تتجه أنظار الليبيين والدول الغربية ودول الجوار إلى مجلس نواب طبرق، لمعرفة ما إذا كان سيصادق على حكومة الوفاق الليبية، بنسختها الثانية المصغرة، اليوم الثلاثاء، أم سيرفضها معيداً حكومة الوفاق الوطني إلى نقطة الصفر.
وكان مجلس نواب طبرق قد أرجأ قراره بشأن المصادقة على الحكومة من أمس الإثنين إلى اليوم الثلاثاء، طالباً حضور رئيسها فائز السراج لتقديم برنامج عمل الحكومة وتشكيل لجان برلمانية لذلك، فيما أكد السراج، في تصريح خاص بـ"العربي الجديد" بأنه يعتزم السفر إلى طبرق من أجل تقديم حكومته والدفاع عن معايير المجلس في اختياره للوزراء، قبل إجراء عملية التصويت. وبخصوص السيناريوهات المحتملة أمام الحكومة الليبية الجديدة، أكد السراج بأن المجلس الرئاسي وصل إلى التشكيلة الحكومية المقترحة بعد مشاورات شاقة وجادة في مدينة الصخيرات، معتبراً أن مصلحة البلاد تستوجب الاعتراف بالحكومة في أقرب وقت، والانتقال بعد ذلك إلى الاشتغال وتنفيذ المهام الموكلة للحكومة.
وعلى الرغم من تكثيف المجتمع الدولي خلال الأيام الأخيرة من ضغوطه لتشكيل الحكومة، التي ولدت ليل الأحد الإثنين، قبل دقائق معدودة من انقضاء المهلة التي حددها برلمان طبرق للمجلس الرئاسي لتقدم تشكيلته الجديدة، فإن مصير الحكومة يبدو غير محسوماً في ظل الاعتراضات والخلافات التي سبقت وأعقبت إعلانها، بما في ذلك ما تردد بشأن اعتذار فاخر مفتاح بوفرنة عن منصب وزارة المالية بعدما كان قد رفض تولي أي منصب بهذه الحكومة لكن تم ضم اسمه إلى التشكيل الوزاري بدون موافقته، فضلاً عن الانقسام حولها بين أعضاء برلمان طبرق. وتتألف التشكيلة الجديدة من 18 وزيراً بينهم 5 وزراء دولة على عكس التشكيلة الأولى التي كانت تضم 32 وزيراً. وبينما أوضح رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، في تصريحات لقناة ليبية، أن التأخير كان بسبب دعوة السراج اليوم لمناقشة التشكيلة الوزارية وبرنامج الحكومة، وجه صالح انتقادات غير مباشرة للسراج بقوله إن رئيس الحكومة المكلف "لم يستشرنا في التشكيلة، مع الأسف، وسنلتقي بالوزراء أنفسهم اليوم أو غداً، ونتمعن في سيرهم الذاتية، وبعد ذلك نقرر". وأضاف "إذا تبينت كفاءة الوزراء للنواب فسنصادق عليها، وإذا لم يتم ذلك فطبعاً لن نصوت لصالحها"، لافتاً إلى أن "المصادقة على الحكومة ستتم فرداً فرداً، وبالإمكان قانونياً أن يتم رفض اسم من الأسماء".
وتبدو تصريحات صالح في خصوص التصويت فرداً فرداً على الحكومة، مؤشراً لإسقاط بعض الأسماء وخصوصاً أنّ هناك اتهامات كثيرة تطاول بعض الشخصيات. وتتباين آراء أعضاء برلمان طبرق في خصوص المصادقة من عدمها على التشكيلة الحكومية، إذ استبعد عضو لجنة الدفاع والأمن في مجلس النواب، طارق الجروشي، في تصريحات صحافية حصول حكومة السراج على عدد الأصوات الكافي لكسب ثقة مجلس النواب، لأن "منح الثقة للحكومة وفق الاتفاق السياسي واللوائح المعمول بها يحتاج 120 صوتاً في البرلمان وهذا صعب". غير أن هناك تأويلات قانونية تشير إلى أنه يمكن المصادقة على الحكومة فقط بأغلبية النصف زائد واحد، فيما يشير أعضاء آخرون من المجلس في تصريحات صحافية كثيرة إلى أن غالبية أعضاء البرلمان سيمنحون أصواتهم للتشكيلة الوزارية الجديدة.
