تسابق قوى سياسية واجتماعية في حضرموت، شرقي اليمن، الزمن بتحركاتها على الأرض، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والعسكرية في المحافظة.
وحضرموت هي المحافظة الأكبر بين محافظات اليمن، وتبلغ مساحتها 191 ألف كيلومتر مربع، ويتركّز فيها المخزون النفطي، كما تتميز بموقع استراتيجي يجعلها مطمعاً لكل القوى المحلية والإقليمية. وتخوض قوى سياسية ودينية وعسكرية، ما يشبه الحرب الباردة، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، على الرغم من عدم قدرة أي طرف على بسط سيطرته على المحافظة كاملة، والتفرّد بها. ما يجعل مستقبل المحافظة على كفّ عفريت، على أمل حدوث توافق بين جميع الأطراف يجنب المحافظة الحرب.
وخلط دخول تنظيم "القاعدة" على الخط وسيطرته على مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، في أبريل/نيسان الماضي، حسابات القوى السياسية التقليدية، بما فيها حزبا "المؤتمر"، بقيادة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، و"التجمع اليمني للإصلاح" (الإخوان المسلمين في اليمن). وفي حسابات الربح والخسارة، تتقاطع مصالح بعض القوى وتتصادم، في ظل الواقع الجديد الذي فرضته الحرب التي يشنّها الحوثيون وقوات صالح على محافظات الجنوب.
اقرأ أيضاً: اليمن السعيد.. ممالك لم يبق شيء من اسمها
حزب المؤتمر
يبدو أن حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي يقوده صالح، قد أضحى أكبر الخاسرين في حضرموت، إثر اعتقال "القاعدة" بعد سيطرته على عاصمة المحافظة، بعض رموزه، بتهمة "العمل لحساب الأمن القومي"، في حين اختفى آخرون، خوفاً من مصير مماثل. كما غاب عشرات المسؤولين في الحزب، الذين كانوا يتبؤون مناصب إدارية عليا في المحافظة، منذ سيطرة "القاعدة" على المكلا.
وازداد السخط الشعبي على الحزب وأنصاره في المحافظة، جراء تحالفه مع الحوثيين في حربهم على المحافظات الجنوبية، التي تربطها مع حضرموت علاقة وثيقة. الأمر الذي جعل كثيراً من أعضاء الحزب يتراجعون عن تأييد صالح وحزبه.
وسبق لصالح أن استغل فترة حكمه، من أجل إقصاء خصومه وتنصيب شخصيات تدين بالولاء له، في مناصب حساسة سياسية وعسكرية، وذلك من أجل إبقاء المحافظة تحت سيطرته. وهي الورقة القوية التي يعوّل عليها الحزب، خصوصاً في ما يتعلق بالقيادات العسكرية المتخفية تحت غطاء تأييد الشرعية في شرق المحافظة. لكن الوضع الجديد سيتمخّض عنه على الأرجح تغيير في خارطة تولّي المناصب، ولن يرضى أبناء حضرموت بعودة تلك القيادات في ظل إمعان قيادة الحزب في استهداف المحافظات الجنوبية.
حزب الإصلاح
يمتلك "الإصلاح" ميزة التكيف مع الظروف السياسية في المحافظة، ودائماً ما يؤكد في بياناته، على "ضرورة رصّ الصفوف ونبذ الخلافات، حفاظاً على حضرموت". كما أنه منذ بدء "عاصفة الحزم" وسيطرة "القاعدة" على مدينة المكلا، التزم الحزب سياسة "النأي بالنفس"، ولم يصدر أي بيان يوضح موقفه من الأحداث المتتابعة.
وتعرّض "الإصلاح" لهجمة شرسة بعد ثورة 11 فبراير/شباط 2011، وهوجمت مقرّاته في حضرموت، وأُحرقت وسُلبت من أنصار "الحراك الجنوبي" في العام 2012، وهي الفترة التي سبقت انطلاق مؤتمر الحوار الوطني.
ويطالب خصوم "الإصلاح" في حضرموت، كـ"الحراك الجنوبي" و"المؤتمر" وعدد من التيارات الدينية، بإعلان "إصلاح حضرموت" الانفصال عن قيادته في صنعاء، التي يتهمونها بالضلوع في الحرب اليمنية في العام 1994. غير أن وتيرة المطالبات تراجعت كثيراً في الفترة الماضية، مع وقوف "الإصلاح" ضد تمدد الحوثيين في عدد من المحافظات.
