بين الانضمام إلى تنظيم "داعش" أو التعايش مع وضع المناطق الواقعة تحت سيطرته، اختار شبان كثيرون مغادرة سورية ولو خاطروا بحياتهم براً وبحراً.
مذ وصل إلى مدينة أورفة التركية قبل ستة أشهر، ما زال اللاجئ السوري رامي الأصيل يهرب من ضجيج المدينة إلى نهر الفرات الذي يعشقه. يلقي همومه في عمق مياهه. ويستذكر ماضياً بسيطاً عاشه، وهو يتناول كوب شاي من بائع متجول "سكره زيادة"، كما ألفه. يقول عن جلسته تلك: "هنا لا أشعر بالغربة. الفرات يمنح الحب، وآخرون ظالمون يقتلونه في مدينتي دير الزور".
هرب الأصيل إلى تركيا، بعدما باتت مدينته وسكانها غريبين عنه. في بداية الثورة السورية، عمل مسعفاً مع "الجيش الحر". ومع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على المدينة قبل عام، توقف عن عمله. يقول لـ"العربي الجديد": "عناصر داعش داهمت بيتنا مراراً، وصادرت ممتلكاتنا بحجج واهية. خفت أن يجبروني على المبايعة كما فعلوا مع العديد من شبان المدينة وأهاليها، وخرجت بحثاً عن الاستقرار والحرية، بعيداً عن كآبتهم".
باعت والدة رامي، التي ما زالت في مدينة الميادين في ريف دير الزور، 6 أساور ذهب من أجله، كانت قد خبأتها لأيام حالكة منذ يوم زفافها قبل 30 عاماً. يقول: "لم أكن أملك المال للخروج. ما دفعنا لبيعها، خصوصاً أنّ هناك صعوبة في إيجاد عمل في تركيا". واليوم، يعمل رامي مع منظمة إغاثية سورية ناشطة في أورفة، كما يبحث عن عمل آخر يتمكن من خلاله من جلب والدته.
بعد سيطرة "داعش" على دير الزور وريفها وفرض كثير من القيود والقوانين على الأهالي وبالتحديد الشباب، لم يبق أمامهم سوى خيار من اثنين، إما مبايعة التنظيم ومحاولة التأقلم مع الواقع الصعب، أو الهرب إلى مستقبل مجهول والهجرة خارج مناطق سيطرته.
يقول الناشط أبو زيد عبد الله، من منظمة "صوت وصورة"، إنّ "داعش مارس سلسلة طويلة من الانتهاكات بحق الشباب في مناطق سيطرته، كان أهمها منعهم من التعليم ووقف أعمالهم ضمن المؤسسات الثورية والخدمية التي كانت تغطي مناطق سيطرة الجيش الحر سابقاً".
يضيف أنّ التنظيم "منع الموظفين في المؤسسات الخدمية التابعة للنظام وفي مؤسسات أخرى من متابعة عملهم، خصوصاً في قطاعات التعليم والصحة والبلديات. وفي قرارات المنع تلك، يُتهم العمال والموظفون والطلاب بالكفر والردة، سواء كانوا يعملون في مؤسسات النظام أو في المؤسسات الثورية المدعومة من المنظمات الخارجية". يتابع أنّ "الشباب وجدوا فراغاً كبيراً في حياتهم، في ظل الظروف المعيشية القاسية والفقر الذي خيّم على المنطقة الشرقية بشكل عام. وكانت ثمّة مغريات كثيرة من قبل التنظيم لكسبهم وتجنيدهم في صفوفه، كالرواتب المالية والسلطة. لكنّ الجميع يعرف أنّ النهاية مع التنظيم ستكون الموت المحتوم".
اقرأ أيضاً: ويفترقون في دول اللجوء
لم يكن خيار الهجرة سهلاً على شباب المدينة، فهم على علم تام بأنّ طريق السفر صعب، خصوصاً عبر البحر الذي غرق فيه العشرات. لكنهم مقتنعون أنّ المخاطرة أفضل من البقاء تحت رحمة التنظيم. كذلك، وجدوا أنفسهم في حالة فقر تمنعهم من تحمّل كلفة السفر. وهو ما دفع أهل بعضهم إلى بيع أملاك عديدة، منها أراضٍ زراعية بالإضافة إلى آليات وسيارات. حتى أنّ البعض باع منزله ليؤمّن سفر أبنائه.
عن ذلك يقول أبو زيد عبد الله إنّ "الأهالي يريدون لأبنائهم عيش حياتهم ومستقبلهم مثل الشباب الآخرين خارج مناطق سيطرة التنظيم وكما كانوا يحلمون. بعض الشباب يريد إكمال دراسته الجامعية. وبعضهم يريد إيجاد وظيفة لإعالة أسرته. وبعض آخر يريد الهرب من حياة الجحيم التي فرضها التنظيم عليهم. وآخرون هدفهم الهرب فقط من حياة الذل والجوع ومناظر القتل والدماء، والعيش بسلام في أي مكان خارج مناطق سيطرة التنظيم".
"إما أن تبايع الخليفة أو تضطر إلى العيش ذليلاً مهاناً في أرض الخلافة، أو عليك مغادرة البلاد"، هذه هي الخيارات المطروحة، بحسب الناشط وسام العرب. يضيف: "تعيش محافظة دير الزور التي قدمت أكثر من 7500 شهيد خلال الثورة، حالة من الفقر لم يسبق لها مثيل. فالتنظيم يفرض الضرائب المالية، ويسيطر على جميع الموارد النفطية والمائية والخدمية، كما أنه يجبر الأهالي هناك على دفع الزكاة له، على الرغم من قلة العمل. ولا يسمح داعش لأيّ موظف بالذهاب إلى مناطق سيطرة النظام من أجل استلام الرواتب الشهرية".
يوضح وسام العرب أنّ النظام سمح أخيراً بخروج عدد من العائلات إلى ريف دير الزور - المناطق التي يسيطر عليها "داعش" - بشرط دفع مبلغ 75 ألف ليرة سورية لكل شخص يريد مغادرة حي الجورة وحي القصور اللذين يحاصرهما. بالتالي، يستكمل "داعش" المشهد من جهته، باعتقال الأهالي الذين وصلوا إليه على ذمة التحقيق وباتهامات مختلفة، بحسب العرب.
كذلك، يشير العرب إلى أنّ الوضع الصحي سيّئ جداً، والأمراض تنتشر بين أهالي دير الزور وريفها. ومنها الليشمانيا والكَلَب اللذين اجتاحا المنطقة بسبب انتشار الجثث التي يلقيها التنظيم في بادية دير الزور وعلى ضفتي نهر الفرات. يقول: "داعش يتحمّل الجزء الأكبر من سوء الأحوال الصحية في المحافظة، فقد صادر معظم المستشفيات وسرق الكثير من معداتها".
اقرأ أيضاً: سوريّات "يطرن" على دراجة