انتهى العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، لكنّه ترك في كلّ بيت فلسطيني، جرحاً وألماً. كلّ مناطق القطاع كانت شاهدة على مجازر، تسببت بها المدفعيات والطائرات. ومع ذلك تبقى لبلدات شرق مدينة خان يونس، حكاياتها الخاصة.
وفي بلدة خزاعة التي شهدت مجزرة، كان محمود أبو جامع (56 عاماً) أحد الناجين القلائل. يروي مشاهداته من المجزرة لـ"العربي الجديد"، ويقول إنّ جنود الاحتلال "قتلوا جاري أمام عينيّ، وأصابوا آخر في قدمه، ولم نتمكن من فعل شيء".
فليلة السابع والعشرين من يوليو/ تموز، كانت الأشد قصفاً على البلدة. ومع توقف القصف، سمع الأهالي مذياعاً يدعوهم إلى الخروج من منازلهم ورفع أيديهم. فصل الرجال عن النساء، وبدأ الجنود بالتفتيش. ليحضر ضابط بعدها، ويطلق النار على جار أبو جامع، ويتركه يموت أمامهم، قبل أن يأمر الجميع بالمغادرة فوراً. وأضاف أبو جامع: "أطلقوا النار على العديد من الشبان والرجال أمام أعيننا، ولم أصدق أن تصل بشاعة جرائمهم إلى هذا الحد".
ومن أمام منزله المدمر في بلدة عبسان الصغيرة، الحدودية مع دولة الاحتلال، يروي خليل أبو رجيلة قصته لـ"العربي الجديد". ففي الليلة التي ارتكب الاحتلال فيها مجزرة أخرى، فرّ خليل من البلدة، برفقة 15 فردا من العائلة. يقول إنّه لم يستوعب كيف خرجوا "بين قذائف المدفعيات، ونيران الطائرات". ويتابع: "ركضت، مع زوجتي وأبنائي وبناتي، من شارع إلى شارع، حتى أصيب ابني برصاصة".
لم يتمكن خليل من إسعاف ابنه أحمد. حمله، وهو ينزف، حتى وصلوا إلى نقطة التجمع، التي حددها لهم الاحتلال. هناك ترك الشاب ينزف، حتى الصباح. وبعد دخول فرق الإسعاف إلى البلدة ونقله مع غيره، أجريت له عملية، لبتر ساقه اليسرى المصابة، بعد فشل إنقاذها.
ومن بلدة خزاعة أيضاً، يروي محمود قديح (40 عاماً)، قصة حصاره داخل المنزل طيلة يومين. يقول إنّه لم يتمكن، في أول أيام المجزرة، من الخروج من المنزل. ومع الدمار في الحي، أصيب منزله بشظايا صاروخ، دمّر منزل الجيران، وأدى إلى جرح ابنه يزن (7 أعوام). ومع الحصار الذي طال المكان حاول محمود، ما استطاع، مداواة ابنه بنفسه. فطهّر جروحه ووضع اللاصقات الطبية، على إصاباته في الكتف والقدم.
يقول لـ"العربي الجديد": "لم نجد مكاناً لإسعاف يزن. فنحن محاصرون في المنزل. وكلّ عيادات بلدة خزاعة دمّرت، ومنعنا من الخروج". يضيف، والعاطفة تغلبه: "لم أتمكن من فعل شيء، أكثر من البكاء على حال ابني وحالنا".
في اليوم التالي تفاجأ محمود بخلو المنطقة، بكاملها من السكان. يقول: "لم يبق أحد سوانا، وأمضينا ليلة أخرى بعد المجزرة في المنزل". ويصف قديح تلك الليلة بـ"الدامية". ويقول: "الطائرات كانت تقصف بشكل عشوائي كبير جداً، ولم يهدأ بالنا حتى طلعت شمس الصباح، مع تهدئة لمدة خمس ساعات، خرجنا فيها إلى المدرسة للإحتماء".
غدير أبو رجيلة (17 عاماً)، التي تعاني إعاقة حركية وشللاً دماغياً، كانت شاهدة على بشاعة جرائم الاحتلال، في شرق خان يونس، وذهبت ضحية له في نهاية الأمر. استشهد الكثير من أفراد عائلة غدير، وأصيب الكثير. أما هي، فقد بقيت وحدها، في منزل العائلة المدمر، طيلة 12 يوماً، مجهولة المصير. ورغم العديد من المناشدات لإنقاذها، لم تتحرك المنظمات الدولية. يقول شقيقها غسان أبو رجيلة لـ"العربي الجديد"، إنّ العائلة اتصلت بالصليب الأحمر الدولي، لإنقاذهم من القوات المتوغلة، دون جدوى. فبعد أن قسمت القرية إلى ستة أقسام، وانتظرت العائلة داخل المنزل، نزلت عليهم القذائف، فتشتتوا وتركوا غدير هناك. وعندما تمكنوا من العودة بعد أسبوعين، عثروا على كرسيها محطماً، وجثتها متحللة، تحت الركام.