لجأ مئات آلاف السوريين إلى مدينة غازي عينتاب التركية، حتى طبعوا أحياءها ومحالها التجارية بطابعهم. بل تحولت إلى حلب أخرى، كالتي غادرها معظمهم
لم يكن مسعود يتخيّل يوماً أن تدفعه الأقدار إلى مدينة غازي عينتاب في جنوب تركيا، حيث يقيم هناك منذ أكثر من عامين بعيداً عن مدينته الباب السورية، شرق حلب، وأهله، وأصدقائه.
يخرج ابن الأربعين عاماً في وقت مبكر من صباح كلّ يوم إلى السوق المركزي في غازي عينتاب. يعمل في مطعم افتتحه أحد أبناء مدينته يقدم الطعام السوري لزبائنه من سوريين وأتراك من ذوي الدخل المحدود. هم عادة من العمال البسطاء السوريين وهم كثر جداً في المدينة: "تكاد تكون مدينة سورية خالصة"، كما يقول.
مسعود يعمل بأجر شهري متواضع يعادل 350 دولاراً أميركياً، لا يكاد يكفيه لسداد أجرة بيت صغير على أطراف المدينة، بالإضافة إلى مصاريف عائلته المكونة من زوجته وأربعة أطفال.
لم تصدر السلطات التركية إحصائية عن عدد السوريين في غازي عينتاب، لكنّها ذكرت أخيراً أنّ هناك نحو مليوني سوري يتوزعون في مختلف أنحاء تركيا. المتابع للشأن السوري في هذا البلد الذي فتح أبوابه أمام السوريين منذ بدء الثورة عام 2011، يدرك أنّ عدداً كبيراً منهم مقيم في عينتاب، ويقدّر مراقبون العدد بنصف مليون، معظمهم من شمال سورية، خصوصاً من حلب وريفها وإدلب وريفها.
مع ذلك، يقول مسعود: "ليس هناك سوري عاطل عن العمل في عينتاب. يعملون في كلّ المهن، وفي كلّ المجالات". كان مسعود يملك محلاً لبيع الهواتف المحمولة في الباب، التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) اليوم. لكنّه لا يملك المال الكافي لافتتاح محل مثله في عينتاب التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار بدأ مع لجوء السوريين إليها.
في أواخر عام 2013 بدأ التوافد الكبير للسوريين إلى مدينة غازي عينتاب مع انطلاق "حملة البراميل" التي شنها طيران النظام على الأحياء الخارجة عن سيطرته في شرق حلب. اضطر آلاف الحلبيين إلى ترك مدينتهم والتوجه شمالاً. اختار معظمهم مدينة غازي عينتاب، ناقلين أموالهم وأعمالهم إليها.
بالترافق مع هذا التوافد الكبير، بدأت المطاعم السورية بالظهور، ومعها محلات الصيرفة، والحلويات، والبقالة، والمقاهي. استأجر السوريون معظم محلات السوق المركزي في عينتاب.
اقــرأ أيضاً
لم يكن مسعود يتخيّل يوماً أن تدفعه الأقدار إلى مدينة غازي عينتاب في جنوب تركيا، حيث يقيم هناك منذ أكثر من عامين بعيداً عن مدينته الباب السورية، شرق حلب، وأهله، وأصدقائه.
يخرج ابن الأربعين عاماً في وقت مبكر من صباح كلّ يوم إلى السوق المركزي في غازي عينتاب. يعمل في مطعم افتتحه أحد أبناء مدينته يقدم الطعام السوري لزبائنه من سوريين وأتراك من ذوي الدخل المحدود. هم عادة من العمال البسطاء السوريين وهم كثر جداً في المدينة: "تكاد تكون مدينة سورية خالصة"، كما يقول.
مسعود يعمل بأجر شهري متواضع يعادل 350 دولاراً أميركياً، لا يكاد يكفيه لسداد أجرة بيت صغير على أطراف المدينة، بالإضافة إلى مصاريف عائلته المكونة من زوجته وأربعة أطفال.
