حماسة إسرائيلية لاستقلال كردستان العراق
في مناسبتين متقاربتين، عبّر، الأسبوع الجاري، كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان، بحماسة واضحة عن تأييدهما المطلق حق كردستان العراق في الاستقلال. وعدّ نتنياهو هذا التطور بمثابة "ضمانة استقرار في مواجهة القوى المتطرفة التي تريد العبث بالمنطقة"، وإن كانت العلاقات السرية بين إسرائيل وأكراد العراق، والتي توطدت في ستينيات القرن الماضي، ليست سراً، إلا أنها المرة الأولى التي يبادر فيها كبار المسؤولين الصهاينة للتعبير عن موقف سياسي، داعم لأكراد العراق، حيث ظلّ صناع القرار في تل أبيب يخشون أن يؤثر الإفصاح عن طابع العلاقات مع الأكراد سلباً على مستقبل هذه العلاقات.
ولا خلاف في تل أبيب على أن استقلال كردستان العراق وإعلانها دولة مستقلة يمثل تحولاً جيواستراتيجياً، يعزز الأمن القومي الإسرائيلي بشكل كبير، فمنذ تفجرت ثورات الربيع العربي، دعت محافل التقدير الاستراتيجي ومراكز التفكير الرائدة في الكيان الصهيوني صناع القرار في تل أبيب إلى المساعدة على تدشين دولة كردية كبيرة، تشمل الأكراد في العراق وتركيا وسورية وإيران. فقد اعتبر السفير الإسرائيلي الأسبق في عمّان وبروكسل، عوديد عيران، والذي يعتبر أحد أبرز الباحثين في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، وعوفرا بانجو، الباحثة في مركز دايان للأبحاث الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، أن تدشين كيان كردي مستقل في شمال العرق "يمثل ذخراً استراتيجياً من الطراز الأول لإسرائيل، لأن ولادة مثل هذا الكيان ستؤدي إلى إضعاف دول قومية في حالة عداء، أو توتر مع إسرائيل، وهي، إيران والعراق وسورية وتركيا. ففي مقال نشراه في "هآرتس" في 26 فبراير/ شباط 2013، لفت عيران وبانجو الأنظار إلى أنه استناداً إلى حسابات "الأمن القومي" الإسرائيلي، فإن القيمة الاستراتيجية لاستقلال كردستان العراق ستتعاظم، في حال تم توحيد كردستان العراق مع المنطقة التي يوجد فيها الأكراد في سورية، على اعتبار أن هذا الواقع سيوجد كياناً إثنياً غير عربي على مساحة واسعة، يرتبط بعلاقات وثيقة بإسرائيل، ما يمنحها هامش حرية واسعاً للحركة والمبادرة في المنطقة.
ولم يفت الباحثين البارزين التنبيه إلى ضرورة تدشين علاقاتٍ مع أكراد إيران، الذين يخوضون صراعاً ضد الجمهورية الإسلامية، التي يمثل برنامجها النووي التهديد الوجودي الوحيد لإسرائيل. ومن نافلة القول إن الحرص على العلاقات مع تركيا لم يعد جزءاً من الاعتبارات التي يمكن أن تفرمل سعي تل أبيب نحو علاقات معلنة مع كرد العراق، بسبب تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية، منذ أحداث أسطول الحرية أواخر مايو/أيار 2010. وفي الوقت نفسه، إسرائيل مطمئنة إلى أن الاعتبارات الاقتصادية لن تدفع تركيا لمعاقبة إقليم كردستان العراق، بسبب العلاقة مع إسرائيل، حيث تجني أنقرة عوائد اقتصادية كبيرة، بسبب لعبها دور شريان الحياة الوحيد بالنسبة للإقليم، علاوة على أن الحكومة التركية نفسها تعمل، على قدم وساق، على حل المشكلة الكردية في تركيا، بالتعاون مع قادة كردستان العراق.
