06 نوفمبر 2024
حكاية مستهلكة
سارعت إسرائيل إلى الترحيب بالبيان الجديد، الذي نشرته اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، أخيراً، وصاغته، من خلال الاتكاء على نهج "التبادلية" الأرعن، لإصدار أحكامٍ تعوزها الصدقية و"النزاهة السياسية" على المواقف والسلوك والاتجاهات لدى طرفي الصراع.
وبموجب بيان ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، جرى التشديد في سياق الترحيب باعتراف الرباعية الدولية بـ"الدور الرئيسي الذي يلعبه التحريض والعنف الفلسطينيان في تكريس الصراع"، لكن، في الوقت نفسه، تم إبداء الأسف لـ"إخفاق هذه الهيئة الدولية في التعامل مع الجذور الحقيقية للصراع، وهي رفض الفلسطينيين العنيد الاعتراف بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، مهما تكن حدودها".
وهكذا وجدنا أنفسنا مرة أخرى إزاء إعادة إنتاج حكايةٍ مستهلكة، وهي إعادة إنتاجٍ مكرورةٍ منذ انطلاق ما تسمى "عملية السلام" قبل أزيد من عقديـن. ومثلما قيل ويُقال دوماً، لم تكن تلك أكثر من "مجرّد عمليةٍ" انعكست في اتفاقاتٍ وتسويات عديدة، وفي القليل القليل من المضامين المهمة، وذات الدلالة المتعلقة بـ"السلام".
ومنذ توقيع اتفاقات أوسلو (1993)، وأكثر فأكثر عقب الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000)، أشير في مقاماتٍ كثيرة إلى أن "شروط السلام الإسرائيلية المعلنة" لا تعِدُ الفلسطينيين حتى بنهاية الاحتلال منذ 1967، بل "تطالبهم بالإعلان عن انتهاء مطالبهم الوطنية، وبإنهاء الصراع من أجلها، قبل أن يتعرّفوا على خارطة بلادهم الجديدة... وذلك في مقابل حق غامض في إضفاء صفة الدولة على شبه دولةٍ محرومةٍ من الاستقلال والسيادة، حيث تتبوأ الاستعارة مكان الجغرافيا، وحيث ينفصل الدالّ عن المدلول والدلالة، ولا تعثر الرموز على أرضها، وفق ما كتب محمود درويش وغيره من المثقفين الفلسطينيين.
وراوحت ردّات الفعل الفلسطينية على تقرير الرباعية الدولية بين الإعراب عن الاستياء الشديد والتلميح بأن القيادة الفلسطينية ستدرس خياراتها في ما يتعلق بكيفية التعاطي مع التقرير، وقد يصل الأمر إلى حدّ إعادة النظر في العلاقة بالرباعية الدولية، وبين القول إن التقرير لا يلبي توقعات الشعب الفلسطيني، لكونه يساوي بين شعبٍ واقع تحت الاحتلال والمحتل.
وفي إسرائيل، اتسمت ردات فعل "مغايرة" لمقاربة المؤسسة السياسية، باعتبار التقرير "إهانة للذكاء"، نظراً لكونه اكتفى بـ "قول البديهيات مع تجاهل واضح لفرص تحقيقها"، وشكّكت في إمكان التوصل، في عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية، إلى أغلبيةٍ تدعم "حل الدولتين"، ووقف البناء في المستوطنات ضمن أراضي 1967.
ويحلو لأصحاب ردّات فعلٍ كهذه أن يعيدوا سبب عدم توفر هذه الأغلبية إلى حُكم اليمين الراهن. وحيال هذا، يجدر التذكير بأن سائر ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي التي وقفت وراء "عملية السلام" (اليسار والوسط) انساقت، هي أيضاً، وراء "العملية"، وما أسماه باحثون في حينه "سحرها المسياني"، ولم تقرأ "الحروف الصغيرة" التي كان يتعيّن عليها الانتباه إليها. وهكذا تغاضت عن واقع أن غالبية "شروط السلام المطلوبة" بقيت في الأدراج، وأن الاحتلال استمر كما لو أنه لم يحدث شيء يذكر، وأن أية مستوطنةٍ لم تتحرّك من مكانها، وأن "العنف" الفلسطيني نتيجة لذلك، لم يتوقف!.
وما زلت أذكر أحد هذه الأبحاث الذي تطرّق إلى موقف تلك الجهات "السلامية" من الفلسطينيين عموماً، فأشار إلى أن هؤلاء الأخيرين ينظرون إلى الصراع مع إسرائيل بالانطلاق من وجهتي نظر غريبتين تماماً عن خطاب اليسار المسياني: الأولى، الاتكاء على الماضي، وبالأساس نكبة الشعب الفلسطيني في 1948 وفيما بعد في 1967. الثانية، البعد الديني، خصوصاً في كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى. وقد محا اليسار المسياني بجرّة قلمٍ هذين العنصرين تماماً، وظلّ يتحدث فقط عن المستقبل، بانقطاع كلي عن الماضي والراهن.
وقبل أن تصبح الحكاية مستهلكةً بهذا القدر من الابتذال، كُتب أيضاً أن أية تسويةٍ تستند إلى وضع الشرط الإسرائيلي في مكانة المقدّس الذي لا مساس به، ويحدّد فيها توازن القوى وحده حجم الحقوق، ستكون تسويةً مرفوضةً، وإن وصفها فقهاء الواقعية بالقول: هذا هو الممكن. وهذا يعني أن السلام الحقيقي غير ممكن.
