اقترح الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي، في العام 2005، إعادة إحياء "عملية هلسنكي" من أجل التصدّي لمشكلات المنطقة وجوارها، وذلك وفق حزم من القضايا المتلازمة، مثل الأمن والسلام، البيئة والتنمية المستدامة، المياه والطاقة، حقوق الإنسان والديمقراطية، كرامة الإنسان والعيش الكريم.
ونحن نذكر أن هذه العملية قد اقترحتها عام 1969 الحكومة الفنلندية، وإبّان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب. وقد اكتسبت هذه العملية زخماً بعدما تعرّضت للنقد والسخرية أربع سنوات. وفي عام 1973، آمن الفرقاء بها، فانطلقت وساهمت في بناء تفاهماتٍ أساسيةٍ، أنقذت العالم من شرور الحروب الدامية.
ولكن بعد استعادة روسيا روحها بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي وارتفاع زخم التأثير الصيني، واشتداد الأزمات التي لا تحل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أدت فكرة إحياء "عملية هلسنكي" بروح جديدة تعود إلى الشرق الأوسط، خصوصا وأن الأمين العام الحالي قد طالب بإحياء هذه العملية أخيرا، في أثناء تقديمه تقريره الأمني عن حالة المنطقة العربية والبلدان المجاورة.
وفي ضوء هذه التحرّكات، وبدلاً من ترك الوطن العربي وهمومه ومشكلاته نهباً للدول العظمى، اقترح رئيس منتدى الفكر العربي عقد اجتماع تشاوري بين مجموعة من المفكرين، والمتابعين والنشطاء الذين يأتون من الأعمدة الأربعة للأمة، لكي يتبادلوا الأفكار والهموم حول ما يمكن عمله، لإيقاف التدهور في العلاقات البينية بين هذه الأعمدة، وهم العرب والترك والفرس والكرد.
وقد قسم البحث في اللقاء الفكري الذي عقد في عمّان يوم 22/7/2018 إلى أربعة محاور، حيث يتحدّث ثلاثة مختصين عن هموم كل عمود من هذه الأعمدة، وعن الذي يريده من باقي الأعمدة.
كان الترك حذرين في مقاربتهم، خشية أن يطالب الكرد بدولة مستقلة، لكنهم أكدوا ضرورة إيلاء الشباب، المكون الديمغرافي الأكبر لسكان الشرق الأوسط، اهتماماً أكبر للتصدّي للقضايا، وللتشبيك وإبداء آرائهم حول أساليب تناول القضايا العالقة في هذا الإقليم المضطرب من العالم.
وقالوا إن حضارتنا الإسلامية قد أظهرت روحها الحقيقية في مسألة اللاجئين السوريين. فبينما تعاجز العالم عن استضافة آلاف من السوريين، نرى أن ثلاث دول إسلامية مجاورة لسورية استضافت سبعة ملايين لاجئ (تركيا ولبنان والأردن).
أما الفرس الممثلون بثلاثة مفكرين من إيران، فقد أكدوا أمرين، الأول رغبة الفرس في العيش المشترك والاحترام المتبادل مع كل دول المنطقة، وهو انعكاس للموقف الرسمي المعلن.
اقــرأ أيضاً
والنقطة الثانية، تأكيدهم أن الحضارة الإسلامية، بأبعادها القيمية والفكرية والحضارية، تجمعنا كلنا. وأن إحياءها لا يفتئت على حقوق المكونات السكانية من غير المسلمين، مسيحيين كانوا أم يهوداً أم يزيديين أم هندوساً أم بوذيين أو مجوساً.
أما الكرد فقد أكّدوا أن همهم الأساسي هو الحصول على كامل حقوقهم بالمساواة، والكرامة، والأمن، والعمل مع باقي المكونات في الدول التي يشكلون نسبةً من سكانها.
وقال أحد المساهمين من الكرد إن الكرد يفتخرون بما قدموه للعالم العربي والإسلامي من تضحياتٍ للتصدي للغزاة عبر التاريخ، لكنهم في المقابل يريدون معاملةً أفضل، ولا يقبلون أن يكونوا مجرد حطب لحروب أو ديكتاتوريات، كما حصل معهم في الماضي القريب.
