وتسبب قصف على الحي يوم أمس الثلاثاء، بمقتل وإصابة عدد من المدنيين، في ظل تراشق بالاتهامات بين الطرفين المتقاتلين، إذ تتهم الوحدات الكردية فصائل المعارضة باستهداف المدنيين، فيما تؤكد الأخيرة أن الوحدات متواطئة مع قوات النظام، وتسعى لفرض حصار على مدينة حلب.
وذكر ناشطون أن الوحدات الكردية الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، بدأت باستهداف طريق الكاستيلو (وهو شريان المعارضة الوحيد من وإلى حلب)، منذ مساء الاثنين الماضي، من خلال قنص مدنيين يعبرون الطريق، ما استدعى تدخل فصائل المعارضة السورية، التي فجرت اشتباكات عنيفة، تدخل فيها الطيران الروسي ومقاتلات النظام لصالح الوحدات، وقُتل خلالها المقدم عبد الكريم اليحيى رئيس هيئة أركان "الفرقة الشمالية" التابعة للجيش الحر.
وأوضح الناشطون، أن "فصائل المعارضة استهدفت معاقل الوحدات داخل حي الشيخ مقصود بالأسطوانات المتفجرة وقذائف الهاون، ما أدى إلى مقتل قائد الوحدات في الحي، المدعو (أبو روان)، إثر إصابته بإحدى القذائف، إلى جانب عدد آخر من العناصر".
ويعد حي الشيخ مقصود الذي شهد اشتباكات مشابهة في مارس/آذار الفائت، من الأحياء العشوائية في حلب، وتكوّن خلال العقود الأخيرة من نازحين أكراد قدموا إلى المدينة من قرى وبلدات في ريفها، ويكتسب أهميته في الصراع الدائر للسيطرة على مدينة حلب، لكونه يقع على تلة مرتفعة تطل على معظم أحيائها الغربية، والشمالية.
وأكد النقيب أحمد أمين ملحيس، الناطق باسم "جيش المجاهدين" في حلب، أن سبب الحملة الحالية على حي الشيخ مقصود، هو تكرار استهداف عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي والمعروف اختصارا بـ"PYD" لطريق الكاستيلو، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن هذا الحزب يفتعل بين فترة وأخرى وبالتنسيق مع قوات النظام معارك جانبية لإشغال فصائل المعارضة السورية بها، وصرفها عن معركتها الأساسية معه، ومع المليشيات الطائفية.
ورفض ديبو، ما تؤكده المعارضة السورية، من محاولات الوحدات الكردية قطع طريق الكاستيلو، معتبراً ما تقوله "مجرد حجج باطلة لقصف الحي"، مردفاً بالقول، "إذا افترضنا أن كلامهم صحيح؛ هل يعطي ذلك مبرراً لهم بقصف المدنيين الآمنين".
واعتبر ديبو أن ما يجري من مناوشات في الحي، هو "خرق لوقف إطلاق النار؛ ومنع إيصال المساعدات والمواد الأساسية للمدنيين"، ويعني أنه "فشل تطبيق الخطوة الأولى الممهدة للحل السياسي"، مضيفا، أنه "من المحتمل أن تكون مثل هذه الجرائم الإرهابية سبباً بترحيل الملف السوري برمته إلى مجلس الأمن الدولي".
ومنذ بدء التدخل العسكري الروسي في سورية أواخر أيلول/سبتمبر الفائت، تقدمت الوحدات الكردية تحت غطاء جوي روسي على حساب قوات المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، إذ سيطرت على واحدة من كبرى مدن هذا الريف وهي مدينة تل رفعت، إضافة إلى مطار منغ العسكري، وتُتهم بكونها أحد أذرع النظام العسكرية، وتعمل بالتنسيق المباشر معه.
وقال شرفان درويش وهو أحد القادة العسكريين في قوات "سوريا الديمقراطية"، إن ما يجري بحي الشيخ مقصود، "هو إرهاب بحق المدنيين من أطراف مجموعات تثبت أنها إرهابية" على زعمه.
واعتبر أن فصائل المعارضة المسلحة، "تحاول التغطية على هزائمها وإفلاسها بالانتقام من المدنيين"، متهماً هذه الفصائل بتلقي "أوامر واضحة" من جهة إقليمية لم يسمها، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الفصائل التي تستهدف الشيخ مقصود لم تتحد بمعركة ضد النظام، ولكنها اتحدت ضد الحي"، نافياً أي نية لدى الوحدات الكردية لقطع طريق الكاستيلو، على حد قوله.