وتكمن قوة الحزب في التنظيم المحكم، وامتلاكه شعبية لا بأس بها في المحافظة، خصوصاً في الأوساط الشبابية، فضلاً عن امتلاكه مئات المؤسسات القريبة من يوميات المواطنين. أما عسكرياً فتبدو علاقة الحزب بالقيادات العسكرية في المحافظة أقلّ بكثير من نظيره حزب "المؤتمر". ويسعى "إصلاح حضرموت" إلى الخروج من الأزمة اليمنية بأقلّ الخسائر، في ظلّ تعرّض كثير من قيادات الصف الأول للاعتقال من الحوثيين في مناطق الصراع، في شمال ووسط البلاد.
اقرأ أيضاً: زيارة "النبي هود" أكبر تجمع ديني في حضرموت باليمن
"الحراك الجنوبي"
حظي "الحراك الجنوبي" في حضرموت بشعبية كبيرة، منذ انطلاقته في العام 2007 بفضل تأييده للقضية الجنوبية وتماشيه مع مطالب الآلاف بالانفصال عن الشمال. وأدت "المظلومية" التي طالت أبناء محافظات الجنوب إبان حرب 1994، دوراً كبيراً في رفع شعبية الحراك.
لكن مشكلة الحراك الأولى، ومنذ سنوات، تكمن في صراع قياداته وتبادل تهم التخوين والعمالة، وهو ما تسبب بالإحباط بين مناصريه، حتى بات الكثير يطلق على القضية الجنوبية "قضية عادلة.. بيد محام فاشل". ومنذ دخول الحوثيين عاصمة الجنوب سابقاً، مدينة عدن في مارس/آذار الماضي، تراجع صيت الحراك كثيراً، وهرب الكثير من قيادييه إلى خارج البلاد، في موقف أثار تساؤلات الشارع الذي يطالبهم بـ"القرب من المواطن والالتحام بالجبهات".
ولم يستفد الحراك كثيراً من سقوط الدولة المركزية في صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، من أجل إحكام سيطرته على عدن، والدفع بقضيته في المحافل الدولية، بسبب اختلاف الرؤى بين قياداته. وتراجع صوت الحراك في الفترة الأخيرة لحساب "القاعدة" والمجلس الأهلي الذي يدير شؤون المدينة، حتى أنه لم ينظّم في حضرموت، ومنذ بداية الحرب على عدن، أي فعالية جماهيرية لتحريك الشارع، وربما يعود ذلك لغياب قياداته.
تنظيم "القاعدة"
يبدو تنظيم "القاعدة" في حضرموت المستفيد الأكبر من الوضع الراهن، بعد سيطرته على المكلا في 2 أبريل/نيسان الماضي، وعلى أكبر المعسكرات في المحافظة، المتمثلة في اللواء 27 ميكا، الذي يضمّ مخزوناً كبيراً للسلاح الثقيل، فضلاً عن سيطرته على مقرّ المنطقة العسكرية الثانية.
وسوّق التنظيم نفسه في الشارع الحضرمي، كـ"قوة أولى لصدّ المدّ الحوثي" حسب ما يقول، وبفعل تحوّله إلى سلطة أمر واقع في المدينة، أقام المحاضرات والخطب في المساجد، لحثّ الشباب على الانخراط في معسكراته لمواجهة الحوثيين. وهو ما حصل فعلاً، عبر إعلان التنظيم عن التحاق أكثر من ألفي شاب بمعسكراته في وقت سابق.
ولا يزال التنظيم يفصل في قضايا المواطنين من خلال إقامته محكمة مدنية، بالإضافة إلى سيطرته على القصر الجمهوري في المدينة وعلى عدد من المنشآت الحيوية. وتؤكد كل المؤشرات أنّ انسحاب التنظيم من المدينة لن يكون سهلاً. على أن السؤال الأبرز يدور حول ماهية الغرض من اكتفاء التنظيم بالسيطرة على ساحل المحافظة، من دون نقل معركته إلى وادي حضرموت، على الرغم امتلاكه السلاح الثقيل الذي غنمه من سيطرته على المكلا.
