12 اغسطس 2018
حكومة الشاهد الثانية أمام تحديات تونس
بعد أن استنزفت مشاورات التعديل الحكومي طاقات مكونات الطبقة السياسية الحاكمة في تونس، بسبب التجاذبات التي حامت حوله في الفترة الماضية، تشكلت حكومة يوسف الشاهد الثانية التي حازت، في النهاية، على تأييد غالبية الأحزاب والقوى السياسية، ما جعلها أول حكومة تحصل على مثل هذا الإجماع السياسي منذ ثورة 14يناير/ كانون الثاني 2011. وهو ما من شأنه بالتالي أن "يعبّد" أمامها طريق نيل الثقة في الجلسة البرلمانية المنتظرة اليوم الاثنين.
وبحسب الفصل 88 من الدستور التونسي الجديد، يتعين أن تحصل حكومة يوسف الشاهد، قبل مباشرة عملها، على ثقة الغالبية المطلقة من نواب البرلمان، أي 109 من إجمالي 217 نائباً. ومن الناحية النظرية، هي ستحظى بدعم أصوات نواب حركة النهضة (69) ونواب ما تبقى من حزب نداء تونس (58) ونواب حزب الابن الضال محسن مرزوق العائد لمشروع تونس (24) ونواب حزب آفاق تونس والتونسيين في الخارج (10) ونواب الكتلة الوطنية (8)، مع الأخذ بالاعتبار إمكانية حصول تفاوت طفيف في الأرصدة التي ستحوم في محيط 169 صوتاً الآن، وبعض النواب قد يستنكفون لأسباب قاهرة شخصية في الغالب عن التصويت على هذا الاسم أو ذاك.
وفي المقابل، الأحزاب التي أعلنت عدم منح ثقتها للحكومة الجديدة، هي الجبهة الشعبية، المعارضة (تحالف أحزاب يسارية وقومية يملك 15 مقعداً في البرلمان) التي انضمت إلى حزب الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، (4 مقاعد) وحزب الوطني الحر (16 مقعداً) وحزب التيار الديموقراطي (3 مقاعد) في تشكيل القوى المعارِضة للتحالف الحكومي. وأعلنت الجبهة الشعبية اليسارية- القومية أنها لن تمنح الثقة للحكومة (15)، وعبّر عن الموقف نفسه رئيس كتلة الاتحاد الوطني الحر (12) وكذلك الكتلة الديمقراطية (12).
ما نراه اليوم في تونس، على الرغم من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في نسختها الثانية، أن رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، المتمسّك بوثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية المقرّة في قصر قرطاج العام الماضي، التي وضعتها الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية، إضافة إلى صندوق النقد الدولي، لم يحقق انتظارات الشعب التونسي، بل تعرّضت حكومته لانتقادات شديدة من الخبراء، بسبب فشلها في التحكّم في التوازنات المالية الداخلية، باعتبار تفاقم عجز الميزانية إلى مستوى قياسي لم يبلغه إلا في عهد حكومة الوحدة الوطنية، والفشل في التحكّم في التوازنات المالية الخارجية المتعلقة بتفاقم عجز الميزان التجاري الذي فاق كل التوقعات، وأدى إلى انهيار الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، وهو انهيار لم يزعزع حكومة الوحدة الوطنية، ولم يحرّك لها ساكنا، حيث حافظت على سياستها في التجارة الخارجية في انتظار أفق سنة 2019.
