أخيراً أُسدل الستار على أزمة الحكومة الانتقالية في دولة جنوب السودان، بإعلان تشكيلها الأسبوع الماضي، وذلك بمشاركة جميع الأطراف، بما فيهم المعارضة المسلّحة بقيادة رياك مشار. مع العلم أن تشكيل الحكومة تأخر مرات عدة، بعد أن تجاوزت التاريخ المحدّد لها، وفقاً لاتفاقية السلام الجنوبي الموقّعة في أغسطس/آب الماضي.
وقد وقّعت في حينه المعارضة المسلحة ومجموعة "المعتقلين العشرة" بقيادة الأمين العام لـ"الحركة الشعبية" باقان أموم، مع الحكومة في جوبا على اتفاقية سلام، لإنهاء الحرب الأهلية التي اندلعت في 15 ديسمبر/كانون الأول 2013، التي قُتل خلالها نحو 300 ألف شخص وشُرّد أكثر من 2.2 مليون نسمة، وفقاً لتقديرات منظمات أممية.
أما عن التشكيلة الحكومية، فقد تضمّنت 30 وزيراً، 16 للسلطة في جوبا، وعشرة لمجموعة رياك مشار، الذي وصل إلى العاصمة، بعد مخاض عسير مؤدياً القسم نائباً أول للرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت. كما مُنحت حقيبتان لمجموعة "المعتقلين العشرة"، ومثلها للأحزاب السياسية الجنوبية على كثرتها.
وبإعلان الحكومة الانتقالية، تنفّس المجتمع الدولي الصعداء وسارع لمباركة الخطوة، على الرغم من تركه سلاح العقوبات مسلّطاً بغية دفع مختلف الأطراف للتوقيع على اتفاقية السلام، التي تمّت بوساطة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، وممثلين عن عدد من الدول الغربية كبريطانيا، والولايات المتحدة، والنرويج، فضلاً عن الأمم المتحدة.
مع ذلك، فقد لا تكفي هذه الخطوة لتطبيق كل بنود اتفاقية السلام، إذ يرى بعض المراقبين في تشكيل الحكومة خطوة متقدمة في سبيل تطبيق الاتفاقية، إلا أنهم يعتبرون أن هناك قنابل موقوتة، تهدد بنسفها في أي لحظة. ويعود السبب إلى انعدام الثقة بين الحكومة والمعارضة، في ظلّ خشية الأخيرة من احتمال اغتيال زعيمها رياك مشار، كما أن اتفاقية السلام، تركت بعض القضايا عالقة من دون حسم، من بينها قضية تقسيم الولايات الجنوبية إلى 28 ولاية بدلاً عن عشرة. وهو أمر ترفضه المعارضة المسلحة والسلمية، إلى جانب فكرة استيعاب الجيش المعارض في الجيش الجنوبي، وهي أيضاً قضية ظلّت معلقة باعتبار أن نقاشها من شأنه أن يطيل تطبيق الاتفاق لسنوات.
وقد اهتمت بعض الدول الغربية في التطورات الأخيرة في جنوب السودان، وفي هذا الصدد، عقدت لجنة فرعية بالكونغرس الأميركي جلسة خاصة لتقييم عملية السلام الجنوبي، الأسبوع الماضي. وتم الاستماع خلالها لإفادات المبعوث الأميركي لدولتي السودان وجنوب السودان، دونالد بوث، فضلاً عن باحثين جنوبيين. واعتبر بوث في الجلسة، أن "عملية السلام في جوبا محاطة بجملة تحديات"، مبدياً في تصريحات نقلتها عنه وكالة "رويترز"، استعداد واشنطن لـ"بحث فرض عقوبات أو حظر للسلاح ضد الزعماء في دولة جنوب السودان، في حال لم يتعاونوا في الحكومة الجديدة لإنهاء الصراع".
من جهتها، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من التقدم في الجنوب، إلا أن مجموعات ضغط داخل الكونغرس الأميركي، باتت حريصة على استصدار قانون يفرض حظر السلاح، إضافة لعقوبات أخرى على الفرقاء الجنوبيين، وذلك للحدّ من حالة الاقتتال، من دون الالتفات للخطوات التي تمّت أخيراً. وهي خطوة قد ينجح الكونغرس في اتخاذها منفرداً، في ظلّ رفض كل من روسيا والصين تمرير القرار عبر مجلس الأمن الدولي إذ تم إجهاضه أكثر من مرة".