قبائل حضرموت
استغل صالح ورقة القبائل أثناء فترة حكمه، مستفيداً من سخط القبائل ضد حكم الحزب "الاشتراكي" في جنوب البلاد قبل تحقيق الوحدة في العام 1990، فصرف الكثير من الأموال لزعماء القبائل، وخصص لبعضهم رواتب شهرية من الشركات النفطية.
وأدت هذه القبائل دوراً حاسماً في الدورات الانتخابية، إذ سجلت معظم المناطق القبلية فوز مرشحي "المؤتمر" في الانتخابات التشريعية مرات عدة، وحصول صالح نفسه على معظم أصوات الناخبين على حساب ابن حضرموت فيصل بن شملان، في انتخابات الرئاسة 2006.
لكن وتحت الضغط الشعبي وتحالف صالح مع الحوثيين وشنّه حرباً ضد الجنوب، تخلّى معظم شيوخ القبائل وأفرادها عن صالح، وبات الموقف موحّداً ضده، بل أعلنت كبرى القبائل تأييدها للشرعية، وإدانتها لحروب الحوثيين وصالح.
وتسلّم "حلف قبائل حضرموت"، وهو أكبر تجمع قبلي في المحافظة، ملف حماية الشركات النفطية، بعد انسحاب كتيبة حماية الشركات في أبريل. وأعلن الحلف عن تجنيد 20 ألف مقاتل لحماية حضرموت لكن شيئاً من هذا لم يحصل، سوى تدريب مئات الشباب لحماية الشركات النفطية، التي تبدو الورقة الأقوى بيد زعماء القبائل.
السلفيون
يتطور موقف السلفيين بحضرموت يوماً بعد آخر، فقبل سنوات قليلة كانوا إلى جانب صالح، ويدعمون فكرة تحريم الخروج على ولي الأمر، بل أيدوه في انتخابات 2006. غير أن ثورة 2011 والأحداث المتتالية بعد تحالف صالح والحوثيين وتهجير أهالي منطقة دماج، معقل السلفيين، شمالي البلاد، جعلت من السلفيين عدواً لدوداً للحوثيين وصالح.
وأدى ذلك إلى التحاق مئات الشباب السلفيين بجبهات القتال في شبوة لمقاومة الحوثيين، في حين يقوم الجناح الدعوي بشحذ المواطنين والدعوة للاستعداد للمقاومة والدفاع عن حضرموت، مستغلين عشرات المساجد التي تقع تحت إدارتهم.
ويحضر السلفيون بقوة في الأزمة الحالية، من خلال وقوفهم خلف المجلس الأهلي، الذي يدير شؤون المكلا. وأعلن المجلس في بيان التأسيس، أن "مرجعيته هي مجس علماء أهل السنّة"، وهو مجلس جلّ أعضائه من السلفيين، بمختلف توجهاتهم الفرعية. والجدير ذكره أن سلفيي حضرموت بحاجة لمزيد من الخبرة السياسية، بعد رفض جماعات كثيرة من التيار، الانخراط في حزب "الرشاد السلفي"، الذي تأسس إبان ثورة العام 2011 لأسباب مجهولة.
مستقبل حضرموت
ويخشى من اندلاع معركة بسط السيطرة على حضرموت، في ظلّ كثرة اللاعبين على الساحة، فمدينة المكلا تقع تحت سيطرة "القاعدة"، بينما تسيطر القبائل على منابع النفط، أما ميناء المكلا فتحت سيطرة المجلس الأهلي، ويبقى وادي حضرموت الشاسع بيد القوات المؤيدة للشرعية. في السياق، يقول الناشط السياسي أشرف العوبثاني، لـ"العربي الجديد"، إن "وضع المكونات السياسية في حضرموت يختلف عن غيرها من المحافظات، ولا ترتبط كثيراً بتوازنات المركز حيث ثقل القوى السياسية". وأشار إلى أن "كل القوى السياسية في المحافظة أصابها الضعف، وفقدت الكثير في المتغيرات الحاصلة في اليمن في الأعوام الثلاثة الأخيرة". ولفت إلى أن "المتغيرات الأخيرة بعد عاصفة الحزم وتطورات الأحداث في حضرموت، تؤكد أن المشهد السياسي سيؤول إلى طرف ما دون غيره".
