يسود هدوء حذر العاصمة الليبية طرابلس، في أول أيام الهدنة بعد دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأطراف الليبية إلى وقف إطلاق النار اعتباراً من منتصف ليل اليوم الأحد.
وعاد الهدوء إلى العاصمة، صباح اليوم، بعد أكثر من ثمانية أشهر من المعارك الضارية، حيث لم تشهد الهدنة خروقات تذكر، باستثناء ما رصده المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" من خروقات في محوري صلاح الدين ووادي الربيع، بعد دقائق من دخول الهدنة حيّز التنفيذ.
وجددت حكومة الوفاق الوطني الليبية اليوم موافقتها على دعوة موسكو وأنقرة إلى وقف إطلاق النار.
وأفاد رئيس حكومة الوفاق المعترف بها من الأمم المتحدة فايز السرّاج عن "وقف إطلاق النار الذي بدأ من الساعة فجر اليوم الأحد"، مشدداً مع ذلك على حق قوات حكومته "المشروع في الدفاع عن النفس بالرّد على أي هجوم أو عدوان قد يحدث من الطرف الآخر".
وكان السراج قد أكد السبت، أن حكومته ترحب بالمبادرة الروسية التركية لوقف إطلاق النار في ليبيا، شرط انسحاب القوات المعتدية التابعة للواء حفتر، مؤكداً كذلك التمسك بعقد مؤتمر وطني جامع يفضي إلى انتخابات كحلّ للأزمة في بلاده.
كذلك أعلنت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعومة من الإمارات ومصر أمس وقف إطلاق النار في جميع محاور المنطقة الغربية بليبيا، وعلى رأسها العاصمة طرابلس ومحيطها، اعتباراً من اليوم الأحد 12 يناير/ كانون الثاني 2020.
وقالت مليشيات حفتر، في بيان لها، إنها "ستواجه بكل حسم أي خرق من الجانب الآخر"، قاصدة بذلك قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً والمدعومة مباشرة من تركيا.
وتأتي الاستجابة لمبادرة وقف إطلاق النار بعد ساعات من إدلاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصريحات خلال لقائه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في موسكو، بشأن العمل المشترك للتوصل إلى اتفاق سياسي في ليبيا، وتأكيد الدعوة إلى وقف إطلاق النار التي أطلقها مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء الماضي.
وكان حفتر قد أعلن سلفاً عدم قبوله وقف إطلاق النار، ثم التقى عدداً من المسؤولين الأميركيين في العاصمة الإيطالية روما.
وتتجه الأطراف الرئيسية للصراع حول ليبيا إلى عقد مؤتمر أو أكثر لإحياء العملية السياسية، بعد فشل حفتر في اقتحام طرابلس لمدة 9 أشهر تقريباً.
لماذا قبل حفتر بوقف إطلاق النار؟
وبينما تنتظر ليبيا وصول بعثة دولية للإشراف على وقف إطلاق النار برعاية البعثة الأممية في ليبيا مع تشكيل لجان عسكرية يقترحها الطرفان لإعداد الإجراءات الكفيلة بتنفيذ الهدنة، بحسب مصدر رفيع في حكومة الوفاق، لا يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية، خليفة الحداد، أي مفاجأة في قرار حفتر بالقبول بوقف القتال.
وأوضح الحداد في حديث لـ"العربي الجديد" أن "حفتر منذ أسابيع وهو يبحث عن مخرج له"، لافتاً إلى أن وجوده في روما للقاء السراج دليل على ذلك.
وبحسب ذات المصدر الحكومي الذي تحدث إليه "العربي الجديد"، فإن حفتر رجع مرة أخرى إلى روما الجمعة الماضية للقاء وفد حكومي رفيع، على رأسه وزير الداخلية فتحي باشاغا، بعد أن فشل حفتر في لقاء السراج الأربعاء الماضي، مؤكداً أن مفاوضات غير مباشرة جرت بينه وبين باشاغا بوساطة أميركية ناقشت شكل وقف القتال.
ويوضح الحداد من جانبه أن حفتر "كان يبحث عن مخرج مشرف في أوروبا بعيداً عن الضغط الروسي بعد تقارب موسكو مع تركيا، لكنه بكل تأكيد فشل في ذلك"، مؤكداً أن شكل وقف إطلاق النار ببقاء حفتر في مواقعه في سرت وجنوب طرابلس لم يكن ليقبل به وزير الداخلية في تفاوضه مع حفتر.
وأكد الأستاذ الجامعي أن حفتر منذ نجاح الحكومة في عقد حلف مع تركيا "كان يعرف أنه دخل في ورطة، وأن الهزيمة العسكرية ستكون حليفه، ومن يومها لم تتوقف الأطراف الداعمة له عن البحث عن مخرج والرجوع بالموقف إلى فضاءات الحلول السياسية".
وبينما يقرّ الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، بأن بيان المتحدث الرسمي باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، المقتضب ليل البارحة دون تفصيل في أسباب القبول بالهدنة يعكس غضب حفتر بشكل واضح من داعميه، ولا سيما في أبوظبي والقاهرة الذين رضخوا لضغوط الرئيس الروسي بوتين خلال الساعات الماضية، إلا أنه في ذات الوقت يرى أن القبول بوقف إطلاق النار وفق أوضاع حفتر العسكرية تشكل له نصراً نسبياً، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن بياني السراج ليل البارحة وصباح اليوم يبدو عليهما التباين.
وأضاف أن "بيان السراج الأول خلا من أي شروط تتعلق بانسحاب حفتر من مواقعه، لكن بعد بيانه الأخير وحديثه عن خروقات، أكد ضرورة انسحاب حفتر من مواقعه في محيط طرابلس، بل إن الانسحاب شرط إنجاح أي اتفاق"، مرجحاً أن يكون الاتفاق لا يزال هشاً حتى الآن.
ولا تزال محاور جنوب طرابلس تقتسم السيطرة عليها قوات حفتر وقوات الحكومة، ولا سيما في عين زاره ووادي الربيع، والأهم محورا صلاح الدين وطريق المطار اللذان يعتبران الأقرب إلى قلب العاصمة.
ولا يبدو الموقف في مصلحة الحكومة عند الذهاب إلى طاولة التفاوض السياسي، بحسب البرق، فحفتر يسيطر على الكثير من المواقع، وبيده أوراق مهمة كالنفط، وقال: "في اعتقادي أن الحكومة ستبذل المزيد من الجهود على الصعيد السياسي قبل الوصول إلى مرحلة التفاوض مع حفتر أو ممثليه"، مؤكداً أن قبول حفتر بوقف إطلاق النار نصر سياسي للحكومة قبل أن يكون نصراً عسكرياً.