من كتب النصوص الشعرية للأناشيد الوطنية التي تعزف في الملاعب الرياضية والمناسبات الوطنية وساحات الحروب وباحات التباري والاحتفال، وأي موسيقي هذا الذي حظي بشرف وضع موسيقاها؟
تتيح مناسبة اليورو 2016 الذي انتهى أول من أمس في فرنسا، إمكانية تسليط الضوء على الأناشيد الوطنية التي تعزف لحنا وتلقى كلمات في مدرجات ملاعب تحتضن آلاف الجماهير. فأي شاعر عظيم يحظى بهذا الشرف، وأي موسيقي ذاك الذي تسافر موسيقاه عبر الأزمنة؟
تلك هي الأناشيد الوطنية، وراء كل واحدة حكاية وشاعر ومؤلف موسيقي. أناشيد تعزف بالموسيقى والكلمات، وأناشيد أخرى استعارت الموسيقى واستغنت عن القصيد، لأسباب تتعلق بالهوية الثقافية والتعدد اللغوي.
ولعل مناسبة اليورو 2016 فرصة لتسليط الضوء على بعضها، وإعادة قراءة سياقاتها كمادة أدبية وفنية.
النشيد الوطني الفرنسي.... من أغنية حرب إلى نشيد للحرية
نشيد "لا مارسييز"، كان في الأصل أغنية حرب ثورية ونشيداً للحرية، ثم تحول تدريجياً للنشيد الوطني الفرنسي.
وقد ألّف الضابط الفرنسي روجيه دي ليل الذي كان يؤدي خدمته العسكرية في ستراسبورغ "أغنية الحرب لجيش الراين" في ليلة 25 و26 أبريل/ نيسان 1792 في منزل عمدة المدينة ديتريش، بعد إعلان ملك فرنسا الحرب على النمسا.
وجعلت الجمهورية الثالثة (1879) من نشيد "لا مارسييز" النشيد الوطني، واعتمدت وزارة الحرب في عام 1887 "الصيغة الرسمية" للنشيد بناءً على مشورة لجنة مختصة.
انتشر "نشيد لا مارسييز" في غضون أسابيع في منطقة الألزاس مدوناً أو مطبوعاً، ثم تولى العديد من الناشرين الباريسيين نشره. وأدّت الصيغ المجهولة للإصدارات الأولى للنشيد إلى التشكك في أن روجيه دي ليل هو مؤلف النشيد، لا سيما أنه يعتبر مؤلفاً متوسطاً.
هناك صيغ عديدة لنشيد "لا مارسييز" الذي تم تلحينه بصيغ مختلفة منذ البداية، مع أو بدون غناء. وحدّدت لجنة عام 1887 المؤلفة من موسيقيين محترفين الصيغة الرسمية للنشيد بعدما قامت بتنقيح النص التلحيني والإيقاع.
وكان الرئيس فاليري جيسكار دستان يرغب في الرجوع إلى الأداء الأقرب إلى الأداء الأصلي للنشيد فأمر بإبطاء إيقاعه. والصيغة التي تعزف في يومنا هذا في المناسبات الرسمية هي صيغة معدّلة لنشيد عام 1887. وبموازاة ذلك، قام عدد من موسيقيي المنوعات والجاز بإعادة توزيع "لا مارسييز".
من كلمات النشيد نقتطف التالي:
فهيا يا بني الأوطان هيا
فوقت فخاركم لكم تهيا
أقيموا الراية العظمى سويا
وشنوا غارات الهيجا مليّا
عيكم بالسلاح أيا أهالي
ونظم صفوفكم مثل اللآلي
وخوضوا في دماء أولي الوبال
فهم أعداؤُكم في كل حال
وجودهم غدا فيكم جليا
بنا خوضوا دماء أولي الوبال
أما تصغون أصوات العساكر
كوحش قاطع البيداء كاسر
وخبث طوية الفرق الفواجر
ذبيح بنيكم بظباء البواتر
ولا يبقون فيكم قط حيا
فماذا تبتغي منا الجنود
وهم همج وأخلاط عبيد
كذا أهل الخيانة والوغود
النشيد الوطني الإسباني... عزف بدون نشيد
حسب المؤرخين، هناك فرضيتان لمصدر اللحن الأصلي للنشيد الوطني الإسباني.
الأصل البروسي: يرجح أن يكون فريدرخ الثاني ملك بروسيا، والذي عرف بولعه بالموسيقى، مبدع اللحن الأصلي. ويحتمل أن يكون أهداه في القرن الثامن عشر،لأحد القادة العسكريين الإسبان إبان فترة تدريبهم ضمن الجيش البروسي.