من جهته، عبر بسام حاج مصطفى، وهو عضو المكتب السياسي لحركة "نور الدين الزنكي" الفاعلة في حلب وريفها، عن رأي مخالف، مفاده، أن حزب الاتحاد الديمقراطي يفتعل المعارك مع فصائل الجيش السوري الحر كلما مر بـ"أزمة داخلية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، "تعودنا على سياسته بالتحرش بفصائل المعارضة وفرض سياسة الأمر الواقع، وقضم الجغرافيا".
وتعصف بقوات "سوريا الديمقراطية" خلافات سياسية، أدت إلى انسحاب رئيسها المشترك هيثم مناع منها على خلفية إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي (الفيديرالية) في شمال وشمال شرق سورية، إذ يرى مراقبون أن مناع "اكتشف متأخراً" أنه لم يكن سوى "واجهة لا قيمة لها" للتغطية على تحالف الحزب المذكور مع نظام بشار الأسد وإيران.
وأشار حاج مصطفى، إلى أن ما يجري في حي الشيخ مقصود، جاء نتيجة ممارسات وانتهاكات هذا الحزب وذراعه العسكرية، ابتداء من فتح معبر بشكل انفرادي مع مناطق يسيطر عليها النظام، ضارباً بعرض الحائط اتفاقات أبرمها مع فصائل المعارضة.
وأوضح حاج مصطفى، بأن "الاتحاد الديمقراطي" الذي يتزعمه صالح مسلم، افتعل معارك مع الجيش السوري الحر خلال الشهور الأخيرة، مستغلاً الغطاء الجوي الروسي للسيطرة على مدن وبلدات وقرى كانت تحت سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي، مشيراً إلى أن حزب الـ"PYD"، يشترك مع المخططات الروسية والنظام، ويشاغل فصائل الجيش السوري الحر في معارك جانبية لصرفه عن معركته الرئيسية مع قوات نظام بشار الأسد، والمليشيات الطائفية.
وعن الأسباب المباشرة للمناوشات التي تجري في محيط الشيخ مقصود، أكد بسام حاج مصطفى أن عناصر الوحدات الكردية المتمركزة في الحي المطل على طريق الكاستيلو، قاموا بقنص مدنيين يمرون بسياراتهم على هذا الطريق الذي يعد شريان الحياة لمئات آلاف المدنيين داخل مدينة حلب.
وأضاف أنهم يريدون تنفيذ مخطط النظام بتطويق الأحياء التي تقع تحت سيطرة المعارضة في حلب، لكي يهلك آلاف المدنيين جوعاً.
وأكد حاج مصطفى، أن هدف المعارضة السورية المسلحة من العمليات العسكرية، "إبعاد أذى الوحدات الكردية عن طريق الكاستيلو وليس أكثر من ذلك، متهماً حزب الاتحاد الديمقراطي باتباع (بروباغندا إعلامية) لإقناع الرأي العام بأن ما يجري هو استهداف للمدنيين، مستعيراً صور لمجازر النظام بحق المدنيين، وتسويقها إعلامياً على أنها وقعت في حي الشيخ مقصود".
وأردف حاج مصطفى، بالقول، "حزب الاتحاد الديمقراطي ينفذ تعليمات الروس والأميركيين، ونتج من وراء مغامراته لإرضاء التحالف الدولي والبنتاغون تهجير نحو 400 ألف كردي خارج سورية وتدمير مدينة عين العرب".
وتساءل حاج مصطفى في ختام حديثه، "هل من قبيل الصدفة افتعال هذه المعارك الجانبية إثر انتصارات فصائل المعارضة في الريف الجنوبي لحلب على قوات النظام والمليشيات الطائفية، وفي ريف حلب الشمالي على تنظيم (داعش)؟" يجيب، "لا أعتقد ذلك". ويسترسل، المتحدث ذاته، "حزب الاتحاد الديمقراطي يريد افتعال حروب صغيرة، ونحن غايتنا الرئيسية الوقوف بوجه قوات النظام، والمليشيات الطائفية التي تساندها".