تجاوز عدد الروايات المرشحة لجائزة "كتارا" هذه السنة 700 رواية، وفقاً للقائمين عليها، فيما بلغ عدد المشاركات في جائزة "البوكر" العربية 180 رواية.
بعيداً عن السجال الذي يصحب غالباً إعلان النتائج، والتشكيك في لجان التحكيم.. إلخ؛ ينبغي التفكير في هذا الكم الروائي الكبير وطرح بعض التساؤلات المشروعة:
هل استوفت أغلبية النصوص الشروط الأدنى للرواية كجنس أدبي له خصوصياته؟ هل قامت دور النشر بدورها في فرز الروايات وتقييمها قبل نشرها ثم ترشيحها؟ هل بلغ الروائيون المشاركون ما يمكن تسميته بـ"النضج الروائي"؟
فكرت في السؤال الأخير عندما التقيت أخيراً بالقاصّة الكويتية مي النقيب في جامعة كولومبيا بنيويورك، حيث كانت تقوم بجولة أميركية لتقديم مجموعتها القصصية "الضوء الخفي للأشياء" الصادرة بالإنجليزية عن دار (بلومزيري - قطر).
تنتمي النقيب إلى مجموعة من الكتّاب العرب الذين يكتبون بالإنجليزية بينما يعيشون في بلادهم العربية. وهي ظاهرة في تنامٍ مستمر وتستحق الالتفات. وتعكف مي حالياً، كما أخبرتني، على كتابة روايتها الأولى، بعد نجاح مجموعتها القصصية.
وهي بهذا تتبع تقليداً راسخاً عند الروائيين المبتدئين، خصوصاً في الولايات المتحدة، والذين ينشرون قصصهم القصيرة أولاً في مجلات أدبية معروفة مثل "نيويوركر"، ثم يصدرون مجموعات قصصية تكون بمثابة شهادة ميلاد أدبية واعتراف بموهبتهم.
بعد بلوغ هذا النضج، يغامرون في عالم الرواية. فكتابة القصة القصيرة تمرين جيد للتحكّم في تقنيات القص واختيار المواضيع وبناء الشخصيات وإتقان الحبكة وتطوير الأسلوب.
أعرف أن ثمة نقاشاً واسعاً حول جدوى ورش الكتابة الإبداعية، على اعتبار أن الكتابة وليدة الموهبة ولا يمكن بحال من الأحوال تلقينها. مع ذلك، لا يمكن أن ننكر الجهد الكبير التي تقوم به من أجل تكريس وترسيخ فكرة مفادها أن الكتابة حِرفة تحتاج إلى تعلّم وتمرّس وجهد ولا فائدة تُرجى من الارتجال والإلهام.
كما أن الاعتماد على القصة القصيرة وإعادة الاعتبار لها وتعميم ورشات الكتابة الإبداعية، أمور قد تساهم في نضج وصقل المواهب وتقديم نصوص روائية تستوفي الشروط الفنية.
* روائي وأنثروبولوجي جزائري مقيم في نيويورك