ويرى ناشطون ليبيون تحدثت إليهم "العربي الجديد"، أن هناك عدداً من الحقائب المثيرة للجدل والاستغراب، بدءاً بوزير الدفاع الجديد العقيد المهدي البرغثي، الذي يلقى رفضاً من الجهة الشرقية، وهو ما أدى إلى عدم توقيع عضو المجلس الرئاسي الليبي، علي القطراني،على الحكومة. وتعود أسباب ذلك إلى أن البرغثي كان أحد قادة عملية الكرامة بقيادة خليفة حفتر، لكنه انشق عن حفتر أخيراً. وربما يكون هذا الأمر أحد الأسباب التي قد تقود إلى اسقاطه من التشكيلة الجديدة وإعادة الجدل حول منصب وزير الدفاع إلى المربع الأول، وخصوصاً أن هوية من يشغل الوزارة أخرت تأليف الحكومة لأيام.
وكان البرغثي قد شغل منصب آمر الكتيبة 204 دبابات التي قاتلت إلى جانب قوات عملية الكرامة في بنغازي، ثم انضم لما يعرف بانتفاضة 15 أكتوبر، ووضع نفسه تحت إمرة الجيش الليبي ورئاسة الأركان الموالية لبرلمان طبرق. وبحسب مقربين من برلمان طبرق فإن عدداً من أعضائه هددوا بعدم الموافقة على الحكومة إذا أسندت حقيبة الدفاع للبرغثي، منذ بدء تردد اسمه قبل أيام.
في غضون ذلك، يستغرب ناشطون ليبيون يقيمون في تونس من تعيين بعض الأسماء المعروفة بولائها الشديد للنظام السابق. ويشير هؤلاء في أحاديث مع "العربي الجديد" إلى أن "المشكلة ليست في المصالحة ككل مع بقايا نظام معمر القذافي، فنحن مستعدون للتصالح مع نظيفي الايادي منهم، ولكن أن يتم تعيين هؤلاء فهذا أمر غريب".
وكان عضو المجلس الرئاسي، عمر الأسود، قد وجه سلسلة من الاتهامات الى التشكيلة الجديدة التي رفض التوقيع عليها. ومن بين هذه الاتهامات وجود أسماء قال إن تعيينها غير قانوني أصلاً وتخضع للتحقيق في قضايا لدى النائب العام، لافتاً إلى أن هناك أسماء صدرت بحقها أحكام، على حد قوله. وبحسب الأسود، فإنه كان حاضراً في الاجتماع مع المجلس الرئاسي منذ التاسعة من صباح أول من أمس الأحد إلى غاية الثامنة ليلاً "ثم وصلتنا ورقة بها قائمة الحكومة وعلينا القبول بها، ولم نطلع على السير الذاتية للوزراء ولم نتداول بشأنها". وطالب الأسود بحل المجلس الرئاسي داعياً الليبيين إلى أن يتدبروا أمرهم بعد ذلك. واعتبر الاسود أن "هذا المجلس لا يستطيع أن يقدم الكثير، وهذه الحكومة شكلت بطريقة غريبة"، موضحاً أنه "تم وضع أسماء وزراء الدولة الخمسة في دقيقتين". كما طالب مجلس نواب طبرق بتحمل مسؤوليته والتحقيق فيما جرى في مدينة الصخيرات.
وتشير مصادر ليبية في تونس لـ"العربي الجديد" إلى أن المقصودين بالذات هما وزير التخطيط الطاهر الجهمي الذي تولى الحقيبة نفسها إبان نظام القذافي، وكان اسمها "اللجنة الشعبية العامة للتخطيط". وشغل الجهمي أيضاً منصب سفير للقذافي في الصين، ولم ينشق عن النظام إلا في آخر لحظة. كما يبرز أيضاً مهند يونس، الذي اختير لمنصب وزير الشهداء والجرحى، على الرغم من عدم امتلاكه أي مؤهلات. ويتهم يونس، الذي تردد أنباء أمس عن انسحابه، بأنه يعمل في استقدام العمالة المصرية بطريقة غير قانونية. كما يواجه اتهامات بالتورط في العديد من قضايا الفساد. كذلك تبدي المصادر استغرابها من تولي محمد سيالة لمهام وزير الخارجية، لأنه شغل لغاية أغسطس/آب من العام 2011 منصب الأمين المساعد للجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي في عهد نظام القذافي.
وفي محاولة لمنع تكرار سيناريو التشكيلة الحكومية الأولى، سارع المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، للدعوة إلى المصادقة على الحكومة لأنها "فرصة فريدة لإحلال السلام في ليبيا ويجب عدم إضاعتها". كما شكل الاجتماع حول ليبيا، الذي عقد على هامش مؤتمر ميونخ، فرصة أمام وزراء خارجية الدول الغربية الأساسية المعنية بالملف الليبي، للتأكيد أمام رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، على ضرورة تأمين "وجود حكومة وفاق وطني في أسرع وقت ممكن وإقرارها في مجلس النواب من أجل معالجة التحديات التي تواجهها ليبيا وإنهاء معاناة الشعب الليبي ومواجهة تمدد داعش".