وأوضح أن "حضرموت لن تقبل بأي واقع يُفرض عليها نتيجة تسوية سياسية محتملة، بسبب المعاناة التي عاشتها خلال حكم العسكر في العقود الماضية، والتي أُقصي فيها العنصر الحضرمي".
من جهته، يرى أمين سر المجلس الأعلى لـ"الحراك الجنوبي" فؤاد راشد، أن "مستقبل حضرموت مرتبط بدولة الجنوب، التي يطالب بها الحراك".
وعن تأثير "القاعدة" في المشهد السياسي، قال راشد في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إن "مهمة أنصار الشريعة هي فقط للدفاع عن حضرموت من الغزو الحوثي، إلى جانب كل القوى المجتمعية في المحافظة فقط".
ويعتقد راشد أنّ "الحراك الجنوبي هو القوة الفاعلة والمؤثرة في حضرموت، بالتالي لا يُمكن لأي حزب أو جماعة، تحريف مسار أبناء حضرموت".
اقرأ أيضاً: أقارب المخلوع صالح.. الإقالة في مرحلتها الثانية
وخلط دخول تنظيم "القاعدة" على الخط وسيطرته على مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، في أبريل/نيسان الماضي، حسابات القوى السياسية التقليدية، بما فيها حزبا "المؤتمر"، بقيادة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، و"التجمع اليمني للإصلاح" (الإخوان المسلمين في اليمن). وفي حسابات الربح والخسارة، تتقاطع مصالح بعض القوى وتتصادم، في ظل الواقع الجديد الذي فرضته الحرب التي يشنّها الحوثيون وقوات صالح على محافظات الجنوب.
اقرأ أيضاً: اليمن السعيد.. ممالك لم يبق شيء من اسمها
حزب المؤتمر
يبدو أن حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي يقوده صالح، قد أضحى أكبر الخاسرين في حضرموت، إثر اعتقال "القاعدة" بعد سيطرته على عاصمة المحافظة، بعض رموزه، بتهمة "العمل لحساب الأمن القومي"، في حين اختفى آخرون، خوفاً من مصير مماثل. كما غاب عشرات المسؤولين في الحزب، الذين كانوا يتبؤون مناصب إدارية عليا في المحافظة، منذ سيطرة "القاعدة" على المكلا.
وازداد السخط الشعبي على الحزب وأنصاره في المحافظة، جراء تحالفه مع الحوثيين في حربهم على المحافظات الجنوبية، التي تربطها مع حضرموت علاقة وثيقة. الأمر الذي جعل كثيراً من أعضاء الحزب يتراجعون عن تأييد صالح وحزبه.
وسبق لصالح أن استغل فترة حكمه، من أجل إقصاء خصومه وتنصيب شخصيات تدين بالولاء له، في مناصب حساسة سياسية وعسكرية، وذلك من أجل إبقاء المحافظة تحت سيطرته. وهي الورقة القوية التي يعوّل عليها الحزب، خصوصاً في ما يتعلق بالقيادات العسكرية المتخفية تحت غطاء تأييد الشرعية في شرق المحافظة. لكن الوضع الجديد سيتمخّض عنه على الأرجح تغيير في خارطة تولّي المناصب، ولن يرضى أبناء حضرموت بعودة تلك القيادات في ظل إمعان قيادة الحزب في استهداف المحافظات الجنوبية.
يمتلك "الإصلاح" ميزة التكيف مع الظروف السياسية في المحافظة، ودائماً ما يؤكد في بياناته، على "ضرورة رصّ الصفوف ونبذ الخلافات، حفاظاً على حضرموت". كما أنه منذ بدء "عاصفة الحزم" وسيطرة "القاعدة" على مدينة المكلا، التزم الحزب سياسة "النأي بالنفس"، ولم يصدر أي بيان يوضح موقفه من الأحداث المتتابعة.
وتعرّض "الإصلاح" لهجمة شرسة بعد ثورة 11 فبراير/شباط 2011، وهوجمت مقرّاته في حضرموت، وأُحرقت وسُلبت من أنصار "الحراك الجنوبي" في العام 2012، وهي الفترة التي سبقت انطلاق مؤتمر الحوار الوطني.
