ترجّلنا من السيارة لاحتساء القليل من القهوة. نحن في صراعٍ مع الزمن لمحاولة التقاط صور لشروق الشمس.
هي المرة الأولى التي أزور فيها قريتي منذ سنوات. كانت المرة الأولى، منذ ما يقارب الاثنتي عشرة سنة، يوم توفي أحد الأقارب. أمّا زيارتي الأخيرة فكانت يوم قررت تصوير فيلمٍ وثائقي عن قريتي: العين.
هي قرية من قرى بعلبك الهرمل البقاعية، تُحيط بها السلسلة الشرقية وبلدتا الفاكهة وجبّولة. سُمّيت "العين" لكثرة عيون المياه والينابيع فيها. يبلغ عدد سكان العين حوالى 5300 نسمة من مختلف الطوائف: السنية، الشيعية، الكاثوليكية، والأرمنية.
قريةٌ عايشت الانقسامات البقاعية واللبنانية الممتدة من بيروت حتى أقاصي الشمال والجنوب، فكانت لها حصصٌ من الصراعات. استطاعت العين الحفاظ على نوعٍ من الحياد إزاء ما يحصل في البقاع من امتدادٍ للحرب السورية. حيادٌ قد يكون أشبه بمشهدٍ تمثيلي عن التعايُش الذي فقد معانيه الحقيقيّة في لبنان. رُبّ ضارةٍ نافعة. إن كان التمثيل وسيلةً لتجنيبنا الدم والحرب: فلنمثّل جميعاً!
في القرية كنيسةٌ وأقليّةٌ مسيحية مندمجةٌ مع الإسلام. انتقل معظم المسيحيين إمّا إلى بيروت أو إلى أميركا الجنوبية والبرازيل، لتأمين لقمة العيش ومستقبلٍ أفضل. أمّا المسلمون سُنةً وشيعة فبقوا في العين.
توجهنا مع معداتنا إلى السفح المقابل لمنزل العائلة القديم: ثبتنا الكاميرات: واحدة على السطح وأُخرى في الحقل. وانتظرنا بزوغ فجرٍ جديد.. وانتظرتُ سيارات أمنٍ لم تأتِ. توقعت أن يتمّ إيقافنا، أن نُسأل عما نفعله في منطقةٌ قد تُعدّ أمنية بسبب موقعها الجغرافيّ، لكن ذلك لم يحصل. استمرّ التصوير من دون انقطاع. في وسط القرية، تتلوّن الساحة بالأعلام الحزبية، إلّا أن الطابع الحزبيّ يغيب عن زواريبها القديمة والضيقة، وكأن المقصود تلوين وسط الضيعة فقط، مع الحفاظ على حيادية جرودها وبيوتها القديمة وتلالها.
يُطلق والداي اسم "حمّورة" على التلّة الصغيرة التي يقع عليها المنزل، ذلك المنزل الذي احتضن العائلة في أحلك أيام الحرب اللبنانية. هناك أردنا التقاط الشروق والغروب.
أشرقتِ الشمس، التقطت عدساتنا شعاعها الذي زيّن الحقول المحيطة. نشطت حركة القرية، استيقظ الجميع، رحّب بنا الجار وعرض علينا فنجان قهوة. أكملنا يومنا، انتهينا من التصوير، عدنا إلى نقطة الانطلاق والبداية إلى حمّورة. ثبّتنا الكاميرات مجدداً، محاولين توثيق مغيب الشمس. لطالما تحدثت أمّي عن مغيبٍ سحريّ تحلو مراقبته من على سطح المنزل الصغير. جلست والدتي لساعات طويلة في فصول الثمانينيات الأربعة تراقب العين من الأعلى، تدقق في تفاصيل قريتها الجديدة. جلست عالياً، ألقيتُ النظرة الأخيرة على القرية "الحُلُم"، كما أُريدها أن تكون في ذهني، قبل أن ننطلق نحو المدينة المزدحمة دينياً وسياسياً واجتماعياً، انطلقنا مع القليل من ذكريات "العين".
