قال الباحث الحقوقي المصري، أحمد مفرح، إن التقرير المنشور من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان (منظمة حكومية مصرية)، يوضح أن المجلس لم يعمل فقط على التقليل من ارتكاب جريمة الاختفاء القسري في مصر، وإنما حاول متعمدا التشكيك في عمل منظمات حقوق الإنسان التي اجتهدت وأظهرت حقيقة هذه الجريمة بالحقائق والوثائق.
وجاء تصريح مفرح، ردّا على تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان حول حالات الاختفاء القسري، اليوم الأحد، بالتزامن مع إعلان التقرير السنوي للمجلس تحت عنوان "الاختفاء القسري في مصر، بين الادعاء والحقيقة".
وأضاف مفرح، "لم يقف الأمر فقط على منظمات حقوق الإنسان، بل أيضا حاول المجلس التشكيك في عمل الفريق المعني بالاختفاء القسري في الأمم المتحدة، بشكل أظهر جهله بعمل الآليات الدولية".
وقال الباحث الحقوقي في الملف المصري، في جنيف بسويسرا، إنّ "التقرير يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن المجلس القومي لحقوق الإنسان مازال يشكل هو وأعضاؤه أداة من أدوات النفي، حيث يعملون فقط على نفي ادعاءات ارتكاب النظام في مصر جرائم حقوق الإنسان، ومحاولة طرح تشكيكات والتقليل من حجم وانتشار الجريمة إلى أبعد حد ممكن، ليتمكنوا من القيام بدورهم في تجميل صورة القمع".
وفنّد مفرح رده على التقرير موضحا "البداية في قيام التقرير بالتشكيك في عمل منظمات حقوق الإنسان التي كشفت بالوثائق والمستندات العديد من حالات الاختفاء القسري التي تمت لحالات لا تدع مجالا للشك فيها، في محاولة ضرب مصداقية حالات الاختفاء القسري عبر التشكيك في المنظمات العاملة عليها، الأمر الذي يتماشى مع توجهات النظام في مصر عبر جهاته التنفيذية والإعلامية في مواجهته قضية الاختفاء القسري، والعمل الذي تقوم به منظمات حقوق الإنسان".
وتابع مفرح "تحدّث التقرير عن 266 حالة وصلت إلى المجلس عن طريق شكاوى تقدم بها ذوو الضحايا، بجانب قيام المجلس بالتطرق إلى 41 حالة عمل عليها الفريق المعني بالاختفاء القسري في الأمم المتحدة، وهو رقم ضعيف للغاية لا يعطي صورة صحيحة لحالات الاختفاء القسري في مصر".
وأضاف "من باب الشفافية والمهنية كان يجب على المجلس القومي أن يظهر أن هذا العدد من الحالات التي وصلت إليه 266 حالة، هو ما قدم إليه وما استطاع أن يصل إليه من عمل، وبالتالي فهي ليست حالات الاختفاء القسري التي وقعت في مصر، وما كان يجب عليه أن يقوم بالتشكيك في عمل باقي المنظمات، والتي قدرتها بآلاف الحالات منذ 30 يونيو/حزيران 2013 وحتى صدور هذا التقرير".
واستطرد مفرح "بالنظر إلى الحالات التي عمل عليها الفريق المعني بالاختفاء القسري في الأمم المتحدة، فإنّ المجلس حاول التشكيك في عمل فريق الأمم المتحدة، عن طريق إظهار أن هناك عددا من الحالات مجهولة المعلومات، وهو أمر يظهر مدى عدم إلمام اللجنة التي عملت على التقرير بطريقة عمل الفريق المعني بحالات الاختفاء القسري في الأمم المتحدة، حيث لا يقوم الفريق بنشر معلومات القضايا الخاصة بالقُصر الأقل من 18 عاما، وهو إجراء متبع في جميع آليات الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق الإنسان، وبالتالي فليس صحيحا ما ذكرة تقرير المجلس القومي من أن فريق الأمم المتحدة أسقط سهوا أو أنه نقص في المعلومات من جانب الفريق، إنما يظهر ذلك قلة خبرة من جانب المجلس القومي في معرفته بطبيعة عمل آليات الأمم المتحدة".
وتابع "بالنظر إلى الحالات الـ266 التي تحدث عنها التقرير، أوضح المجلس القومي أنه تم إجلاء مصير 238 شخصا من قبل وزارة الداخلية، الأمر الذي يظهر- بما لا يدع مجالا للشك- عدم مهنية هذا التقرير والطريقة التي عمل بها المجلس لإجلاء مصير المختفين قسريا، فمنذ متى وعمليات إجلاء المصير مرتبطة باعتراف أو نفي الجهات التنفيذية؟ خصوصا أنها هي المعنية في الأساس بعمليات الاختفاء القسري والمسؤولة عنها، الأمر الذي يوضح أن المعايير المستخدمة في هذا التقرير هي المعايير الأمنية وليست الدولية في إجلاء مصير ضحايا الاختفاء القسري".
وأوضح الباحث الحقوقي أنه "إمعانا في استعمال المعايير الأمنية في عمل المجلس القومي لحقوق الإنسان، اكتفى بقبول 143 حالة من الحالات الـ266 التي تحدث عنها التقرير، بأن تم إجلاء مصيرهم بأنهم محبوسون احتياطيا في قسم شرطة أو في سجن، وكأن الحبس الاحتياطي بعد فترة قصيرة أو طويلة من الاختفاء القسري مقبول من جانب المجلس القومي، غير آبه بما تم من اختفاء قسري لهم، وكذلك الأمر في الحالات التي قالت وزارة الداخلية إنها لم تستدل عليها".
وأنهى مفرح رده قائلا "حاول المجلس القومي لحقوق الإنسان، في تقريره، اللعب بالمصطلحات بطريقة غير مفهومة، عن طريق الادعاء باختلاط المعايير ما بين الاحتجاز خارج إطار القانون وبين جريمة الاختفاء القسري، وهو ما يزيد التأكيد على عدم مهنية التقرير، حيث لا يوجد في القانون الدولي ما يسمى بالاحتجاز خارج إطار القانون، باعتباره جريمة مختلفة عن جريمة الاختفاء القسري، وإلا فليأت لنا المجلس القومي بتعريف له وإبلاغنا بالفارق بينهما".