استسلمت لرغبة ولدها الصغير، المولع باستخدام الهاتف النقال، فسمحت له بالتقاط صور لها، داخل منزل العائلة. في بعض الصور كانت ترتدي ملابس مخصصة للنوم، تكشف عن أجزاء من جسدها. هذا الأمر يجري في أغلب البيوت، وليس فيه ما هو غريب، لكن ضياع الهاتف جلب الكارثة؛ إذ وقع بيد شخص لا يراعي حرمة الآخرين، وأخذ ينشر الصور على مواقع الإنترنت، فكانت النتيجة أن تقتل المرأة على يد زوجها؛ "غسلاً للعار".
تلك واحدة من قصص كثيرة عرفت في العراق، يذهب ضحيتها أبرياء، أو تستخدم وسيلة للإيقاع بالآخرين، وانتشر مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لرجل ظهر وهو يهدد بالانتحار، مطالباً عشيرته بالثأر له، محدداً اسم شخص عمد إلى تصويره في وضع مسيء، وكان الرجل يؤكد أن الشخص المعني وضع مخدرا في شراب قدمه له، ما جعله يفقد الإدراك بما يفعله.
المقطع المصور المسيء لاقى انتشاراً واسعاً في العراق، وبعد أن هدد الرجل بالانتحار وجدوه جثة هامدة ملقية على قارعة طريق.
الهواتف الذكية التي أصبح اقتناؤها سهلاً لفئات كثيرة من العراقيين، مع انخفاض أسعارها بوجود إصدارات جديدة، باتت تمثل "خطراً كبيراً" بنظر أرباب الأسر.
تلك "الملعونة" و"صنيعة الشيطان" بحسب الحاجّة كميلة السليمان، فرقت الأحباب، وشتت شمل العوائل. هي مسنة على أعتاب العقد الثامن، لم تتوقف عن لعن الهواتف الذكية، بالرغم من عدم تمكنها من لفظ "الموبايل" بشكل صحيح.
قالت إنها فقدت "جيران العمر" والسبب وفق تأكيدها الـ"بلبايل" (الموبايل)؛ فصديقتها التي جاورتها السكن في الزقاق ذاته لأكثر من ستين عاماً رحلت إلى مدينة أخرى بقرار من ابنها، الذي وجد أن سمعته ساءت بين الناس في حيّهم الذي ولدوا ونشأوا فيه بسبب ابنته، حين اكتشف أنها تبادلت الصور الشخصية مع شاب من الحيّ نفسه، واكتشف أيضاً أن الشاب أرسل صور ابنته لأصدقائه.
بدوره أكد فوزي الحسناوي أن صورا خاصة التقطتها زوجته في عرس شقيقتها، وصلت نسخ منها عن طريق أحد التطبيقات في هاتفها، إلى عمها وجاراتها وبعض الأقارب في خلال أقل من دقيقة بمجرد وضعت الهاتف من يدها.
وأضاف في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ ولده الصغير الذي لم يتجاوز عمره الرابع بعد، أرسل عدة صور دفعة واحدة إلى مجموعة من المشتركين في الخدمة.
وتابع: "كانت الصور فيها خصوصية؛ فالحفلة كانت للنساء فقط وكنّ يرتدين ملابس خاصة، اعتذرت زوجتي ممن وصلتهم الصور. الحمد لله أن الصور لم ترسل لأشخاص أصحاب نوايا سيئة".
قصص كثيرة يتناقلها العراقيون عن مشاكل عائلية تسببت بها مقاطع فيديو وصور فاضحة، سُربت من هواتف ذكية بطريقة أو أخرى.
المرشدة التربوية هدى الربيعي، لا تكف عن إعطاء تنبيهات وعبر للطالبات، بالمدرسة الثانوية التي تعمل فيها "أواجه مشاكل خطيرة ترتكز بشكل أساس على التقنية الحديثة التي يساء استخدامها".
وأضافت لـ "العربي الجديد"، "انشغلت عن عائلتي بطالباتي، حتى بعد الدوام المدرسي أبحث مشاكلهن. أذهب أحياناً إلى إحدى العوائل أطالبهم بمساعدتي في حل مشكلة قد تتسبب بكارثة بسبب علاقة غير سليمة يرتبط بها ولدهم مع فتاة في مدرستي".
وأشارت إلى أن تلك العلاقات "تصل إلى حد أن يتبادل الشاب والفتاة صوراً ومقاطع فيديو فيها من الخصوصية ما يجعلها معيبة داخل مجتمعنا، بل أحياناً تصور الفتاة نفسها بوضع مخل بالآداب وترسلها للشاب".
وبينت: "كل تلك المشاكل تسببها إساءة استخدام الهواتف الحديثة التقنية، والبرامج المختلفة التي تغري باستخدامها وبعضها يتعلق بتصوير اللحظات اليومية، وكلها إن لم تستخدم بشكل صحيح تؤدي إلى كوارث داخل المجتمع".
الخوف من المشاكل التي يتسبب بها سوء استخدام الهواتف الذكية لا يقتصر على خوف أولياء الأمور على أبنائهم، بل إنهم يخافون على أنفسهم أيضاً. فتلك الأجهزة قد تتسبب بإدخال الشخص إلى السجن، أو تغريمه بمبلغ من المال؛ فيصل الجحيشي، رضخ للأمر الواقع ودفع "دية" بلغت 10 آلاف دولار؛ حين وثق له أحدهم تسجيلاً بالصوت والصورة وهو يشتم شخصاً بينهما خصام.
الجحيشي، وهو رجل أربعيني يملك باص نقل عمومي، أوضح لـ"العربي الجديد" أن "راكباً تطرق لعائلة معروفة في منطقة بضواحي بغداد الشرقية، كانت لي مع أحد أبنائها مشكلة ونحن على خصام. تحدثت بِغلّ عن هذه العائلة وعن الشخص الذي أمقته بصفة خاصة. ولم أكن أعلم أن الراكب سجل حديثي كاملاً بالفيديو". وأضاف: "تطور الأمر وصار علي أن أدفع مبلغ فدية، بعد جلسة عقدها شيوخ وعلية القوم في منطقتنا، وبالرغم من تأكد الجميع بأن الأمر مدبر، لكن لم يكن من بدّ إلا أن أُغرم".