حول اقتباسها لجان جينيه تقول كاتبة النصّ، عواطف نعيم، لـ "العربي الجديد" إننا "نظل نعيد قراءة المسرح العالمي من أجل إنتاج معنى جديد يتناسب مع ما لدينا من قضايا".
يكتشف العارف بالنصّ الأصلي مسافة بينه وبين النصّ المقتبس، توضّح نعيم ذلك بقولها: "ثمة مسافة بعيدة بين نصّي ونصّ جان جينيه، أخذت فكرة الخادمات وأسقطتها على حياة عراقية بعلاقات جديدة، وسخونة أحداث أخرى وعقد شخصيات مغايرة".
من جهتها، تقول الممثلة إقبال نعيم "حاولنا أن نتجاوز شخصيات جان جينيه المفعول بها إلى شخصيات فاعلة، خصوصاً الشخصية التي أدّيتها. صحيح أنها ظلت شخصية ساكنة لكنها تبني في الداخل".
يفتح المسرح على مشهد إحدى الخادمات (إقبال نعيم) وهي تشعل سيجارة، قبل أن تدخل في حديث متوتر مع الخادمة الثانية (سوسن شكري) حين تجدها قد ارتدت ثوباً لـ "الخاتون" سيدة البيت (سمر محمد). حديث يكشف عن شبكة علاقات استغلالية تحكم البيت عبّرت عنها لعبة الأثواب.
في ذروة الجدل بين الخادمات، تظهر "الخاتون" وتكتشف ما حصل في غيابها، فتزيد من غطرستها وإذلالها للخادمتين بنزع الثوب بالقوة من جسد الخادمة (كانت تلبس تحته ثوب الخادمة)، فتتمرد الامرأتان وتخلعان عن "الخاتون" أثواب السيادة وتستبدل بنفس ثوب الخادمات.
وفي آخر حركة مسرحية، تظهر كاتبة العمل والمخرجة عواطف نعيم على الخشبة حين تصعد الركح، من جانب المتفرّجين، كسيّد جديد في اللحظة نفسها التي تثور فيها الخادمات.
وهنا توضّح الكاتبة: "أردت أن أقول إن الديكتاتورية تتوالد من خلال خنوعنا وخضوعنا. لكن في لحظة ثورة الخادمات، كانت هناك ولادة لديكتاتورية جديدة لأن التأسيس لم يكن صحيحاً". وهي تضيء بهذه القراءة واقعاً عراقياً تجد فيه بأن "الحرية والديمقراطية قد أعطيت في شكل حبوب أو أطعمة معلّبة ولم تكن عملية بناء متواصل".
تشتغل عواطف نعيم بكثرة على نصوص كبار المسرح العالمي. كانت أولى تجاربها بالكتابة المسرحية سنة 1988 بمسرحية "لو" من إخراج عزيز خيون عن قصة "الألم" للروسي أنطون تشيخوف، وكرّرت تجربة الاقتباس من نصوص غير مسرحية مع قصص لغائب طعمة فرمان أو فؤاد التكرلي.
لعل واحداً من أبرز اقتباساتها في الفترة الأخيرة، هو مسرحية "برلمان النساء" (2014) عن المسرحي الإغريقي أريسطوفان. وهو عمل انتقدت فيه البرلمان العراقي. وتقول: "عُرض هذا العمل مرّة واحدة في العراق، وفي اليوم الثاني قطعوا عنه الكهرباء في المسرح الوطني كي لا تعرض المسرحية ثانية"؛ ما حقق دعاية للعمل مكّنته من العرض في أماكن كثيرة من العالم.
سألنا الكاتبة المسرحية العراقية "هل ثمة فرق على مستويات التلقي بين متفرّج يعرف النصّ الأصلي وآخر لا يعرفه؟"، تجيب قائلة "ليس من الضروري أن يعرف المتفرّج النصّ الأصلي؛ لأنه سيتلقّى عملاً وفكراً ورؤى وشخصيات، قد تحيله إلى الكاتب الأصلي أو لا تحيله، ولكنها تحيله إلى فكرة يريد العمل أن يقولها". وهي تلاحظ "الأمانة الأخلاقية والأدبية تجعلنا نشير إلى المصدر".
بلا شك، خدم التراكم والوعي بقضايا الاقتباس المسرحي عرض "الصامتات"، (عُرض أخيراً في تونس، ويعرض في "مهرجان المسرح العربي" الذي ينطلق يوم 19 نيسان/ أبريل في القاهرة) ولعله في عدة نواحٍ قد أضاف للشخصيات الرئيسية التي ابتدعها جان جينيه، فلم تعد الإحالة نفسية - طبقية فحسب، بل أخذت بعداً سياسياً يطلب الفعل بحدّة، كما ألقت الضوء على مناطق ظل أخرى في العلاقات الاجتماعية لم يبلغها النص الأصلي.
قطع النص الجديد مع السلبية والاستمرار في الوهم الذي تميّزت به شخصيات الخادمات في مسرحية جان جينيه التي وضعها في نهاية أربعينيات القرن الماضي، تلك التركيبة التي تقود إحدى الخادمتين أن تكون ضحيّة الوهم والحقد في آخر مشاهد المسرحية، في حين تتجرأ شخصيات "الصامتات" على التمرّد بوعي.
تتحدث إقبال نعيم عن دورها، فتقول "أدّيت دور امرأة لا تتميز فقط بكونها تدرك كل ما يحدث في واقعها، بل أنها تشارك في الثورة على واقعها، غير أن ثورتها تفضي إلى سيّد جديد"، وهي ترى أنها "شخصية تحيل إلى أغلبية الشعب الصامت الذي يعرف كيف هُدرت حقوقه ولكنه لا يعرف الطريقة المثلى لانتزاعها".
كما تقدّم الممثلة العراقية قراءة ثانية للدور، فتقول: "ما يحدث في العراق، هو أن الطبقة المثقفة هي الأخرى طبقة صامتة، ترى كل شيء لكن التيّار كان أقوى من قدرات الفعل لديها". وتضيف "إذا كانت السلطة في السابق تقمع صوت المثقف، فقد تغيّرت طريقة تعاملها اليوم، فعوض قمعه أصبحت لا تسمعه نهائياً".