بعد أن رقّى نفسه من رتبة لواء متقاعد إلى رتبة مشير، وغنى مؤيدوه "تسلم الايادي"، واستولى على موانئ النفط بمنطقة الهلال النفطي بقوة السلاح، راح خليفة حفتر ومؤيدوه يبيعون الوهم لمن حولهم.
فقد أطلق هؤلاء تصريحات من عينة أن تصدير نفط شرق ليبيا على الأبواب، وأن سفن النفط العملاقة ستتدفق على الموانئ التي يسيطرون عليها، وأن المليارات ستتدفق على خزائن طبرق كما تدفقت عليها المليارات من جهات ودول لا تريد الاستقرار لليبيا.
بل وذهبوا لأبعد من ذلك حينما أكدوا أن قوات حفتر ستحل الأزمات الاقتصادية للدول المجاورة لليبيا مثل أزمتي نقص النقد الأجنبي ومشتقات الوقود في مصر.
ولم يقتصر بيع حفتر ومؤيديه الوهم والدجل للأشقاء الليبيين، بل امتد للمصريين أيضا، فقد أطلق صلاح عبد الكريم، مستشار الجيش الليبي الموالي لحفتر، تصريحاً نارياً مساء أمس الأول السبت قال فيه إن ليبيا مستعدة لبيع النفط الليبي لمصر بالجنيه المصري بهدف رفع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وبالتالي المساهمة في حل أزمة الدولار ووقف مسلسل تدهور العملة المصرية.
تصريحات عبد الكريم، الرجل القريب من حفتر، والتي احتفت بها القنوات الفضائية والمواقع المصرية، تشبه إلى حد كبير كلام اللواء عبد العاطي واختراع جهاز الكفتة لعلاج مرض الإيدز وفيروس سي للمرضى المصريين.
فقوات حفتر لا يمكنها تصدير النفط الخام من شرق ليبيا لمخالفة ذلك القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي التي تعتبر أن أي صادرات نفطية تتم خارج سلطة حكومة الوفاق الوطني بطرابلس هي صادرات غير قانونية.
كما أن أميركا وخمس دول أوروبية دانت أصلاً سيطرة قوات اللواء المتقاعد على موانئ النفط بمنطقة الهلال وطالبته بالانسحاب منها، وبالتالي فإن استيراد دولة ما النفط من الموانئ التي يسيطر عليها حفتر مخالف للقانون الدولي.
وإذا انتقلنا لمصر نجد أنها في حاجة لمشتقات بترولية مثل البنزين والسولار والمازوت والغاز وغيره، وهذه المشتقات غير متوافرة في ليبيا لأنها لا تملك معامل تكرير نفط عملاقة تقوم بتحويل النفط الخام إلى مشتقات بترولية، وبالتالي فهي تستورد مثل هذه المشتقات كما تفعل مصر.
وحتى في حال حاجة الحكومة المصرية لاستيراد نفط خام وتكريره في المعامل التسعة لديها، فإن الطاقة التكريرية للمعامل المصرية تظل محدودة حيث تبلغ نحو 36 مليون طن سنويا، والكميات التي يتم تكريرها حاليا تدور حول 26 مليون طن نتيجة قدم معظم المعامل التي تأسس الأحدث منها منذ أكثر من 30 عاما، مع عدم قدرة الموازنة العامة للدولة على إقامة معامل جديدة حيث إن تكلفة المعمل الواحد تبلغ نحو 5 مليارات دولار، إضافة لعدم وجود خامات نفط كافية في السوق المحلي تصلح للتكرير، وبالتالي يتم تعويض ذلك النقص من خلال الاستيراد خاصة من دول الخليج.
أما حديث مستشار حفتر عن حل أزمة النقد الأجنبي في مصر فهو حديث ساذج، فمن المعروف أنه لا يمكن تصدير الجنيه المصري للخارج، وطبقا للقانون المصري نفسه فإن الجنيه عملة محلية غير قابلة للتحويل والتداول في الخارج، بل ويعاقب القانون أي حائز للجنيه خلال سفره للخارج.
ربما تتحقق وعود مستشار الجيش الليبي في حال بيع قوات حفتر النفط الليبي بالمجان لمصر، هنا يتم توفير جزء من المخصصات التي ترصدها الموازنة المصرية لاستيراد المشتقات البترولية من الخارج والبالغة نحو 10 مليارات دولار سنويا.
ومن المعروف ثالثا أن الاقتصاد الليبي ليس في حاجة إلى عملة مصرية، بل بحاجة شديدة للدولار في ظل انهيار احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وانتشار الفساد بصندوق ليبيا السيادي الذي يدير نحو 70 مليار دولار من أموال ليبيا في الخارج، وتراجع أسعار النفط بنسبة تقارب 60% منذ منتصف عام 2014، وانهيار صادرات ليبيا النفطية من 1.5 مليون برميل يوميا في العام 2011 إلى نحو 200 ألف برميل فقط يوميا، علما بأن إيرادات النفط تمثل نحو 95% من إيرادات الخزانة العامة للبلاد.
لكل هذه الاعتبارات وغيرها فإن تصدير النفط من موانئ تسيطر عليها قوات حفتر بشرق ليبيا لمصر أو لغيرها من الدول غير قابل للتحقق إلا إذا تم بطريقة غير مشروعة.
إذن، ما الهدف من إطلاق التصريحات الأخيرة لمستشار قوات حفتر حول تصدير النفط لمصر؟ ولماذا سارع وزير الخارجية المصري سامح شكري ليعلن دعم بلاده التام لسيطرة الجيش الليبي الموالي لحفتر على موانئ الهلال النفطي، ويصف بيانات دول عدة طالبت الجيش الليبي بالانسحاب من منطقة الهلال النفطي بأنها دعوات متسرعة لا تراعي الاعتبارات الخاصة بالأوضاع الداخلية لليبيا؟
وهل من مصلحة مصر دعم قوات حفتر والالتفاف حول اتفاق الصخيرات الذي تم على أثره اختيار حكومة وفاق وطني بدعم أممي، أم أن مصلحتها السياسية والاقتصادية تكمن في استقرار ليبيا التي مثلت لسنوات طوال السوق الأول لجذب العمالة المصرية ( 2 مليون قبل سقوط نظام القذافي)، ورافدا مهما لاحتياطي مصر من النقد الأجنبي، وواحدا من أهم الأسواق الجاذبة للصادرات المصرية؟
هذه الأسئلة وغيرها مطروحة ربما السياسيون لديهم إجابة منطقية لها.