وأضاف بيونق في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "بيانه ركز على جملة من التحديات بينها تركيز الاتفاقية على تقاسم السلطة بين القيادات فقط. بالتالي لا يمسّ الأمر القاعدة، خصوصاً أن الاتفاقية تجاهلت دور الشباب، تحديداً الجيش الأبيض (لقب يُطلق على مقاتلي قبيلة النوير) وشباب الدينكا (القبيلة الكبرى في جنوب السودان)، الذين كانوا شركاء في الحرب. ما يجعل عدم استيعابهم أو تمرير الاتفاقية لهم، بمثابة إشكالية كبيرة". وتابع: "كما أن العلاقة بين سلفاكير ومشار غير سوية، خصوصاً في حال ظهرت أية خلافات جديدة، ما قد يقود إلى فشل الاتفاقية، بالنظر إلى التاريخ المرير بين الرجلين".
كما رأى بيونق في مسألة إصلاح الأمن "معضلة في ظلّ عدم حسم الاتفاقية لأهم تفاصيل الترتيبات الأمنية، من بينها استيعاب الجيش المعارض، وبأي عدد". وأشار إلى أن "دور حكومة السودان مهم، فإذا لم تقتنع الخرطوم أن تنفيذ اتفاقية السلام سيعود لها بالخير، فستكون مشكلة كبيرة، تحديداً إذا ظلّت عقلية استنزاف الجنوب وإضعافه، لإثبات فشل قرار الانفصال للعالم، هي السائدة".
ورصد بيونق جملة من التوصيات لضمان تنفيذ الاتفاقية، من بينها: "تحذير الفرقاء الجنوبيين، بأنه في حالة عدم تنفيذ الاتفاقية عبر آليات محددة، سيجعلهم يدفعون ثمناً لذلك". فضلاً عن توصيات تتصل بـ"مدّ يد العون للجنوب باعتباره أن لدية مقوّمات للتقدّم ليصبح دولة ناجحة".
وذكر أن "بيانه تطرّق لقضية النزاع في منطقة أبيي مع الخرطوم"، مشيراَ إلى انتقادات وجّهها للجانب الأميركي في إدارة الملف، عبر الإشارة لبعض المساندة التي وجدتها حكومة الخرطوم من قبل أفراد في الحكومة الأميركية، جعلت البشير يتعمّد إفشال أية مقترحات تتّصل بحلّ النزاع وقوته، فضلاً عن إقدامه للتراجع عن أية اتفاقات فيما يتصل بأبيي، وعلى رأسها قرار التحكيم الدولي.
عملياً، تواجه عملية السلام الجنوبي برفض من قبل شرائح في الجيش، من بينهم رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي بول ملونق، الذي عبّر عن ملاحظاته حول الاتفاقية. كما أن سلفاكير أكد أكثر من مرة، أنه "حُمل حملاً للتوقيع على الاتفاقية، وأن حكومته رصدت نحو 17 ملاحظة على الاتفاقية".
أما في شأن عودة مشار، فقد وُوجهت بجملة من العراقيل، التي كادت أن تطيح الاتفاقية وتأجلت عودته لنحو أربع مرات، ما رأى فيه مراقبون "نتاجاً طبيعياً للتنازع وسط نافذين في الحكومة بشأن الاتفاقية، وينبئ بشكل المرحلة التي يُتوقع أن تتّسم بالمشاكسة"، لا سيما في ظلّ تركيز كل من سلفاكير ومشار على الانتخابات الرئاسية 2018، للفوز بمقعد الرئاسة، والذي كان أساس الخلاف وقاد سلفاكير لعزل مشار من منصب نائب الرئيس، قبل أربعة أشهر من اندلاع الحرب.
وأطلق الفصيل على نفسه اسم "أنقذوا الوطن"، رافضاً اتفاقية السلام الجنوبي، وقيادة كل من سلفاكير ومشار للجنوب. ذلك على الرغم من أن قائد الفصيل أقانج عبدالباقي أكول، شارك في الحرب الجنوبية، بانحيازه في بدايتها للقتال في صفوف مشار، قبل أن يعود ويقاتل مرة أخرى في صفوف الحكومة في جوبا.
كما عُرف عن الرجل تنفيذه عمليات عسكرية في الجنوب أيام الفترة الانتقالية وقبل انفصال الجنوب عن دولة السودان، إلى أن توصّل لمصالحة مع حكومة الجنوب في وقت لاحق، وتمّ استيعابه في الجيش الجنوبي. وقتها كانت تعتبره جوبا من المليشيات التي كوّنتها الخرطوم لزعزعة استقرارها في ظلّ تبادل الطرفين للاتهامات.
من جهته، رأى رئيس جمعية "الاخوة السودانية الشمالية /الجنوبية"، محجوب محمد صالح، أن "الحكومة الجديدة هيأت الأرضية للمصالحة الوطنية، غير أنه هناك جملة صعوبات تواجه الاتفاقية، من بينها عدم السيطرة على حملة السلاح ومليشيات الطرفين، ما يُمكن أن يقود للانفلات". ودعا لـ"ضرورة فتح باب الحوار مع جميع حملة السلاح ممن شاركوا في الحرب واستيعابهم في الاتفاق".