ثم هناك الأصل الأندلسي: في 2007، اكتشف الباحثان الموسيقيان المتخصصان في موسيقى العصر الوسيط في إسبانيا، عمر المتيوي وإدواردو بانياغوا، مقطوعة موسيقية كتبها الفيلسوف السرقسطي ابن باجة في القرن الثاني عشر. وهي توشية لنوبة الاستهلال ذات لحن شبيه باللحن الحالي للنشيد الوطني الإسباني. تم تأكيد التشابهات بين المقطوعتين من طرف الموسيقار الإسباني تشابي بينيدا (Chapi Pineda).
يعتبر النشيد الوطني الإسباني من القلائل، عالمياً، الني تعزف دون كلمات، على غرار أناشيد سان مارينو والبوسنة والهرسك.
عرف النشيد عدة محاولات لإغنائه بكلمات، بطريقة رسمية أو غير رسمية، إلا أنها لم تلق إجماعا أو قبولا بين مكونات المجتمع الإسباني.
ولم تحظ حتى صيغة حكومة خوسي ماريا أثنار، بالقبول، والتي كتبتها، بتكليف من الحكومة الإسبانية، مجموعة من الأدباء الإسبان مختلفي المشارب الإيديولوجية والجهوية، من بينهم جون جواريستي (Jon Juaristi) وأبيلاردو ليناريس (Abelardo Linares). تم إقبار المشروع لرغبة المشهد السياسي، المتوتر آنذاك، في تفادي الدخول في جدال سياسي حول موضوع حساس كإشكالية النشيد الوطني الإسباني.
كما فشلت صيغة ثانية قدمت في 2007، فتسريبها إعلاميا، أجهضها في المهد.
النشيد الوطني البرازيلي... مسحة إيطالية
لحن النشيد الوطني البرازيلي على يدي فرانسيسكو مانيول دي سيلفا في 1882، وبعد الكثير من التغييرات في النشيد في 1922 اعتمد كنشيد رسمي لجمهورية البرازيل على يدي جواكيم دوكي استرادا ولحن كنشيد يميل إلى النغمات الإيطالية الرومانسية كألحان الموسيقار جواكينو روسيني.
من كلماته:
إذا كان شك في المساوة بيننا.
فسوف نتغلب عليه بأيدي قوية،
في قلبك، الحرية،
نتحدى بصدورنا حتى الموت بذاته!
أيها الوطن الحبيب،
الوطن العظيم،
يحميك! يحميك!!
البرازيل، حلم عظيم، شعاع مضيء
من الحب والأمل يملأ أرضك
في السماء الجميلة والمشرفة
صورة (كروزيرو) فيها متألقة.
النشيد الوطني الأرجنتيني... غناء للحرية
كتب كلمات النشيد الوطني الأرجنتيني بيسينتي لوبيث وبلانيس، ولحنه بلاس باريرا سنة 1813.
وهو في العمق لا يختلف عن الأناشيد السابقة من الحقل الدلالي الذي يسبح فيه، فهناك دائما تركيز على الحرية وتكسير الأغلال والوحدة وتمجيد الشعب وسلطته، وتوقه الدائم إلى الرقي وإلى المجد، برغم كل الكوابح والصعاب.
من كلمات هذا النشيد:
اسمعوا يا إنسان الصرخة القدسية
يا حرية... يا حرية... يا حرية
اسمعوا ضوضاء الأغلال المكسورة
شاهدوا في عرش المساواة الشريفة
ويا أحرار العالم قولوا: سلام... للشعب الأرجنتيني الكبير
النشيد الوطني الإيطالي.. مائة عام من الانتظار
إيل كانتو ديلي إيتالياني بالإيطالية: Il Canto degli Italiani وتعني نشيد الإيطاليين، هو النشيد الوطني الإيطالي. ويشتهر هذا النشيد بين الإيطاليين باسم "إينو دي ماميلي" (بالإيطالية: Inno di Mameli وتعني قصيدة ماميلي، كما يعرف أحيانا باسم "فراتيلي ديتاليا" أي إخوة إيطاليا (بالإيطالية: Fratelli d'Italia). كتب النشيد جوفريدو ماميلي في عام 1847 م في جنوى وفي 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1946 م، أي بعد حوالي مائة سنة من كتابته، اعتمد كنشيد وطني لإيطاليا.
من كلمات النشيد الوطني الإيطالي:
إخوة إيطاليا،
إيطاليا استيقظت،
بخوذة سيبيو
ربطت رأسها.
أين النصر؟
اخذل قوسها،
لأجل الله جعلها عبدة روما
دعنا نرتبط في مجموعة،
نحن مستعدّون للموت!
نحن مستعدّون للموت!
رحّبت إيطاليا بنا!
دعنا نرتبط في مجموعة،
نحن مستعدّون للموت!
نحن مستعدّون للموت!
رحّبت إيطاليا بنا!
