قالت مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية، إن الإمارات دخلت بقوة على خط دفع السودان إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ما يفتح مجالاً جديدا للمنافسة الإقليمية مع النظام المصري، الذي كان يقدم نفسه خلال الاتصالات الإقليمية، في الفترة الأخيرة، باعتباره الطرف الذي سيدفع الخرطوم لاتخاذ هذه الخطوة، حفاظاً على ما تبقى من دوره الإقليمي، وتعبيراً عن استمرار قدرته على التأثير السياسي في المنطقة.
وكان هذا الدور تعرض لتآكل كبير في السنوات الماضية، بانتقال مصر لمصاف الدول التابعة للسياسات الإماراتية والسعودية بالمنطقة. وزاد تآكله بتوقيع اتفاق السلام الأخير بين تل أبيب وأبوظبي. مع العلم أن تقارير عدة أفادت، أمس الأول، بأن القائمة بأعمال السفير السوداني في واشنطن أميرة عقارب مثلت الخرطوم في الحدث الذي استضافه البيت الأبيض لإشهار التطبيع البحريني الإماراتي مع إسرائيل، من دون أن يصدر أي تعليق رسمي سوداني.
يمثل السودان مطمعاً للسعودية والإمارات وإسرائيل بسبب احتياجاته المتزايدة للمساعدات
وذكرت المصادر المصرية، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، أن الاتصالات بين الإمارات ومجلس السيادة الانتقالي بالسودان تصاعدت لدفع الخرطوم لاتخاذ موقف أكثر مرونة وسرعة في اتجاه التطبيع، مع التعهد بحوافز مختلفة من الإمارات وإسرائيل، تتمثل في مساعدات اقتصادية وفنية كبرى، في مجالات الري والزراعة والموانئ واستكشاف البترول والغاز الطبيعي.
وأضافت المصادر أن أحد الدوافع الأساسية للإمارات للإقدام على هذه الخطوات التحفيزية، استمرار مزاحمة السعودية في منطقة شرق أفريقيا والبحر الأحمر، وتقليص نفوذها الإقليمي، ذلك لأن معظم المشاريع الكبرى التي تروج مصر لها، كمستقبل للشراكة بينها وبين السودان والطرف الإسرائيلي، سيكون للسعودية دور أساسي بها.
ويمثل السودان مطمعاً للسعودية والإمارات وإسرائيل بسبب احتياجاته المتزايدة للمساعدات في جميع المجالات، لإعادة تأهيل المرافق والخدمات والسدود وشبكات المياه والصرف الصحي، وتنمية فرص الاستثمار. ويأتي على رأسها المجالات الزراعية والإنتاج الحيواني بعد إنشاء سد النهضة الإثيوبي، والذي سينعكس بالإيجاب على قدرات السودان الزراعية وسيمكنه من وضع خطة مستدامة لري الأراضي طوال العام، إذا تحقق التكامل بين أكبر سد في القارة الأفريقية والسدود السودانية المحلية التي تسعى الحكومة لزيادة طاقتها الاستيعابية وترميمها، لا سيما بعد الفيضان الأخير الذي عانت منه البلاد.
وبحسب المصادر فإن القيادات العسكرية في مجلس السيادة السوداني متحمسة للاتصالات الإماراتية والمصرية سواء بسواء، لكنها عبرت عن وجود خلافات داخلية مع العناصر المدنية في المجلس والحكومة، حول مدى إمكانية إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل في هذا العهد الاستثنائي، حيث يتمسكون بإرجاء مثل هذه القرارات المصيرية لنظام منتخب بالكامل، ليكون قادراً على مواجهة أي احتجاجات شعبية، إسلامية ويسارية، ربما تنفجر في وجه السلطة المؤقتة وتشعل الأوضاع من جديد.
خلافات داخلية مع العناصر المدنية في مجلس السيادة والحكومة حول مدى إمكانية إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية وخليجية قد قالت، لـ"العربي الجديد" في 15 أغسطس/آب الماضي، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "ييذل جهوداً أخرى للإسراع بإدخال السودان دائرة الدول العربية المطبعة، كجزء من التخطيط الأميركي الجديد للمنطقة، مغرية الخرطوم بانهمار المساعدات المالية واللوجيستية عليها من الولايات المتحدة وأوروبا ودول خليجية". وبعد نشر التقرير بيومين، أعلن المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السودانية حيدر بدوي تأييد حكومة بلاده للتطبيع، الأمر الذي تلقفه مباشرة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالترحيب، قبل أن تعود الخارجية السودانية، عبر وزيرها عمر قمر الدين، لنفي التصريحات السابقة ثم تعلن إقالة المتحدث الرسمي، الذي يبدو أنه قد تحدث بما ليس مصرحاً بنشره، خصوصاً ما أشار إليه من وجود اتصالات بالفعل بين الجانبين.
وذكرت مصادر "العربي الجديد" وقتها أن إقامة علاقات، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي بين السودان وإسرائيل، ستكون حجر زاوية لتأسيس سوق كبيرة للطاقة في منطقة البحر الأحمر، بشراكة مع مصر والسعودية، وذلك من خلال الاستفادة من خبرات الشركات القريبة من إسرائيل، ورغبتها في دخول المنطقة والاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز بالمنطقة، وتكامل الجهود السودانية مع المشاريع المقترحة بين مصر والسعودية والحكومة الإسرائيلية في مجال إنتاج وإسالة الغاز الطبيعي. وأضافت المصادر أن الدخول في شراكة مربحة في هذا المجال هو البديل الوحيد لعدم اندلاع مشاكل بينها على الثروات المتوقع اكتشافها في مناطق البحر الأحمر ومسارات تصدير الإنتاج، خصوصاً بعدما بدأت السعودية التنقيب بنشاط عن الغاز في مياهها الإقليمية بعد ترسيم الحدود البحرية مع مصر، واستحواذها على جزيرتي تيران وصنافير، وتوقيع مذكرة تفاهم مع السودان للتنقيب، وتحديداً في الربع الأول من العام 2019.