هي المرة الأولى التي أزور فيها قريتي منذ سنوات. كانت المرة الأولى، منذ ما يقارب الاثنتي عشرة سنة، يوم توفي أحد الأقارب. أمّا زيارتي الأخيرة فكانت يوم قررت تصوير فيلمٍ وثائقي عن قريتي: العين.
هي قرية من قرى بعلبك الهرمل البقاعية، تُحيط بها السلسلة الشرقية وبلدتا الفاكهة وجبّولة. سُمّيت "العين" لكثرة عيون المياه والينابيع فيها. يبلغ عدد سكان العين حوالى 5300 نسمة من مختلف الطوائف: السنية، الشيعية، الكاثوليكية، والأرمنية.
قريةٌ عايشت الانقسامات البقاعية واللبنانية الممتدة من بيروت حتى أقاصي الشمال والجنوب، فكانت لها حصصٌ من الصراعات. استطاعت العين الحفاظ على نوعٍ من الحياد إزاء ما يحصل في البقاع من امتدادٍ للحرب السورية. حيادٌ قد يكون أشبه بمشهدٍ تمثيلي عن التعايُش الذي فقد معانيه الحقيقيّة في لبنان. رُبّ ضارةٍ نافعة. إن كان التمثيل وسيلةً لتجنيبنا الدم والحرب: فلنمثّل جميعاً!
في القرية كنيسةٌ وأقليّةٌ مسيحية مندمجةٌ مع الإسلام. انتقل معظم المسيحيين إمّا إلى بيروت أو إلى أميركا الجنوبية والبرازيل، لتأمين لقمة العيش ومستقبلٍ أفضل. أمّا المسلمون سُنةً وشيعة فبقوا في العين.
توجهنا مع معداتنا إلى السفح المقابل لمنزل العائلة القديم: ثبتنا الكاميرات: واحدة على السطح وأُخرى في الحقل. وانتظرنا بزوغ فجرٍ جديد.. وانتظرتُ سيارات أمنٍ لم تأتِ. توقعت أن يتمّ إيقافنا، أن نُسأل عما نفعله في منطقةٌ قد تُعدّ أمنية بسبب موقعها الجغرافيّ، لكن ذلك لم يحصل. استمرّ التصوير من دون انقطاع. في وسط القرية، تتلوّن الساحة بالأعلام الحزبية، إلّا أن الطابع الحزبيّ يغيب عن زواريبها القديمة والضيقة، وكأن المقصود تلوين وسط الضيعة فقط، مع الحفاظ على حيادية جرودها وبيوتها القديمة وتلالها.
يُطلق والداي اسم "حمّورة" على التلّة الصغيرة التي يقع عليها المنزل، ذلك المنزل الذي احتضن العائلة في أحلك أيام الحرب اللبنانية. هناك أردنا التقاط الشروق والغروب.
أشرقتِ الشمس، التقطت عدساتنا شعاعها الذي زيّن الحقول المحيطة. نشطت حركة القرية، استيقظ الجميع، رحّب بنا الجار وعرض علينا فنجان قهوة. أكملنا يومنا، انتهينا من التصوير، عدنا إلى نقطة الانطلاق والبداية إلى حمّورة. ثبّتنا الكاميرات مجدداً، محاولين توثيق مغيب الشمس. لطالما تحدثت أمّي عن مغيبٍ سحريّ تحلو مراقبته من على سطح المنزل الصغير. جلست والدتي لساعات طويلة في فصول الثمانينيات الأربعة تراقب العين من الأعلى، تدقق في تفاصيل قريتها الجديدة. جلست عالياً، ألقيتُ النظرة الأخيرة على القرية "الحُلُم"، كما أُريدها أن تكون في ذهني، قبل أن ننطلق نحو المدينة المزدحمة دينياً وسياسياً واجتماعياً، انطلقنا مع القليل من ذكريات "العين".