وبموجب بيان ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، جرى التشديد في سياق الترحيب باعتراف الرباعية الدولية بـ"الدور الرئيسي الذي يلعبه التحريض والعنف الفلسطينيان في تكريس الصراع"، لكن، في الوقت نفسه، تم إبداء الأسف لـ"إخفاق هذه الهيئة الدولية في التعامل مع الجذور الحقيقية للصراع، وهي رفض الفلسطينيين العنيد الاعتراف بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، مهما تكن حدودها".
وهكذا وجدنا أنفسنا مرة أخرى إزاء إعادة إنتاج حكايةٍ مستهلكة، وهي إعادة إنتاجٍ مكرورةٍ منذ انطلاق ما تسمى "عملية السلام" قبل أزيد من عقديـن. ومثلما قيل ويُقال دوماً، لم تكن تلك أكثر من "مجرّد عمليةٍ" انعكست في اتفاقاتٍ وتسويات عديدة، وفي القليل القليل من المضامين المهمة، وذات الدلالة المتعلقة بـ"السلام".
ومنذ توقيع اتفاقات أوسلو (1993)، وأكثر فأكثر عقب الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000)، أشير في مقاماتٍ كثيرة إلى أن "شروط السلام الإسرائيلية المعلنة" لا تعِدُ الفلسطينيين حتى بنهاية الاحتلال منذ 1967، بل "تطالبهم بالإعلان عن انتهاء مطالبهم الوطنية، وبإنهاء الصراع من أجلها، قبل أن يتعرّفوا على خارطة بلادهم الجديدة... وذلك في مقابل حق غامض في إضفاء صفة الدولة على شبه دولةٍ محرومةٍ من الاستقلال والسيادة، حيث تتبوأ الاستعارة مكان الجغرافيا، وحيث ينفصل الدالّ عن المدلول والدلالة، ولا تعثر الرموز على أرضها، وفق ما كتب محمود درويش وغيره من المثقفين الفلسطينيين.
وراوحت ردّات الفعل الفلسطينية على تقرير الرباعية الدولية بين الإعراب عن الاستياء الشديد والتلميح بأن القيادة الفلسطينية ستدرس خياراتها في ما يتعلق بكيفية التعاطي مع التقرير، وقد يصل الأمر إلى حدّ إعادة النظر في العلاقة بالرباعية الدولية، وبين القول إن التقرير لا يلبي توقعات الشعب الفلسطيني، لكونه يساوي بين شعبٍ واقع تحت الاحتلال والمحتل.
وفي إسرائيل، اتسمت ردات فعل "مغايرة" لمقاربة المؤسسة السياسية، باعتبار التقرير "إهانة للذكاء"، نظراً لكونه اكتفى بـ "قول البديهيات مع تجاهل واضح لفرص تحقيقها"، وشكّكت في إمكان التوصل، في عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية، إلى أغلبيةٍ تدعم "حل الدولتين"، ووقف البناء في المستوطنات ضمن أراضي 1967.
ويحلو لأصحاب ردّات فعلٍ كهذه أن يعيدوا سبب عدم توفر هذه الأغلبية إلى حُكم اليمين الراهن. وحيال هذا، يجدر التذكير بأن سائر ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي التي وقفت وراء "عملية السلام" (اليسار والوسط) انساقت، هي أيضاً، وراء "العملية"، وما أسماه باحثون في حينه "سحرها المسياني"، ولم تقرأ "الحروف الصغيرة" التي كان يتعيّن عليها الانتباه إليها. وهكذا تغاضت عن واقع أن غالبية "شروط السلام المطلوبة" بقيت في الأدراج، وأن الاحتلال استمر كما لو أنه لم يحدث شيء يذكر، وأن أية مستوطنةٍ لم تتحرّك من مكانها، وأن "العنف" الفلسطيني نتيجة لذلك، لم يتوقف!.
وما زلت أذكر أحد هذه الأبحاث الذي تطرّق إلى موقف تلك الجهات "السلامية" من الفلسطينيين عموماً، فأشار إلى أن هؤلاء الأخيرين ينظرون إلى الصراع مع إسرائيل بالانطلاق من وجهتي نظر غريبتين تماماً عن خطاب اليسار المسياني: الأولى، الاتكاء على الماضي، وبالأساس نكبة الشعب الفلسطيني في 1948 وفيما بعد في 1967. الثانية، البعد الديني، خصوصاً في كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى. وقد محا اليسار المسياني بجرّة قلمٍ هذين العنصرين تماماً، وظلّ يتحدث فقط عن المستقبل، بانقطاع كلي عن الماضي والراهن.
وقبل أن تصبح الحكاية مستهلكةً بهذا القدر من الابتذال، كُتب أيضاً أن أية تسويةٍ تستند إلى وضع الشرط الإسرائيلي في مكانة المقدّس الذي لا مساس به، ويحدّد فيها توازن القوى وحده حجم الحقوق، ستكون تسويةً مرفوضةً، وإن وصفها فقهاء الواقعية بالقول: هذا هو الممكن. وهذا يعني أن السلام الحقيقي غير ممكن.