لم تصدر السلطات التركية إحصائية عن عدد السوريين في غازي عينتاب، لكنّها ذكرت أخيراً أنّ هناك نحو مليوني سوري يتوزعون في مختلف أنحاء تركيا. المتابع للشأن السوري في هذا البلد الذي فتح أبوابه أمام السوريين منذ بدء الثورة عام 2011، يدرك أنّ عدداً كبيراً منهم مقيم في عينتاب، ويقدّر مراقبون العدد بنصف مليون، معظمهم من شمال سورية، خصوصاً من حلب وريفها وإدلب وريفها.
مع ذلك، يقول مسعود: "ليس هناك سوري عاطل عن العمل في عينتاب. يعملون في كلّ المهن، وفي كلّ المجالات". كان مسعود يملك محلاً لبيع الهواتف المحمولة في الباب، التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) اليوم. لكنّه لا يملك المال الكافي لافتتاح محل مثله في عينتاب التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار بدأ مع لجوء السوريين إليها.
في أواخر عام 2013 بدأ التوافد الكبير للسوريين إلى مدينة غازي عينتاب مع انطلاق "حملة البراميل" التي شنها طيران النظام على الأحياء الخارجة عن سيطرته في شرق حلب. اضطر آلاف الحلبيين إلى ترك مدينتهم والتوجه شمالاً. اختار معظمهم مدينة غازي عينتاب، ناقلين أموالهم وأعمالهم إليها.
بالترافق مع هذا التوافد الكبير، بدأت المطاعم السورية بالظهور، ومعها محلات الصيرفة، والحلويات، والبقالة، والمقاهي. استأجر السوريون معظم محلات السوق المركزي في عينتاب.
من جهته، يقول مصطفى: "من يتجول في سوق عينتاب يشعر أنه في مدينة حلب". جاء مصطفى (20 عاماً)، مع أهله من حي صلاح الدين في حلب. اضطر إلى ترك عامه الجامعي الأول في كلية الاقتصاد في جامعة حلب. يعمل الآن في محل صيرفة ونقل أموال، بعد إتقانه اللغة التركية جيداً: "لا بد للسوري من تعلّم التركية ليجد عملاً يدرّ عليه مالاً معقولاً. هنا كل شيء باهظ الثمن، لذا ترك شقيقي المدرسة وهو يعمل الآن في مطعم تركي مقابل ألف ليرة تركية في الشهر (نحو 350 دولاراً)". مصطفى يتقاضى مبلغاً أكبر، فراتبه الشهري يصل إلى 500 دولار لدوام يومي يمتد إلى عشر ساعات. مع ذلك، يعتبر أنّ هذا الراتب ضئيل في مقابل الجهد الذي يبذله والمسؤولية التي يحملها. لكنّ مصطفى يبتسم أخيراً: "الله كريم.. تُفرَج".
ينتشر السوريون في معظم أحياء المدينة. يختار الفقراء وذوو الدخل المحدود منطقة دوز تبه لسكنهم. هناك قد يجد السوري منزلاً مستأجراً بأقل من 100 دولار شهرياً. أما المرتاحون أكثر مادياً فيسكنون في كاوا كليك، والإبراهيملي. بينما تتوزع الطبقة الوسطى من السوريين اللاجئين في عدة أحياء، منها كراطاش، وبنيفلر.
يقول الصحافي السوري مرشد النايف (مقيم في المدينة): "لا يمكن النظر إلى السوريين في مدينة غازي عينتاب ككتلة واحدة. هناك تمايز واضح لجهة الأعمال التي يشغلونها. نجد أصحاب الاستثمارات البسيطة في المطاعم ومحلات السمانة والبقالة، واليد العاملة الماهرة وغير الماهرة، وعدداً كبيراً من الشباب السوريين المتعلمين الذين يعملون مع أكثر من 56 منظمة عربية وأجنبية تهتم بالشأن السوري".
يلفت إلى أن مدينة غازي عينتاب تعد أهم مقرات المعارضة السورية أيضاً. فهي تضم أغلب المؤسسات الإعلامية المعارضة، ومقر الحكومة السورية المؤقتة، ومنظمات واتحادات سورية تعمل في الشأن الإغاثي والتعليمي والصحة. ويشير إلى أنّ أعداد السوريين تفوق التوقعات كثيراً، مرجحاً أن يكون العدد 700 ألف، معظمهم من حلب وريفها.
