06 يوليو 2019
حقيقة العمل النقابي
مصطفى العادل
باحث في اللسانيات العامة بكلية الآداب، جامعة محمد الأول-المغرب. باحث بمركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية. الأمين العام للمركز العربي للبحوث والدراسات المعاصرة. رئيس قسم الأدب واللسانيات البينية بمركز مفاد.صدر له كتاب "المدارس اللسانية وأثرها في الدرس اللساني بالمغرب". يعرّف عن نفسه بالقول "كل لحظة تأتيك فكرة، يلهمك الله نورا لتعبر به عن معنى، فكن دوما مستعدا بسيف القلم كي لا تهزم في معركة الإبداع".
ناس كثيرون يستهويهم النقاش السياسي والحراك النقابي، إلى درجة يصير هو المسيطر على أفكارهم وحركاتهم. ونحن إذ نطرح هذه القضية لا نسعى من ذلك إلى التقليل من قيمة النقابة وأهميتها، بقدر ما نحاول إثارة حقيقةٍ كادت أن تكون بدعة في هذا الزمن.
العمل النقابي تحصيل حاصل، وأمر لا مفر منه في أي عمل مهما كان، بل لا تعدو الحركة البشرية التي تخطو إلى الأمام بلا حس نضالي أن تكون حركة كما الشأن لحركات باقي الجمادات، حينما تحركها وتزحزحها عن مكانها. فالعالِم من دون نقابة يبقى يمرر الأغلاط، وتقضي على حساب علمه ومشيخته غرائز المستكبرين، والمثقف بلا نقابة مجرد مكتبة مقفولة، لا يستفيد أحد مما فيها، وهكذا دواليك. ولا تعني هذه الحقيقة أن يستغني المرء عن واجبه، ويسمح في كل شيء من أجل النقابة، أو أن يجد نفسه مضطرا، في كل وقت وحين، إلى إصباغ أفكاره وأفكار الآخرين، بما يعيه من حس نقابي ونضالي. وبين هذا وذاك، يمون المرء السوي لا نقابيا إلى درجة يجرّد فيها من كل شيء، ولا منعزلا في زاوية، لا يعنيه أمر النقابة والتدافع مع الظلم في شيء.
منزلق النقابة المطلقة ومنزلق النقابة الصفر من أهم المزالق التي أصابت الأمة الإسلامية منذ زمن بعيد، حيث انتقدت الأصول وتشبث المتعطشون إلى الزمن الجميل، بما تبقى من الفروع، بل وأغلبوا بعض الفروع على الأصول. ولعل المتأمل في ديننا الإسلامي، في شمولية مقاصده، سيهتدي، في النهاية، إلى أن النقابة ما هي إلا واحدة من وسائل تحقيق الأرضية الصالحة لأداء الغاية الوجودية، غاية العبودية لله والاستسلام لله تعالى والسير إليه.
النقابة ضرورة يفرضها واقع المؤمن في سيره إلى الله فردا، وفي دعوته الناس إلى السير الجماعي، ومرد ذلك: الصراع الأزلي الحتمي بين العدل والظلم، بين الكفر والإيمان، هذا الصراع الأزلي يفرض على المؤمن أن يقف إلى جانب الحق والإيمان والعدل مما يجعله مضطرا إلى النقابة، وإلا فإن النقابة ما هي إلا وسيلة لغايات عظمى.
الحق أننا لم نكن في الحاجة إلى الحديث عن حركات إسلامية، لولا سيطرة النقابة في الفكر والفعل الإسلامي، أقصد النقابة المطلقة التي تكون على حساب الدين، حيث صنعت جيلا يحلل كل شيء خارج الدين، وينظر إلى الأحداث من منظور الآخر، ولعل ذلك ما أنتج حركات إسلامية كان هدفها الرجوع إلى ماضي الأمة، وإن تفاوت الفهم واختلفت شمولية النظرة من حركة لأخرى. لكن اللافت للنظر، أن الحركات الإسلامية لم تستطع بدورها التخلص من هذا الداء، إذ غالبا ما تجد نفسها في مرحلة متقدمة، منغمسة في العمل النقابي بشكل كامل، فتبقى لقاءاتها وحركاتها أشكالا فارغة من المعنى الروحي الذي ينبغي أن يكون أصل النقابة. يحضر أبناء الحركات الإسلامية في كل الأشكال النضالية ويتفاعلون مع مختلف المستجدات، لكن الصلاة والصيام والقيام وجلسات الذكر ومجالس تجديد الإيمان لم تعد سوى فترات راحة، يستريح فيها المناضل الإسلامي من أعمال النقابة الشاقة، إن لم تكن في خبر كان بشكل نهائي.