ويطالب خصوم "الإصلاح" في حضرموت، كـ"الحراك الجنوبي" و"المؤتمر" وعدد من التيارات الدينية، بإعلان "إصلاح حضرموت" الانفصال عن قيادته في صنعاء، التي يتهمونها بالضلوع في الحرب اليمنية في العام 1994. غير أن وتيرة المطالبات تراجعت كثيراً في الفترة الماضية، مع وقوف "الإصلاح" ضد تمدد الحوثيين في عدد من المحافظات.
وتكمن قوة الحزب في التنظيم المحكم، وامتلاكه شعبية لا بأس بها في المحافظة، خصوصاً في الأوساط الشبابية، فضلاً عن امتلاكه مئات المؤسسات القريبة من يوميات المواطنين. أما عسكرياً فتبدو علاقة الحزب بالقيادات العسكرية في المحافظة أقلّ بكثير من نظيره حزب "المؤتمر". ويسعى "إصلاح حضرموت" إلى الخروج من الأزمة اليمنية بأقلّ الخسائر، في ظلّ تعرّض كثير من قيادات الصف الأول للاعتقال من الحوثيين في مناطق الصراع، في شمال ووسط البلاد.
اقرأ أيضاً: زيارة "النبي هود" أكبر تجمع ديني في حضرموت باليمن
"الحراك الجنوبي"
حظي "الحراك الجنوبي" في حضرموت بشعبية كبيرة، منذ انطلاقته في العام 2007 بفضل تأييده للقضية الجنوبية وتماشيه مع مطالب الآلاف بالانفصال عن الشمال. وأدت "المظلومية" التي طالت أبناء محافظات الجنوب إبان حرب 1994، دوراً كبيراً في رفع شعبية الحراك.
لكن مشكلة الحراك الأولى، ومنذ سنوات، تكمن في صراع قياداته وتبادل تهم التخوين والعمالة، وهو ما تسبب بالإحباط بين مناصريه، حتى بات الكثير يطلق على القضية الجنوبية "قضية عادلة.. بيد محام فاشل". ومنذ دخول الحوثيين عاصمة الجنوب سابقاً، مدينة عدن في مارس/آذار الماضي، تراجع صيت الحراك كثيراً، وهرب الكثير من قيادييه إلى خارج البلاد، في موقف أثار تساؤلات الشارع الذي يطالبهم بـ"القرب من المواطن والالتحام بالجبهات".
ولم يستفد الحراك كثيراً من سقوط الدولة المركزية في صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، من أجل إحكام سيطرته على عدن، والدفع بقضيته في المحافل الدولية، بسبب اختلاف الرؤى بين قياداته. وتراجع صوت الحراك في الفترة الأخيرة لحساب "القاعدة" والمجلس الأهلي الذي يدير شؤون المدينة، حتى أنه لم ينظّم في حضرموت، ومنذ بداية الحرب على عدن، أي فعالية جماهيرية لتحريك الشارع، وربما يعود ذلك لغياب قياداته.
يبدو تنظيم "القاعدة" في حضرموت المستفيد الأكبر من الوضع الراهن، بعد سيطرته على المكلا في 2 أبريل/نيسان الماضي، وعلى أكبر المعسكرات في المحافظة، المتمثلة في اللواء 27 ميكا، الذي يضمّ مخزوناً كبيراً للسلاح الثقيل، فضلاً عن سيطرته على مقرّ المنطقة العسكرية الثانية.
وسوّق التنظيم نفسه في الشارع الحضرمي، كـ"قوة أولى لصدّ المدّ الحوثي" حسب ما يقول، وبفعل تحوّله إلى سلطة أمر واقع في المدينة، أقام المحاضرات والخطب في المساجد، لحثّ الشباب على الانخراط في معسكراته لمواجهة الحوثيين. وهو ما حصل فعلاً، عبر إعلان التنظيم عن التحاق أكثر من ألفي شاب بمعسكراته في وقت سابق.
ولا يزال التنظيم يفصل في قضايا المواطنين من خلال إقامته محكمة مدنية، بالإضافة إلى سيطرته على القصر الجمهوري في المدينة وعلى عدد من المنشآت الحيوية. وتؤكد كل المؤشرات أنّ انسحاب التنظيم من المدينة لن يكون سهلاً. على أن السؤال الأبرز يدور حول ماهية الغرض من اكتفاء التنظيم بالسيطرة على ساحل المحافظة، من دون نقل معركته إلى وادي حضرموت، على الرغم امتلاكه السلاح الثقيل الذي غنمه من سيطرته على المكلا.