ولعلَّ أقسى ألوان التَّسلُّط الشمولي التي تعاني منه تونس اليوم سيطرة وصفات المؤسسات الدولية المانحة (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية)، وبصورة أقلَّ وضوحًا المؤسَّسات الأجنبية العملاقة التي أصبحت هي التي تُسيِّرُ البلاد نحو تجميل الرَشوة بإعطاء القروض والاكتتابات، والتَّزوير في الميزانيات العامَّة، لتصيرَ السيادة الوطنية للدولة التونسية، بين عشيَّةٍ وضُحاها، أثرًا بعد عَين. ويتكبد الشعب التونسي الخسائرَ، الواحدة تلوَ الأخرى، في طوفان الأزمات المتلونة، لا سيما أزمة الديون وعلاقة تونس بالمؤسسات الدولية الدائنة (24 مليار دولار حجم الديون الخارجية)، وهو ما سيجعل حكومة الوحدة الوطنية أمام وضعيةٍ صعبة، إذ بات من الضروري أن تقوم الدولة التونسية بجدولة ديونها واتفاق جميع الأطراف على بداية التفكير في هذه الجدولة، وايجاد الحلول الضرورية، والحيلولة دون فقدان تونس سيادتها الوطنية، بفعل فساد الطبقة السياسية الحاكمة، والضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية المانحة، لفرض هيمنتها وإرادتها بنظُمها السياسيَّة والاقتصاديَّة، وبسط سطوتها العسكريَّة، واستعمارها الاقتصاديَّ على الشعب التونسي.
وفضلاً عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، تعيش تونس اليوم في ظل أزمة سياسية أيضًا، فالنظام السياسي التونسي الذي جاء به دستور 2014 هجين وشاذ، إذ يصعب تصنيفه، فهو ليس نظامًا قائمًا على الفصل المرن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما هو الحال على العموم في الأنظمة البرلمانية، وهو أيضًا ليس نظاما قائما على الفصل الصارم بين السلطتين، كما هو معمول به في الأنظمة الرئاسية. إنه نظام شبه برلماني وشبه رئاسي. وفي الواقع السياسي التونسي، تعيش البلاد في ظل نظامين، أحدهما شبه برلماني ظاهري ومعلن عنه حسب ما نص عليه الدستور، ونظام خفي يديره قصر قرطاج ويحن إلى دستور 1959، ومن مظاهر ذلك أن مركزة الثقل الحقيقي داخل السلطة التنفيذية ليست في الحكومة، وإنما في قصر الرئاسة في قرطاج.. والحال هذه، هناك أزمة حكم في تونس اليوم، لا سيما في قمة هرم الدولة، فالرئيس الباجي أظهر عجزاً واضحاً في إعادة بناء الدولة الوطنية، وقيادة الجمهورية الثانية، إذ تجاوز الدستور الذي ينص على أن شكل الحكم برلماني، أو أقرب منه، بينما حوّل الرئيس النظام رئاسيا، حين جعل من قصر قرطاج المرجعية الأولى. ثم إن نجاح حكومة
الوحدة الوطنية في مجابهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في تونس مرهون بقضيتين أساسيتين:
أولهما: مجابهة حكومة يوسف الشاهد الفساد الديكتاتوري جذريًا، المدعوم من الطبقة الرأسمالية الطفيلية في الداخل، نظرًا لإفراغه المجتمع التونسي مِن مبادئه المتوارثة، والذي يجد من يدافع عنه من أحزاب الائتلاف الحاكم التي بسبب تجاذباتها السياسية، وصراعاتها على المحاصصات الحزبية على تقاسم المناصب الحكومية، كلفت الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة، فهذه الأحزاب التي تتبنى الليبرالية الاقتصادية ليس وارداً عندها التفكير في إرساء نمط تنمية جديد ونمو جديد.
ثانيًا: تبني حكومة يوسف الشاهد منوالا تنمويا جديدا، وبلورة استراتيجية وطنية لمعالجة الأزمات الرَّاهنة، وفى مُقدَّمتها: التَّركيزُ على القطاعات الإنتاجيَّة، والتركيز على الزراعة التي تُغذي الصناعات الإستراتيجيَّة، وتعديل مؤسَّسات السياحة ومؤتمراتها، وتنمية الاستثمارات في الولايات الفقيرة والمحرومة تاريخيا من التنمية، وترميم الطُّرق والسِّكك الحديديَّة، والتزام حكومة الوحدة الوطنية بالحوكمة الرشيدة. كما أنَّه من الضَّروريِّ أن تلتزمَ الحكومة بترشيد الثروات العامَّة، وتحسين الانتفاع بالقُدرات الذاتية للشعب، وضبط آليات الأسعار وموازين المدفوعات، والالْتزام بالنُّظُم الأكثرِ شفافيةً، لمنعِ الفساد الإداريِّ والمصرفيِّ، وحسن إدارة الممتلكات المؤمَّنة (إن وجدت) وتطوير النُّظُم التكنولوجية، وإضفاء طابع اللاَّمركزيَّة على الحُكم المحلي، وجعل السلطات الإقليميَّة أكثرَ خضوعًا للرَّقابة والمحاسبة، لضمان نزاهتها، وحظر الفساد الأجنبيِّ الخارجي في الأسواق الوطنية.