أما العرب، فقد عبّروا عن الرغبة في التضافر من أجل إنهاء الصراعات الداخلية، واحترام خصوصيتهم حيال التدخلات الخارجية من دول إقليمية أو قوى عالمية. وأكدوا أن السيولة العربية هي مصدر نعمتهم ونقمتهم، سواء تمثلت هذه السيولة في مالهم، أو نفطهم، أو مياههم أو دمائهم. وقالوا إن الحاجة ملحة لبناء نظام تعاون في المنطقة، بدلاً من التنافس الضار المؤدي إلى حالة التنابز.
وقدم الأمير الحسن أكثر من مداخلة، دعا فيها إلى تحويل منبرنا الحضاري الإسلامي إلى مفهوم إنساني شامل، يساهم ليس فقط في إبراز الوجه الحسن لهذه الحضارة، بل ويكون شريكاً فعالاً في صنعها. وأكد أن هذا الاجتماع الذي دعا إليه يأتي من منطلق المسار الثاني الفكري الذي يتناسب مع هدف منتدى الفكر العربي، وهو تجسير الفجوة بين الفكر والسياسة.
وشدد على ضرورة نشر ثقافة اللقاء، وتأكيد الحوار. ولم يتطرّق الحاضرون إلى "عملية هلسنكي"، وإنما أثار رئيس المنتدى فكرة إنشاء "عملية فكرية مستمرة" لها سوابق كثيرة في العالم. وقال إننا بحاجةٍ إلى بناء مواقف توافقية تخاطب بها العالم.
كان هذا الحوار البنّاء يجري والمتشددون الإسرائيليون يقتحمون الأقصى، وإسرائيل ترسل طائراتها لتقصف مواقع في شمال سورية، والعراق ينوء بالمظاهرات المطالبة بالعيش الكريم ومحاربة الفساد، وإيران والولايات المتحدة تتبادلان التصريحات النارية حول المقاطعة النفطية التي تريد أميركا فرضها على إيران.
وقد أثيرت في الحوار الغني قضايا مهمة، مثل علاقتنا مع الغرب، مستقبل الدولة القُطرية، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الجميع.
إذا بنى الفرقاء عملية حوارية فعالة، فهم قادرون على إنشاء "عملية هلسنكي"، تضم أوروبا وروسيا والصين والولايات المتحدة من أجل تهذيب العلاقة بين منطقتنا وكل واحد منهم. وإذا استمر الحوار، فإننا قادرون على الدخول إلى التفاصيل الشائكة التي تقضّ مضاجع هذه العلاقة داخل الإقليم، وبين أقطاره المختلفة.
ولكن بعد استعادة روسيا روحها بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي وارتفاع زخم التأثير الصيني، واشتداد الأزمات التي لا تحل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أدت فكرة إحياء "عملية هلسنكي" بروح جديدة تعود إلى الشرق الأوسط، خصوصا وأن الأمين العام الحالي قد طالب بإحياء هذه العملية أخيرا، في أثناء تقديمه تقريره الأمني عن حالة المنطقة العربية والبلدان المجاورة.
وفي ضوء هذه التحرّكات، وبدلاً من ترك الوطن العربي وهمومه ومشكلاته نهباً للدول العظمى، اقترح رئيس منتدى الفكر العربي عقد اجتماع تشاوري بين مجموعة من المفكرين، والمتابعين والنشطاء الذين يأتون من الأعمدة الأربعة للأمة، لكي يتبادلوا الأفكار والهموم حول ما يمكن عمله، لإيقاف التدهور في العلاقات البينية بين هذه الأعمدة، وهم العرب والترك والفرس والكرد.
وقد قسم البحث في اللقاء الفكري الذي عقد في عمّان يوم 22/7/2018 إلى أربعة محاور، حيث يتحدّث ثلاثة مختصين عن هموم كل عمود من هذه الأعمدة، وعن الذي يريده من باقي الأعمدة.