قبائل حضرموت
استغل صالح ورقة القبائل أثناء فترة حكمه، مستفيداً من سخط القبائل ضد حكم الحزب "الاشتراكي" في جنوب البلاد قبل تحقيق الوحدة في العام 1990، فصرف الكثير من الأموال لزعماء القبائل، وخصص لبعضهم رواتب شهرية من الشركات النفطية.
وأدت هذه القبائل دوراً حاسماً في الدورات الانتخابية، إذ سجلت معظم المناطق القبلية فوز مرشحي "المؤتمر" في الانتخابات التشريعية مرات عدة، وحصول صالح نفسه على معظم أصوات الناخبين على حساب ابن حضرموت فيصل بن شملان، في انتخابات الرئاسة 2006.
لكن وتحت الضغط الشعبي وتحالف صالح مع الحوثيين وشنّه حرباً ضد الجنوب، تخلّى معظم شيوخ القبائل وأفرادها عن صالح، وبات الموقف موحّداً ضده، بل أعلنت كبرى القبائل تأييدها للشرعية، وإدانتها لحروب الحوثيين وصالح.
وتسلّم "حلف قبائل حضرموت"، وهو أكبر تجمع قبلي في المحافظة، ملف حماية الشركات النفطية، بعد انسحاب كتيبة حماية الشركات في أبريل. وأعلن الحلف عن تجنيد 20 ألف مقاتل لحماية حضرموت لكن شيئاً من هذا لم يحصل، سوى تدريب مئات الشباب لحماية الشركات النفطية، التي تبدو الورقة الأقوى بيد زعماء القبائل.
السلفيون
يتطور موقف السلفيين بحضرموت يوماً بعد آخر، فقبل سنوات قليلة كانوا إلى جانب صالح، ويدعمون فكرة تحريم الخروج على ولي الأمر، بل أيدوه في انتخابات 2006. غير أن ثورة 2011 والأحداث المتتالية بعد تحالف صالح والحوثيين وتهجير أهالي منطقة دماج، معقل السلفيين، شمالي البلاد، جعلت من السلفيين عدواً لدوداً للحوثيين وصالح.
وأدى ذلك إلى التحاق مئات الشباب السلفيين بجبهات القتال في شبوة لمقاومة الحوثيين، في حين يقوم الجناح الدعوي بشحذ المواطنين والدعوة للاستعداد للمقاومة والدفاع عن حضرموت، مستغلين عشرات المساجد التي تقع تحت إدارتهم.
ويحضر السلفيون بقوة في الأزمة الحالية، من خلال وقوفهم خلف المجلس الأهلي، الذي يدير شؤون المكلا. وأعلن المجلس في بيان التأسيس، أن "مرجعيته هي مجس علماء أهل السنّة"، وهو مجلس جلّ أعضائه من السلفيين، بمختلف توجهاتهم الفرعية. والجدير ذكره أن سلفيي حضرموت بحاجة لمزيد من الخبرة السياسية، بعد رفض جماعات كثيرة من التيار، الانخراط في حزب "الرشاد السلفي"، الذي تأسس إبان ثورة العام 2011 لأسباب مجهولة.
مستقبل حضرموت
وأوضح أن "حضرموت لن تقبل بأي واقع يُفرض عليها نتيجة تسوية سياسية محتملة، بسبب المعاناة التي عاشتها خلال حكم العسكر في العقود الماضية، والتي أُقصي فيها العنصر الحضرمي".
من جهته، يرى أمين سر المجلس الأعلى لـ"الحراك الجنوبي" فؤاد راشد، أن "مستقبل حضرموت مرتبط بدولة الجنوب، التي يطالب بها الحراك".
وعن تأثير "القاعدة" في المشهد السياسي، قال راشد في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إن "مهمة أنصار الشريعة هي فقط للدفاع عن حضرموت من الغزو الحوثي، إلى جانب كل القوى المجتمعية في المحافظة فقط".
ويعتقد راشد أنّ "الحراك الجنوبي هو القوة الفاعلة والمؤثرة في حضرموت، بالتالي لا يُمكن لأي حزب أو جماعة، تحريف مسار أبناء حضرموت".
اقرأ أيضاً: أقارب المخلوع صالح.. الإقالة في مرحلتها الثانية