وبحسب الفصل 88 من الدستور التونسي الجديد، يتعين أن تحصل حكومة يوسف الشاهد، قبل مباشرة عملها، على ثقة الغالبية المطلقة من نواب البرلمان، أي 109 من إجمالي 217 نائباً. ومن الناحية النظرية، هي ستحظى بدعم أصوات نواب حركة النهضة (69) ونواب ما تبقى من حزب نداء تونس (58) ونواب حزب الابن الضال محسن مرزوق العائد لمشروع تونس (24) ونواب حزب آفاق تونس والتونسيين في الخارج (10) ونواب الكتلة الوطنية (8)، مع الأخذ بالاعتبار إمكانية حصول تفاوت طفيف في الأرصدة التي ستحوم في محيط 169 صوتاً الآن، وبعض النواب قد يستنكفون لأسباب قاهرة شخصية في الغالب عن التصويت على هذا الاسم أو ذاك.
وفي المقابل، الأحزاب التي أعلنت عدم منح ثقتها للحكومة الجديدة، هي الجبهة الشعبية، المعارضة (تحالف أحزاب يسارية وقومية يملك 15 مقعداً في البرلمان) التي انضمت إلى حزب الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، (4 مقاعد) وحزب الوطني الحر (16 مقعداً) وحزب التيار الديموقراطي (3 مقاعد) في تشكيل القوى المعارِضة للتحالف الحكومي. وأعلنت الجبهة الشعبية اليسارية- القومية أنها لن تمنح الثقة للحكومة (15)، وعبّر عن الموقف نفسه رئيس كتلة الاتحاد الوطني الحر (12) وكذلك الكتلة الديمقراطية (12).
ما نراه اليوم في تونس، على الرغم من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في نسختها الثانية، أن رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، المتمسّك بوثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية المقرّة في قصر قرطاج العام الماضي، التي وضعتها الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية، إضافة إلى صندوق النقد الدولي، لم يحقق انتظارات الشعب التونسي، بل تعرّضت حكومته لانتقادات شديدة من الخبراء، بسبب فشلها في التحكّم في التوازنات المالية الداخلية، باعتبار تفاقم عجز الميزانية إلى مستوى قياسي لم يبلغه إلا في عهد حكومة الوحدة الوطنية، والفشل في التحكّم في التوازنات المالية الخارجية المتعلقة بتفاقم عجز الميزان التجاري الذي فاق كل التوقعات، وأدى إلى انهيار الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، وهو انهيار لم يزعزع حكومة الوحدة الوطنية، ولم يحرّك لها ساكنا، حيث حافظت على سياستها في التجارة الخارجية في انتظار أفق سنة 2019.
ولعلَّ أقسى ألوان التَّسلُّط الشمولي التي تعاني منه تونس اليوم سيطرة وصفات المؤسسات الدولية المانحة (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية)، وبصورة أقلَّ وضوحًا المؤسَّسات الأجنبية العملاقة التي أصبحت هي التي تُسيِّرُ البلاد نحو تجميل الرَشوة بإعطاء القروض والاكتتابات، والتَّزوير في الميزانيات العامَّة، لتصيرَ السيادة الوطنية للدولة التونسية، بين عشيَّةٍ وضُحاها، أثرًا بعد عَين. ويتكبد الشعب التونسي الخسائرَ، الواحدة تلوَ الأخرى، في طوفان الأزمات المتلونة، لا سيما أزمة الديون وعلاقة تونس بالمؤسسات الدولية الدائنة (24 مليار دولار حجم الديون الخارجية)، وهو ما سيجعل حكومة الوحدة الوطنية أمام وضعيةٍ صعبة، إذ بات من الضروري أن تقوم الدولة التونسية بجدولة ديونها واتفاق جميع الأطراف على بداية التفكير في هذه الجدولة، وايجاد الحلول الضرورية، والحيلولة دون فقدان تونس سيادتها الوطنية، بفعل فساد الطبقة السياسية الحاكمة، والضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية المانحة، لفرض هيمنتها وإرادتها بنظُمها السياسيَّة والاقتصاديَّة، وبسط سطوتها العسكريَّة، واستعمارها الاقتصاديَّ على الشعب التونسي.
