب ظروف العمل السيئة وغياب وسائل
الحماية داخل المصانع. واختار 52 عاملاً وضع حد لحياتهم انتحاراً بسبب عدم قدرتهم على مواجهة الظروف المعيشية.
واستمرت أوضاع العمال في مصر على ما هي عليه، وما يؤكد ذلك تسجيل 26 إضراباً عن العمل خلال نهاية العام الماضي، في مختلف القطاعات، حسب تقرير صادر عن "منتدى المحروسة للبحوث والسياسات العامة". وأورد التقرير ذاته أن الثلث الأخير من العام المنصرم شهد انتحار أربعة عمال.
ويوجد في تونس، حسب أرقام صادرة عن "المعهد الوطني للإحصاء"، 578 ألف عامل في قطاع الصناعات المعملية. هذه الفئة تعاني، بناءً على التقرير نفسه، من "تواضع الأجور وغلاء كلفة المعيشة، ما يفرض عليها اللجوء إلى القروض الاستهلاكية من أجل تلبية حاجياتها".
وفي ما يخص المغرب، يعاني العمال فيه من الاستغلال داخل القطاعات الصناعية غير المنظمة. ويبلغ عدد الوحدات المشتغلة في هذا المجال أزْيَد من مليون ونصف مليون وحدة تعمل خارج القانون، وتدفع للعمال أجوراً أقل من الحد الأدنى القانوني، إذ لا تتجاوز، في أحسن الأحوال، ما بين 1500 و1800 درهم (154 و184 دولاراً)، بمعدل 82 سنتاً عن كل ساعة عمل.
الهرب نحو القطاع العام
ويرى رئيس الغرفة الدولية للاستثمار والتنمية العراقي، علي صبيح، أن واقع حال العمال العرب لم يتغيّر رغم الثورات التي شهدتها مجموعة من الدول العربية. ويقول صبيح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن سياسات الدول تختلف، لكن واقعها الاقتصادي متشابه، وظروف العمل فيها تقهر العامل وتحد من إمكانية تحقيقه للتنمية الذاتية والاجتماعية.
ويوضح المتحدث ذاته، أن السبب الرئيس في تفضيل المواطنين العرب للعمل في القطاع العام عوض الخاص، هو تفكيرهم في ضمان التغطية الاجتماعية الصحية على الأقل، والتي لا يوفرها القطاع الخاص. بالإضافة إلى امتيازات عمل عدد ساعات أقل، والاستفادة من المنح والترقيات والعطل.
ويشدد صبيح، الذي يشغل كذلك منصب رئيس اتحاد الصناعات العراقية، على أن العمال في العالم العربي في حاجة إلى تطبيق القوانين والاتفاقيات الدولية فقط، لأنها، ومن وجهة نظره، كافية اليوم لتوفير الحد الأدنى من الكرامة والشغل اللائق.
ويلخّص المنسّق في البرنامج الدولي "حياة كريمة، شغل لائق"، حسن ضفير، واقع العمل في دول ما بعد الثورات بالقول: "ما تعيشه الدول التي شهدت ثورات، هو اختناق اقتصادي، بما فيها تونس. ومطالب العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، لم يكن لها أثر إيجابي مباشر على الطبقة العاملة".
ويوضح ضفير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الفئات المتضررة من واقع العمل الحالي هي الشباب والنساء، مؤكداً في الوقت ذاته، أن الاتجاه العام للحركة الاقتصادية العالمية، يتجه نحو تشديد الخناق على حقوق العمال، وفقدان فرص الشغل، وكذا وضع شروط مجحفة من طرف المشغلين في العقود لتهربهم من الإيفاء بالتزاماتهم، خاصة التغطية الاجتماعية وضمان حقوق الممارسة النقابية والتعويضات عن حوادث العمل.
إقرأ أيضاً: المرأة في الاقتصاد: خطوات إلى الوراء
ويقبل ملايين العمال في دول عربية، مثل مصر، الجزائر، تونس، المغرب، العراق وكذلك لبنان، بالعمل داخل المصانع بعقود عمل مؤقتة، أو بشروط تحرمهم من الأجر العادل ومن الحقوق الاجتماعية، تفرضها شركات الوساطة للتشغيل.
وكشف تقرير التنمية البشرية، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2014، عن أن قرابة 80% من سكان الدول العربية يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية الشاملة، بل تقدّر نسبة العمال المستفيدين من أنظمة تغطية التقاعد بالثلث فقط من مجموع السكان النشيطين.
