خرجت عريفة الحايك من فلسطين مع أهلها قبل بدء معارك العام 1948. فلم يشهدوا ما شهده غيرهم من جيل النكبة من تنكيل وتهجير وقتل.
كانت الحاجة عريفة في الثانية عشرة من عمرها في ذلك التاريخ. توجهت مع العائلة إلى بلدة الصرفند الجنوبية الساحلية في لبنان. هناك سكنت لفترة مع أبيها وزوجته، التي كانت على الدوام تظلمها، كما تقول، وتلاحقها كلما هربت إلى أمها التي كانت تسكن في خيمة عند البحر.
لزيتون أرض أهلها في فلسطين مكانة لا توصف لديها. لذلك فهي تزرع أمام بيتها في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، جنوب لبنان، أشجار زيتون حتى اليوم. وهي على مشارف الثمانين وحدها تقطف زيتون دارها كلّ موسم، من دون أن يشاركها أحد.
ولدت عريفة سلمان الحايك عام 1935 في بلدة الناصرة. تروي الكثير من حكايات الترحال من فلسطين، حتى إقامتها في مخيم عين الحلوة. تقول: "والدي كان عاملاً في القطار. ولذلك تنقلنا كثيراً. عشنا فترة في بيسان، وسمخ، وطبريا، وحيفا، ومن ثم منطقة الشيخ التي كانت آخر منطقة حللنا فيها على أرض فلسطين. ومن بعدها تركنا إلى لبنان بعدما سرت إشاعات حول إمكانية نشوب حرب مع الصهاينة. وبما أنّ أبي متزوج من امرأة أخرى غير أمي، من بلدة الصرفند اللبنانية هاجرنا إليها قبل أن يجتاح الصهاينة بلدتنا. هاجرنا كلنا أنا وشقيقاتي الثلاث وشقيقي الوحيد من أبي وأمي، وأخوتي الآخرين من أبي الذين وصل عددهم لاحقاً إلى خمس بنات وثلاثة أولاد من زوجته اللبنانية. تقول عريفة إنّ أخوتها الذكور جميعاً تزوجوا من لبنانيات.
أما عن حياتها في فلسطين، فتقول: "في سمخ، لم تكن هناك حنفيات للمياه، بل كنّا نلجأ لبحيرة طبريا التي تقع القرية عليها. فكان الرجال يأتون بالماء عبر ملء تنك الجبن الفارغة. كما كان في القرية فرن نخبز لديه خبزنا بعد عجنه في المنزل. في الناصرة، كنا نزور أعمامي، ونشاهد إعداد الفلاحين للسمسم في البيادر، ودرسهم القمح. أما النساء فيذهبن إلى البئر وعلى رؤوسهن الجرار السوداء. وكانت هناك مغارة كبيرة، تلجأ إليها النساء من أجل المياه أيضاً. لكن بعد أن أشيع أنّها مسكونة، حملت النساء السلاح في زياراتهن لها". كما تروي عن العلاقة مع السكان الآخرين: "في فلسطين كنا نعيش مع اليهود ونسكن معهم في بيوت متجاورة. كنا نأكل من خبزهم، وذبائحهم، ونقطف الزيتون سوياً".
ترافقها حياة القرية والزراعة حتى اليوم، لكنّ معظمها بات من الذكريات. ومن ذلك "قطف التين وتدبيسه، وصنع العسل، وذبح الزغاليل (الحمام) من أجل طبخة الملوخية، وإعداد شراب البندورة، وقطاف الشمام". تعلق: "عندما جئت إلى المخيم زرعت شجرة زيتون أمام بيتي، لأنها تعني لي الأرض، والوطن، وطني فلسطين".
تزوّجت عريفة من ابن عمها الذي كان يسكن مع أهله في مخيم المية ومية (شرق مخيم عين الحلوة). سكنت معهم في شادر صغير، وعانت كثيراً وهي تعمل في العجن والخبز من أجل أولادها، ومن أجل شقيقتي زوجها وأولادهما. تضيف: "عندما كانت الرياح تهب يطير الشادر ونعاني كثيراً من دون سقف يحمينا. لكن عندما كبر أولادي، انتقلنا إلى مخيم عين الحلوة، فبنينا شبه بيت سقفه معدني وعشنا ثلاثين عاماً. وبعدها بنينا البيت الذي أعيش فيه اليوم، وسكنت فيه مع ضرّتي وأولادنا. انا لديّ 6 بنات و4 أولاد، وهي لديها 3 بنات وولدان. وأحد أولادي استشهد في مواجهة العدو الصهيوني في اجتياح عام 1982، والآخر قتل داخل المخيم".
تتمنى الحاجة عريفة العودة إلى فلسطين. وتروي قصة عن زوجها وابنتها وضرتها الذين زاروا فلسطين عام 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان. فتقول إنّهم استمروا في البكاء طويلاً لحرمانهم من العيش في أرضهم. هي تعرف اليوم أنّ أمنيتها شبه مستحيلة حتى في الدفن في تراب فلسطين، لكنّها تتمنى أن يتمكن أولادها ولو بعد حين من الوصول إلى أرض آبائهم وأجدادهم، وأن يعيدوا فلسطين كما كانت دائماً لأهلها الحقيقيين.
اقرأ أيضاً: صبحي بائع أكياس في عين الحلوة