لا تملّ أطراف الصراع في مالي من البحث عن رأس الخيط الموصل الى طريق السلام المفقود، في منطقة شمال مالي، القريبة من الحدود الجزائرية، منذ عام 1963. ومع كل أمل يلوح في الأفق، وتوافقات يتم التوصل إليها، يخرج المتمردون الطوارق من قمقمهم، بدافع داخلي أو خارجي. لكن حوار الجزائر هذه المرة، يبدو أكثر جدية، ليس بحسب الظروف الإقليمية، التي باتت تفرض على الماليين الخروج سريعاً من مأزق الشمال، ولكن أيضاً لأن أكثر دوافع التمرد في مالي، لم يعد موجوداً، خصوصاً حين كان الأمر يتعلق بالعقيد الليبي الراحل، معمر القذافي.
وبدأت الجولة الثالثة من مفاوضات الحوار بين الحكومة المالية والتنظيمات السياسية والمسلّحة من الطوارق في مالي، الثلاثاء الماضي، في الجزائر، التي تقود الوساطة. وعلى طاولة المفاوضات في هذه الجولة، أربع نقاط تتعلّق بالاعتراف المتبادل بين الحركات الأزوادية والحكومة المالية، بشأن وحدة أراضي مالي، مما يعني إلغاء مشروع الانفصال من أجندة الحركات الأزوادية، في مقابل اعتراف الحكومة المركزية في باماكو بالحقوق والمطالب الشرعية للطوارق في الشمال، إضافة إلى كيفية مشاركة الطوارق في الحكومة والمؤسسات الرسمية المالية، ومسائل التنمية والخدمات الاجتماعية في مناطق شمال مالي، ومكافحة الإرهاب.
ويمثّل الحكومة المالية في المفاوضات، الممثل السامي للرئيس المالي للحوار، موديبو كيتا، ووزير الشؤون الخارجية المالي، عبدولاي ديوب، فيما يحضر قادة ست حركات أزوادية تمثّل سكان الطوارق في شمال مالي، هي حركة "الائتلاف الشعبي من أجل أزواد"، و"تنسيقية الحركات"، و"الجبهة القومية للمقاومة"، و"الحركة الوطنية لتحرير الأزواد"، و"المجلس الأعلى لتوحيد الأزواد"، و"الحركة العربية للأزواد".
وإضافة الى وفدي الطرفين، يشارك في هذه الجولة، ممثلون عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وعن الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأوروبي، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد، ونيجيريا، باعتبارها أطرافاً في الوساطة.
وقال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إن "الجولة الثالثة من الحوار تستهدف إيجاد حل نهائي ودائم للأزمة السائدة في شمال مالي". وأشار الى أن "الوقت وتسارع الأحداث في المنطقة يفرضان العمل مع جميع الأطراف لتسوية الأزمة المالية".
من جهته، جدّد ديوب، التزام حكومة بلاده بمسار المفاوضات، الذي ترعاه الجزائر، وتطبيق كل الاتفاقيات الناتجة عنه، خصوصاً في هذه المرحلة الحاسمة من الحوار.
وقال "إن حكومة باماكو تجدد التزامها أمام المجموعة الدولية واحترامها كل القرارات والاتفاقيات، وبخريطة طريق الجزائر ووقف إطلاق النار". وأكد "أننا سنبذل قصارى جهدنا لاحترام كل ما تم التوصل إليه حتى الآن".
وأشار الى أن "تدهور الوضع أخيراً في منطقة الشمال نتيجة عودة العمليات الإرهابية، يفرض على الماليين استغلال التقارب الحاصل في جولات الحوار لتسوية الأزمة ومواجهة أعداء السلم، خصوصاً بعد حادث مقتل تسعة جنود من النيجر ينتمون إلى بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) في هجوم قرب غاو في شمال البلاد". وطالب كل الحركات الأزوادية "باحترام التزاماتها وتهدئة الاوضاع من أجل الوصول إلى نتائج ملموسة".
ويؤشر ذلك الى مخاوف لدى الحكومة المالية، في شأن إمكانية أن تؤول مخرجات الحوار الوطني الى الفشل، كالتجارب السابقة، فخلال العقد الماضي، وقّعت الحكومة المالية عدة اتفاقات لكنها فشلت.
وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، وقّعت الحكومة المالية والحركات الأزوادية، خلال الجولة الأولى من مفاوضات السلام، على وثيقتين تتضمنان "خريطة الطريق" و"إعلان وقف الاقتتال"، تتعلّقان باحترام اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في 23 مايو/أيار الماضي، والإعلان عن وقف الاقتتال الموقّع في الجزائر في 24 يوليو/تموز الماضي، وتجنّب كل عمل قد يقوّض مبادرات السلام، والتزام نهج الحوار واحترام وحدة مالي.
ويتزامن انطلاق الجولة الثالثة من مفاوضات السلام مع دعوة مجلس الأمن الدولي الأطراف المالية إلى التفاوض بحسن نية، للتوصل إلى اتفاق سلام دائم، واحترام التزاماتها في خارطة الطريق الموقّعة في 24 يوليو/تموز.
لكن قادة الحركات الأزوادية، يحاولون تذليل هذه المخاوف، ويؤكدون التزامهم بالمسار السياسي، ونهج الحوار، ووقف العمل المسلّح، وهذا ما أكده أمين عام "التنسيقية من أجل شعب الأزواد"، حمادي ولد الشيخ، إذ قال إن "حركته ملتزمة بوقف إطلاق النار وبمواصلة المفاوضات حتى تحقيق مكاسب لصالح كل الماليين".
ولفت إلى أن "أحداث العنف الأخيرة، التي شهدتها منطقة غاو في شمال مالي، لن تؤثر بأي شكل من الأشكال على مسار المفاوضات الحالية، لأنها ليست المرة الأولى، التي تعرف فيها المنطقة مشاكل من هذا النوع".
كما أعلن "رئيس الحركة العربية للأزواد" محمد محمود العمراني، "أننا ملتزمون بالحوار، ولدينا أمل كبير في أن نخرج بنتائج إيجابية من هذه المفاوضات، وهناك بعض التقدم في الحوار مع الحكومة، على الرغم من أننا لم نتوصل الى توافقات نهائية".
من جهته، أكد رئيس تنسيقية قبائل "إمغاد"، عزاز أكلو دقدق، أن "المجموعات الإرهابية"، التي نفذت العمليات الأخيرة، التي شهدتها منطقة غاو كبرى مدن شمال مالي، ذات الغالبية من السكان الطوارق، "لن تنجح في استدراج الحركات الأزوادية الملتزمة بقرار وقف إطلاق النار مع الحكومة المالية، إلى مسلسل العنف والحرب مجدداً". وقال إن "مسار المفاوضات إيجابي جداً حتى الآن، ونحن نسعى إلى التوصل إلى حلول فعالة وسلمية".
وتدرس الحكومة المالية والحركات الأزوادية مسألة تشكيل قوة عسكرية مشتركة تتكفل بحماية وتأمين مدن ومناطق شمال مالي، وتشكيل إدارات محلية مشتركة، وتمكين الطوارق من المشاركة في مختلف مستويات السلطة المحلية والمركزية، والجيش، إضافة الى قضايا احترام الهويات المحلية والتمثيل في المجالس المحلية والمركزية.