وأوضحت أرقام رسمية في الجزائر أن معدل الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص لا يغطي تكاليف معيشة العمال، والذين لا تتجاوز أجورهم في المتوسط 30 ألف دينار (حوالي 314 دولاراً)، في حين يقدّر الحد الأدنى لتلك التكاليف بـ38 ألف دينار (حوالي 397 دولاراً).
أما مصر، التي خاض فيها العمال أكثر من 489 شكلاً احتجاجياً خلال شهر فبراير/ شباط من سنة 2011، حسب تقارير حقوقية، وساهموا بقوة في الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، فقد عاشوا سنة سوداء قبل الثورة.
حيث أظهر تقرير صادر عن "مركز الأرض لحقوق الإنسان" المصري، أن 40.7 ألف عامل مصري جرى فصلهم خلال السنة نفسها، فيما لقي 118 عاملاً مصرعهم وأصيب 6544 آخرون، بسبب ظروف العمل السيئة وغياب وسائل
واستمرت أوضاع العمال في مصر على ما هي عليه، وما يؤكد ذلك تسجيل 26 إضراباً عن العمل خلال نهاية العام الماضي، في مختلف القطاعات، حسب تقرير صادر عن "منتدى المحروسة للبحوث والسياسات العامة". وأورد التقرير ذاته أن الثلث الأخير من العام المنصرم شهد انتحار أربعة عمال.
ويوجد في تونس، حسب أرقام صادرة عن "المعهد الوطني للإحصاء"، 578 ألف عامل في قطاع الصناعات المعملية. هذه الفئة تعاني، بناءً على التقرير نفسه، من "تواضع الأجور وغلاء كلفة المعيشة، ما يفرض عليها اللجوء إلى القروض الاستهلاكية من أجل تلبية حاجياتها".
وفي ما يخص المغرب، يعاني العمال فيه من الاستغلال داخل القطاعات الصناعية غير المنظمة. ويبلغ عدد الوحدات المشتغلة في هذا المجال أزْيَد من مليون ونصف مليون وحدة تعمل خارج القانون، وتدفع للعمال أجوراً أقل من الحد الأدنى القانوني، إذ لا تتجاوز، في أحسن الأحوال، ما بين 1500 و1800 درهم (154 و184 دولاراً)، بمعدل 82 سنتاً عن كل ساعة عمل.
الهرب نحو القطاع العام
ويرى رئيس الغرفة الدولية للاستثمار والتنمية العراقي، علي صبيح، أن واقع حال العمال العرب لم يتغيّر رغم الثورات التي شهدتها مجموعة من الدول العربية. ويقول صبيح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن سياسات الدول تختلف، لكن واقعها الاقتصادي متشابه، وظروف العمل فيها تقهر العامل وتحد من إمكانية تحقيقه للتنمية الذاتية والاجتماعية.
ويوضح المتحدث ذاته، أن السبب الرئيس في تفضيل المواطنين العرب للعمل في القطاع العام عوض الخاص، هو تفكيرهم في ضمان التغطية الاجتماعية الصحية على الأقل، والتي لا يوفرها القطاع الخاص. بالإضافة إلى امتيازات عمل عدد ساعات أقل، والاستفادة من المنح والترقيات والعطل.
ويشدد صبيح، الذي يشغل كذلك منصب رئيس اتحاد الصناعات العراقية، على أن العمال في العالم العربي في حاجة إلى تطبيق القوانين والاتفاقيات الدولية فقط، لأنها، ومن وجهة نظره، كافية اليوم لتوفير الحد الأدنى من الكرامة والشغل اللائق.
ويلخّص المنسّق في البرنامج الدولي "حياة كريمة، شغل لائق"، حسن ضفير، واقع العمل في دول ما بعد الثورات بالقول: "ما تعيشه الدول التي شهدت ثورات، هو اختناق اقتصادي، بما فيها تونس. ومطالب العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، لم يكن لها أثر إيجابي مباشر على الطبقة العاملة".
ويوضح ضفير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الفئات المتضررة من واقع العمل الحالي هي الشباب والنساء، مؤكداً في الوقت ذاته، أن الاتجاه العام للحركة الاقتصادية العالمية، يتجه نحو تشديد الخناق على حقوق العمال، وفقدان فرص الشغل، وكذا وضع شروط مجحفة من طرف المشغلين في العقود لتهربهم من الإيفاء بالتزاماتهم، خاصة التغطية الاجتماعية وضمان حقوق الممارسة النقابية والتعويضات عن حوادث العمل.
إقرأ أيضاً: المرأة في الاقتصاد: خطوات إلى الوراء