ساء الفهم واختل المنهج، وتعمقت الأزمة. ولن نصلح ذلك في نظرنا إلا إذا حاولنا تشخيص الداء بأبحاث نظرية، ثم نسعى إلى جعلها منهاجا نسير وفقه ونحيا على أساسه.
العمل النقابي تحصيل حاصل، وأمر لا مفر منه في أي عمل مهما كان، بل لا تعدو الحركة البشرية التي تخطو إلى الأمام بلا حس نضالي أن تكون حركة كما الشأن لحركات باقي الجمادات، حينما تحركها وتزحزحها عن مكانها. فالعالِم من دون نقابة يبقى يمرر الأغلاط، وتقضي على حساب علمه ومشيخته غرائز المستكبرين، والمثقف بلا نقابة مجرد مكتبة مقفولة، لا يستفيد أحد مما فيها، وهكذا دواليك. ولا تعني هذه الحقيقة أن يستغني المرء عن واجبه، ويسمح في كل شيء من أجل النقابة، أو أن يجد نفسه مضطرا، في كل وقت وحين، إلى إصباغ أفكاره وأفكار الآخرين، بما يعيه من حس نقابي ونضالي. وبين هذا وذاك، يمون المرء السوي لا نقابيا إلى درجة يجرّد فيها من كل شيء، ولا منعزلا في زاوية، لا يعنيه أمر النقابة والتدافع مع الظلم في شيء.
منزلق النقابة المطلقة ومنزلق النقابة الصفر من أهم المزالق التي أصابت الأمة الإسلامية منذ زمن بعيد، حيث انتقدت الأصول وتشبث المتعطشون إلى الزمن الجميل، بما تبقى من الفروع، بل وأغلبوا بعض الفروع على الأصول. ولعل المتأمل في ديننا الإسلامي، في شمولية مقاصده، سيهتدي، في النهاية، إلى أن النقابة ما هي إلا واحدة من وسائل تحقيق الأرضية الصالحة لأداء الغاية الوجودية، غاية العبودية لله والاستسلام لله تعالى والسير إليه.
النقابة ضرورة يفرضها واقع المؤمن في سيره إلى الله فردا، وفي دعوته الناس إلى السير الجماعي، ومرد ذلك: الصراع الأزلي الحتمي بين العدل والظلم، بين الكفر والإيمان، هذا الصراع الأزلي يفرض على المؤمن أن يقف إلى جانب الحق والإيمان والعدل مما يجعله مضطرا إلى النقابة، وإلا فإن النقابة ما هي إلا وسيلة لغايات عظمى.
الحق أننا لم نكن في الحاجة إلى الحديث عن حركات إسلامية، لولا سيطرة النقابة في الفكر والفعل الإسلامي، أقصد النقابة المطلقة التي تكون على حساب الدين، حيث صنعت جيلا يحلل كل شيء خارج الدين، وينظر إلى الأحداث من منظور الآخر، ولعل ذلك ما أنتج حركات إسلامية كان هدفها الرجوع إلى ماضي الأمة، وإن تفاوت الفهم واختلفت شمولية النظرة من حركة لأخرى. لكن اللافت للنظر، أن الحركات الإسلامية لم تستطع بدورها التخلص من هذا الداء، إذ غالبا ما تجد نفسها في مرحلة متقدمة، منغمسة في العمل النقابي بشكل كامل، فتبقى لقاءاتها وحركاتها أشكالا فارغة من المعنى الروحي الذي ينبغي أن يكون أصل النقابة. يحضر أبناء الحركات الإسلامية في كل الأشكال النضالية ويتفاعلون مع مختلف المستجدات، لكن الصلاة والصيام والقيام وجلسات الذكر ومجالس تجديد الإيمان لم تعد سوى فترات راحة، يستريح فيها المناضل الإسلامي من أعمال النقابة الشاقة، إن لم تكن في خبر كان بشكل نهائي.
ساء الفهم واختل المنهج، وتعمقت الأزمة. ولن نصلح ذلك في نظرنا إلا إذا حاولنا تشخيص الداء بأبحاث نظرية، ثم نسعى إلى جعلها منهاجا نسير وفقه ونحيا على أساسه.
مصطفى العادل
باحث في اللسانيات العامة بكلية الآداب، جامعة محمد الأول-المغرب. باحث بمركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية. الأمين العام للمركز العربي للبحوث والدراسات المعاصرة. رئيس قسم الأدب واللسانيات البينية بمركز مفاد.صدر له كتاب "المدارس اللسانية وأثرها في الدرس اللساني بالمغرب". يعرّف عن نفسه بالقول "كل لحظة تأتيك فكرة، يلهمك الله نورا لتعبر به عن معنى، فكن دوما مستعدا بسيف القلم كي لا تهزم في معركة الإبداع".
مصطفى العادل