بدوره، لا يخفي مسعود شوقه إلى بيته وأهله في مدينة الباب، لكنه يبدي خشية واضحة من العودة إليها، فهو مطلوب من تنظيم الدولة الإسلامية كونه عنصراً سابقاً في "الجيش السوري الحر". يعلق: "بدأت أفكر بالهجرة إلى أوروبا، كما فعل معظم أصدقائي. لكني سأنتظر حتى مطلع الصيف، وإذا لم تتحسن أحوال سورية سأهاجر".
أما مصطفى فهو على يقين من أنه سيعود في يوم ليس ببعيد إلى مدينته ليكمل دراسته: "لديّ أحلام لن أتنازل عنها. لا يمكن أن أقضي حياتي غريباً".
يجلس السوريون مساءً في مقاهيهم في مدينة غازي عينتاب يتحدثون عن أوضاع بلادهم ومستقبلها. لا حديث يعلو على حديث السياسة، وأخبار التطورات العسكرية في مدينة تقع جنوب تركيا باتت أشبه بمدينة حلب.. لكنّهم يدركون أنّ الشبيه ليس كالأصل.
اقــرأ أيضاً
ينتشر السوريون في معظم أحياء المدينة. يختار الفقراء وذوو الدخل المحدود منطقة دوز تبه لسكنهم. هناك قد يجد السوري منزلاً مستأجراً بأقل من 100 دولار شهرياً. أما المرتاحون أكثر مادياً فيسكنون في كاوا كليك، والإبراهيملي. بينما تتوزع الطبقة الوسطى من السوريين اللاجئين في عدة أحياء، منها كراطاش، وبنيفلر.
يقول الصحافي السوري مرشد النايف (مقيم في المدينة): "لا يمكن النظر إلى السوريين في مدينة غازي عينتاب ككتلة واحدة. هناك تمايز واضح لجهة الأعمال التي يشغلونها. نجد أصحاب الاستثمارات البسيطة في المطاعم ومحلات السمانة والبقالة، واليد العاملة الماهرة وغير الماهرة، وعدداً كبيراً من الشباب السوريين المتعلمين الذين يعملون مع أكثر من 56 منظمة عربية وأجنبية تهتم بالشأن السوري".
يلفت إلى أن مدينة غازي عينتاب تعد أهم مقرات المعارضة السورية أيضاً. فهي تضم أغلب المؤسسات الإعلامية المعارضة، ومقر الحكومة السورية المؤقتة، ومنظمات واتحادات سورية تعمل في الشأن الإغاثي والتعليمي والصحة. ويشير إلى أنّ أعداد السوريين تفوق التوقعات كثيراً، مرجحاً أن يكون العدد 700 ألف، معظمهم من حلب وريفها.
بدوره، لا يخفي مسعود شوقه إلى بيته وأهله في مدينة الباب، لكنه يبدي خشية واضحة من العودة إليها، فهو مطلوب من تنظيم الدولة الإسلامية كونه عنصراً سابقاً في "الجيش السوري الحر". يعلق: "بدأت أفكر بالهجرة إلى أوروبا، كما فعل معظم أصدقائي. لكني سأنتظر حتى مطلع الصيف، وإذا لم تتحسن أحوال سورية سأهاجر".
أما مصطفى فهو على يقين من أنه سيعود في يوم ليس ببعيد إلى مدينته ليكمل دراسته: "لديّ أحلام لن أتنازل عنها. لا يمكن أن أقضي حياتي غريباً".
يجلس السوريون مساءً في مقاهيهم في مدينة غازي عينتاب يتحدثون عن أوضاع بلادهم ومستقبلها. لا حديث يعلو على حديث السياسة، وأخبار التطورات العسكرية في مدينة تقع جنوب تركيا باتت أشبه بمدينة حلب.. لكنّهم يدركون أنّ الشبيه ليس كالأصل.