ولا خلاف في تل أبيب على أن تعزيز العلاقة مع الأكراد يستدعي من تل أبيب تكثيف أوجه الدعم لهم. وفي دراسته الصادرة عن "مركز أورشليم لدراسات المجتمع والدولة"، ينصح العقيد السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، جاك نريا، دوائر صنع القرار في تل أبيب بالمسارعة إلى تقديم دعم "إنساني" سياسي واقتصادي للأكراد في أماكن وجودهم. وفي الدراسة التي جاءت بعنوان "الاشتعال الآتي بين تركيا والعراق والثورة السورية"، يرى نريا أن العلاقات مع الأكراد تحسن من قدرة إسرائيل على مواجهة التحديات في المنطقة، وتقلص الحاجة لتوظيف موارد كبيرة لتحقيق المصالح الإسرائيلية.
وتتطلب الإحاطة بعمق الرهان الإسرائيلي على العلاقة مع كردستان العراق العودة إلى استراتيجية "حلف الأطراف" التي بلورها رئيس الوزراء الصهيوني الأول، ديفيد بن غوريون، في خمسينيات القرن الماضي، والتي قامت على مبدأ "عدو عدوي صديقي"، وسعت إلى تدشين علاقات تحالف مع دول وحركات ومجموعات عرقية ودينية، في حال صراع مع العالم العربي، على اعتبار أن من السهل توظيف هذه العلاقات في تحقيق المصالح الإسرائيلية. وقد توسع الصحافي الصهيوني، شلومون نكديمون، وكان مستشاراً لرئيس الوزراء الأسبق، إسحاق شامير، كثيراً في تسليط الضوء على هذه الاستراتيجية، حيث ذكر أن هذا المنطق هو الذي وجه العلاقات السرية بين إسرائيل وكل من تركيا وإثيوبيا وموارنة لبنان وقوات جون قرنق في جنوب السودان. وفي كتابه "الأمل الذي تحطم – العلاقة الإسرائيلية الكردية 1963-1975"، الصادر عام 1996، أوضح نكديمون أن علاقات التعاون والتنسيق بين أكراد العراق، بقيادة مصطفى البرزاني، وإسرائيل تعاظمت، إلى حد كبير، بين عامي 1963 و1973، حيث تولى جهاز "الموساد" توفير السلاح والمال للأكراد الذين كانوا يقاتلون الحكم المركزي في بغداد، وقام بتدريب مقاتليهم. وذكر دان كابسي ويوئيل ليمور، في كتابهما "الوسطاء"، أن رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، ليفي أشكول، سمح لأعضاء من لجنة محرري الصحف الإسرائيلية إجراء حوار غير معدّ للنشر مع البرزاني الذي زار إسرائيل مطلع عام 1966.
ولافت أنه على الرغم من تشديد قادة الكرد في العراق أخيراً على أنهم لا يرون غضاضة في تدشين علاقات مع إسرائيل، إلا أنهم، في الوقت نفسه، يحرصون على إجراء الاتصالات بسرية. ففي 12 فبراير/شباط 2013، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أن وفداً يمثل حكومة كردستان العراق زار إسرائيل، وضم نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة ومسؤولين كباراً آخرين، بحث سبل توثيق التعاون بين الجانبين. واللافت أن الوفد الكردي، بحسب الصحيفة، لم يتردد في زيارة مستوطنة يهودية مقامة في منطقة غور الأردن الذي احتل عام 1967، في خطوة ذات دلالة سياسية، لم يقدم عليها حتى ممثلو الإدارة الأميركية التي تعد أكبر حليف لإسرائيل، ولا سيما أن دول العالم تعتبر الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية غير شرعي.
قصارى القول، يرى الكيان الصهيوني في دولة كردية مستقلة في شمال العراق تحولاً جيواستراتيجياً يخدم مصالح تل أبيب بشكل كبير. لذا، لا يترددون في تشجيع الأكراد على الإعلان عن هذه الخطوة.