كان الترك حذرين في مقاربتهم، خشية أن يطالب الكرد بدولة مستقلة، لكنهم أكدوا ضرورة إيلاء الشباب، المكون الديمغرافي الأكبر لسكان الشرق الأوسط، اهتماماً أكبر للتصدّي للقضايا، وللتشبيك وإبداء آرائهم حول أساليب تناول القضايا العالقة في هذا الإقليم المضطرب من العالم.
وقالوا إن حضارتنا الإسلامية قد أظهرت روحها الحقيقية في مسألة اللاجئين السوريين. فبينما تعاجز العالم عن استضافة آلاف من السوريين، نرى أن ثلاث دول إسلامية مجاورة لسورية استضافت سبعة ملايين لاجئ (تركيا ولبنان والأردن).
أما الفرس الممثلون بثلاثة مفكرين من إيران، فقد أكدوا أمرين، الأول رغبة الفرس في العيش المشترك والاحترام المتبادل مع كل دول المنطقة، وهو انعكاس للموقف الرسمي المعلن.
أما الكرد فقد أكّدوا أن همهم الأساسي هو الحصول على كامل حقوقهم بالمساواة، والكرامة، والأمن، والعمل مع باقي المكونات في الدول التي يشكلون نسبةً من سكانها.
وقال أحد المساهمين من الكرد إن الكرد يفتخرون بما قدموه للعالم العربي والإسلامي من تضحياتٍ للتصدي للغزاة عبر التاريخ، لكنهم في المقابل يريدون معاملةً أفضل، ولا يقبلون أن يكونوا مجرد حطب لحروب أو ديكتاتوريات، كما حصل معهم في الماضي القريب.
أما العرب، فقد عبّروا عن الرغبة في التضافر من أجل إنهاء الصراعات الداخلية، واحترام خصوصيتهم حيال التدخلات الخارجية من دول إقليمية أو قوى عالمية. وأكدوا أن السيولة العربية هي مصدر نعمتهم ونقمتهم، سواء تمثلت هذه السيولة في مالهم، أو نفطهم، أو مياههم أو دمائهم. وقالوا إن الحاجة ملحة لبناء نظام تعاون في المنطقة، بدلاً من التنافس الضار المؤدي إلى حالة التنابز.
وقدم الأمير الحسن أكثر من مداخلة، دعا فيها إلى تحويل منبرنا الحضاري الإسلامي إلى مفهوم إنساني شامل، يساهم ليس فقط في إبراز الوجه الحسن لهذه الحضارة، بل ويكون شريكاً فعالاً في صنعها. وأكد أن هذا الاجتماع الذي دعا إليه يأتي من منطلق المسار الثاني الفكري الذي يتناسب مع هدف منتدى الفكر العربي، وهو تجسير الفجوة بين الفكر والسياسة.
وشدد على ضرورة نشر ثقافة اللقاء، وتأكيد الحوار. ولم يتطرّق الحاضرون إلى "عملية هلسنكي"، وإنما أثار رئيس المنتدى فكرة إنشاء "عملية فكرية مستمرة" لها سوابق كثيرة في العالم. وقال إننا بحاجةٍ إلى بناء مواقف توافقية تخاطب بها العالم.
كان هذا الحوار البنّاء يجري والمتشددون الإسرائيليون يقتحمون الأقصى، وإسرائيل ترسل طائراتها لتقصف مواقع في شمال سورية، والعراق ينوء بالمظاهرات المطالبة بالعيش الكريم ومحاربة الفساد، وإيران والولايات المتحدة تتبادلان التصريحات النارية حول المقاطعة النفطية التي تريد أميركا فرضها على إيران.
وقد أثيرت في الحوار الغني قضايا مهمة، مثل علاقتنا مع الغرب، مستقبل الدولة القُطرية، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الجميع.
إذا بنى الفرقاء عملية حوارية فعالة، فهم قادرون على إنشاء "عملية هلسنكي"، تضم أوروبا وروسيا والصين والولايات المتحدة من أجل تهذيب العلاقة بين منطقتنا وكل واحد منهم. وإذا استمر الحوار، فإننا قادرون على الدخول إلى التفاصيل الشائكة التي تقضّ مضاجع هذه العلاقة داخل الإقليم، وبين أقطاره المختلفة.