وفضلاً عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، تعيش تونس اليوم في ظل أزمة سياسية أيضًا، فالنظام السياسي التونسي الذي جاء به دستور 2014 هجين وشاذ، إذ يصعب تصنيفه، فهو ليس نظامًا قائمًا على الفصل المرن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما هو الحال على العموم في الأنظمة البرلمانية، وهو أيضًا ليس نظاما قائما على الفصل الصارم بين السلطتين، كما هو معمول به في الأنظمة الرئاسية. إنه نظام شبه برلماني وشبه رئاسي. وفي الواقع السياسي التونسي، تعيش البلاد في ظل نظامين، أحدهما شبه برلماني ظاهري ومعلن عنه حسب ما نص عليه الدستور، ونظام خفي يديره قصر قرطاج ويحن إلى دستور 1959، ومن مظاهر ذلك أن مركزة الثقل الحقيقي داخل السلطة التنفيذية ليست في الحكومة، وإنما في قصر الرئاسة في قرطاج.. والحال هذه، هناك أزمة حكم في تونس اليوم، لا سيما في قمة هرم الدولة، فالرئيس الباجي أظهر عجزاً واضحاً في إعادة بناء الدولة الوطنية، وقيادة الجمهورية الثانية، إذ تجاوز الدستور الذي ينص على أن شكل الحكم برلماني، أو أقرب منه، بينما حوّل الرئيس النظام رئاسيا، حين جعل من قصر قرطاج المرجعية الأولى. ثم إن نجاح حكومة
أولهما: مجابهة حكومة يوسف الشاهد الفساد الديكتاتوري جذريًا، المدعوم من الطبقة الرأسمالية الطفيلية في الداخل، نظرًا لإفراغه المجتمع التونسي مِن مبادئه المتوارثة، والذي يجد من يدافع عنه من أحزاب الائتلاف الحاكم التي بسبب تجاذباتها السياسية، وصراعاتها على المحاصصات الحزبية على تقاسم المناصب الحكومية، كلفت الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة، فهذه الأحزاب التي تتبنى الليبرالية الاقتصادية ليس وارداً عندها التفكير في إرساء نمط تنمية جديد ونمو جديد.
ثانيًا: تبني حكومة يوسف الشاهد منوالا تنمويا جديدا، وبلورة استراتيجية وطنية لمعالجة الأزمات الرَّاهنة، وفى مُقدَّمتها: التَّركيزُ على القطاعات الإنتاجيَّة، والتركيز على الزراعة التي تُغذي الصناعات الإستراتيجيَّة، وتعديل مؤسَّسات السياحة ومؤتمراتها، وتنمية الاستثمارات في الولايات الفقيرة والمحرومة تاريخيا من التنمية، وترميم الطُّرق والسِّكك الحديديَّة، والتزام حكومة الوحدة الوطنية بالحوكمة الرشيدة. كما أنَّه من الضَّروريِّ أن تلتزمَ الحكومة بترشيد الثروات العامَّة، وتحسين الانتفاع بالقُدرات الذاتية للشعب، وضبط آليات الأسعار وموازين المدفوعات، والالْتزام بالنُّظُم الأكثرِ شفافيةً، لمنعِ الفساد الإداريِّ والمصرفيِّ، وحسن إدارة الممتلكات المؤمَّنة (إن وجدت) وتطوير النُّظُم التكنولوجية، وإضفاء طابع اللاَّمركزيَّة على الحُكم المحلي، وجعل السلطات الإقليميَّة أكثرَ خضوعًا للرَّقابة والمحاسبة، لضمان نزاهتها، وحظر الفساد الأجنبيِّ الخارجي في الأسواق الوطنية.