النشيد الوطني الألماني.. فقرة واحدة للغناء
كلمات النشيد الوطني الألماني للشاعر هينرخ هوفمان فون فالرسلبن عام 1841، ثم تم تركيب مقطوعة موسيقية من تأليف يوزف هايدن تعود للقرن الثامن عشر على تلك الكلمات التي كانت تقسم إلى ثلاثة مقاطع قبل أن يضاف المقطع الرابع مطلع القرن العشرين. وكتب هذا النشيد عبارة عن تأييد مؤلفه لتوحيد الدويلات الألمانية في قيصرية موحدة، فلذلك يعتبر بعض المؤرخين التفسير الأصلي لكلام "ألمانيا فوق كل شيء في العالم" بمعنى: يجب أن تكون مصالح عموم الألمان فوق مصالح الدويلات. وقد تم استغلال هذه النقطة من قبل النازيين، فاستخدموا الربع الأول فقط لينسجم مع مناداتهم بالتفوق العرقي للجنس الآري.
في 11 آب/ أغسطس 1922 تم الإعلان عن الفقرات الثلاث الأولى نشيداً وطنياً رسمياً للجمهورية الألمانية التي أقيمت بعد الحرب العالمية الأولى (جمهورية فايمار). بعد أن تولى الحزب النازي الحكم في ألمانيا عام 1933 تم حذف الفقرتين الثانية والثالثة لتبقى الفقرة الأولى فقط النشيد الألماني. وفي هذه الفقرة توصف حدود ألمانيا من نهر الماس إلى نهر نيمن، أي من هولندا وبلجيكا غربا إلى ليتوانيا شرقاً. وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية ألغيت مكانة النشيد الرسمية، حيث تبنت ألمانيا الشرقية نشيدا وطنيا جديداً بينما بقيت ألمانيا الغربية دون نشيد وطني.
في 1952 أقر رئيس ألمانيا الغربية استخدام الفقرة الثالثة من النشيد كأنها نشيد ألمانيا الوطني عند الحاجة، ولكن دون تحديد مكانة رسمية لها. أما الفقرتان الأوليان للنشيد فكانتا تعتبران محظورتين. بعد إعادة توحيد ألمانيا عام 1990 أصبحت الفقرة الثالثة نشيدا وطنيا لألمانيا الموحدة ولكن مكانتها ما زالت غير رسمية.
ويسمى النشيد الألماني أيضا "أغنية الألمان" ("Das Lied der Deutschen")، وهي اليوم لا تغنى أو تعرض إلا الفقرة الثالثة من النشيد، بينما حظر في ألمانيا الغربية، سابقاً، قبل توحد الألمانيتين، غناء الفقرتين الأوليين أو اقتباسهما باستثناء الاقتباس للأغراض التعليمية من 1945 إلى التوحيد سنة 1990، إلا أنهما لم تستعيدا صفة الرسمية.
تقول الفقرة الأخيرة من النشيد:
وحدة عدالة وحرية
للوطن الألماني!
لأجل ذلك علينا النضال
بإخوة بقلب ويد!
وحدة عدالة وحرية
هم رهن الرخاء،
أزهر بنور هذا الرخاء
أزهر أيها الوطن الألماني
.......
النشيد الوطني الأميركي.. قصيدة للشاعر سكوت
الراية الموشحة بالنجوم بالإنكليزية: The Star Spangled Banner هو النشيد الوطني الأميركي، كلماته مستمدة من "دفاع عن قلعة ماك هنري"، وهي قصيدة ألفها فرانسيس سكوت عام 1814 و هو محامٍ وشاعرٌ هاوٍ. مناسبة كتابته كانت بعد أن رأى الشاعر قصف حصن ماك هنري من قبل سفن البحرية الملكية البريطانية في مدينة بالتيمور عام 1812.
لحنت القصيدة على نغم أغنية بريطانية مشهورة، كتبها جون ستافورد سميس لـ"أناكريونتيك سوسيتس" وهو نادٍ للرجال في لندن بريطانيا. اللحن كان مشهوراً أصلاً في الولايات المتحدة فنظمت عليه قصيدة الراية الموشحة بالنجوم. وأصبحت النشيد الوطني في 31 مارس/ آذار 1931.
من كلماته
قل أيمكنك أن ترى مع ضوء الفجر المبكر
ما أشدنا به بفخر مع آخر لمعات الشفق،
ذي التقليمات الواسعة والنجوم الساطعة، خلال المعركة المحفوفة بالمخاطر وفوق الأسوار شاهدناه يرفرف ببسالة
ووهج الصواريخ الأحمر، وانفجار القنابل في الهواء
دلّ خلال الليل أن علمنا كان لا يزال موجوداً؛
قل ألا تزال هذه الراية الموشحة بالنجوم ترفرف
على أرض الأحرار وموطن الشجعان؟