ويبدو واضحاً أن الأحزاب الكبرى في البلاد، مثل "المسيحي الديمقراطي" و"الاشتراكي الديمقراطي"، بدأت بمنافسة الأحزاب اليمينية على شعاراتها، واللجوء إلى نماذج لسياسة أكثر صرامة حيال المهاجرين، وهو ما طالبت به نائبة رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي، يوليا كلوكنر، إذ أشارت إلى أهمية سن قانون مشابه لـ"قانون الإسلام" الموجود في النمسا. وأعلنت، في حديث لصحيفة "بيلد"، الأحد الماضي، أنها تشجع بقوة "قانوناً يكرس صراحة حقوق وواجبات المسلمين في ألمانيا على أساس قانوني جديد، مع صفة تفضيلية للنظام القانوني الألماني على الأنظمة الإسلامية، ومنع تمويل المساجد من الخارج وإعادة تعريف الوضع القانوني للجمعيات الإسلامية، إضافة إلى تسجيل أعداد المساجد وطرق تمويلها". بدوره، طالب زميلها في الحزب، ينس شيبان، بإلزام الأئمة بإلقاء خطبهم باللغة الألمانية.
في المقابل، لاقت تلك التصريحات انتقادات، كان أبرزها من نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي وعمدة مدينة هامبورغ، أولاف شولس، الذي اعتبر، في حديث لمجموعة "فونكه" الإعلامية، أنه لا يمكن إصدار قوانين بعينها من أجل طائفة دينية وحسب، مع تأكيده على أهمية تحديد التزامات واضحة للمسلمين في ألمانيا، وتدريب أئمة المساجد للحديث باللغة الألمانية، بالإضافة إلى القساوسة الكاثوليك والحاخامات. مع العلم أن هذه الاقتراحات كانت طرحت في مسودة البرنامج الانتخابي الاتحادي لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، وهو ما كان قد شدد عليه شيبان، مبرراً ذلك، في حديث صحافي، "بأن استمرار إلقاء الخطب في المساجد باللغة الأم يعني إبقاء المسلمين من المصلين، بقلوبهم وأذهانهم، في بلدانهم، وهذا ما يخيفنا، لأنه يعاكس فكرة الاندماج"، لكنه أبدى عدم ممانعته بأن تقدم الدولة مساعدات لتمويل تكوين أئمة، مطالباً المسلمين بدفع الضريبة كما يفعل الكاثوليك لكنيستهم، ومركزاً على ضرورة وقف التمويل من الخارج.
أمام هذا السباق، يرى المراقبون أن الدوافع الانتخابية حتّمت على الأحزاب التقليدية المزايدة على اليمين الشعبوي في بعض الملفات المثيرة للجدل، وأهمها ملف اللاجئين وتقليص أعدادهم، وإجراء تعديلات على أجندة 2010، التي هدفت وقتها إلى إدخال إصلاحات على سوق العمل الألماني لتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية، كما وسن قوانين أكثر صرامة تجاه المسلمين، بعدما طفى هذا الموضوع على السطح أخيراً، نتيجة تصريحات إعلامية متتالية أثارت جدلاً واسعاً، معتبرين أن ذلك ليس إلا لكسب المزيد من الشعبوية.
من جهتهم، رفض أساتذة في العلوم الإسلامية سن قوانين تضيق على المسلمين في البلاد، ومنها إلقاء خطبة الجمعة باللغة الألمانية، لأن ذلك ليس موجوداً أساساً لدى طائفة الكاثوليك، وغير مطلوب منهم إلقاء العظة باللغة اللاتينية مثلاً، وأنه على الرغم من وجود "قانون الإسلام" في النمسا، فإن جامعة فيينا ستسمح للطلاب، بدءاً من الخريف، بالالتحاق بها للمرة الأولى لتعلم علوم الإسلام، علماً أن هذا الاختصاص متوفر في العديد من الجامعات الألمانية منذ سنوات. وأشاروا إلى أن ألمانيا بلد يحترم القانون والحريات، وهناك فصل بين الدين والدولة، مع تأكيدهم على نبذ الكراهية والالتزام بحدود حرية المعتقد. وهذا ما عبر عنه المتحدث باسم الحكومة الاتحادية، شتيفان زايبرت، في غمرة الجدل المثار حول الموضوع. وأكد زايبرت، من برلين أخيراً، أنه لا نية للحكومة بإصدار قانون خاص بالإسلام على غرار النمسا، ولا نية لطرحه. وشدد على أن حرية المعتقد واحدة من الأمور الأساسية التي كرستها القوانين في البلاد، وهي محل تأييد من الحكومة الاتحادية، التي لديها مصلحة كبيرة في التعايش مع المسلمين في البلاد.
وكانت أثيرت، مطلع إبريل/ نيسان الحالي، ضجة في وسائل الإعلام الألمانية حول دور المساجد في البلاد، تسبب بها صحافي ألماني يتقن العربية، وذلك بعد أن زار مسجد "دار السلام" في ضاحية نويكولن في برلين، وصور حلقات لبرنامج عرضته شبكة "أي آر دي" التلفزيونية، بعنوان "تقرير المساجد". وعمد معد التقارير إلى وصف داعية تونسي، كان زار المسجد، وألقى خطبة فيه بـ"الإسلاموي"، علماً أن الخطيب أشاد بالحياة وحرية المعتقد في ألمانيا، وهو المقطع الذي حذف من التقرير. وتساءل الصحافي في التقرير عما إذا كان الدعاة يتحدثون بصورة مغايرة في غياب وسائل الإعلام، في إشارة إلى أن الخطباء يتظاهرون أمام الصحافة بالتحرر. ودفع هذا الأمر بإدارة المسجد، بحسب ما ذكرت صحيفة "تاغيس تسايتونغ"، إلى الاعتراض. وأشارت إلى اعتزامها مقاضاة الصحافي لتوجيهه اتهامات باطلة إلى الخطباء. وأوضحت، في بيان، أن جميع خطب المسجد تترجم بصورة فورية إلى اللغة الألمانية، وأن لجنة المسجد ليس لديها ما تحاول إخفاءه، ما دفع بالصحافي الألماني إلى الاعتذار خطياً، في وقت سارعت المحطة إلى حذف الحلقة عن موقعها الإلكتروني.