يحتفل سكان بغداد الأصليون، اليوم الخميس، بعيد ميلاد أحد أقدم خانات بغداد التراثية، وهو خان المدلل الذي أكمل عامه الثاني عشر بعد المائة.
والخان كلمة عثمانية ما زال العراقيون يستخدمونها حتى يومنا هذا، وهو بناء يشبه الفندق في عصرنا الحالي يستخدم لاستراحة المسافرين وتقديم الطعام لهم، وفي نفس الوقت بيع وشراء الحاجيات الضرورية للمسافرين. وبدأ أول عهده في الموصل بالقرن الحادي عشر للميلاد ثم جاءت خانات حلب ودمشق والقاهرة والقدس.
وفي ساحة الميدان وسط بغداد، يقع خان المدلل الذي يقتصر عمله اليوم على بيع المقتنيات النادرة والمواد الثمينة عبر دكاكينه المعدودة ورواقه الضيق الذي ما زال فيه العم عمر أبو عبد الله يبيع الشاي رغم تجاوزه العقد السابع من العمر، ويقطع الكثير من سكان بغداد مسافات طويلة للوصول إليه وشرب الشاي الذي يصنعه على الفحم.
ويقول أحمد سلام، وهو من أحد مرتادي الخان، إنّ "روح بغداد هنا.. نأتي كلما تضيق بنا الشوارع"، ويضيف لـ"العربي الجديد"، "الفساد يهدد مباني بغداد التراثية، فبعض المسؤولين وزعماء المليشيات كلما أرادوا أن يأخذوا مبنى مهم افتعلوا حريقاً لتدميره، ثم شرائه بعد ذلك من البلدية بثمن بخس، وهناك عشرات المباني تم الاستيلاء عليها بهذا الشكل".
ويوضح "لا نريد أن نفقد هذا الخان، ويجب أن يشكل البغداديون رابطة حماية تراثهم الذي تغنّى به كبار المطربين العرب مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ووديع الصافي، وما زال يحتفظ بنسخ لصور تلك الحفلات وأصوات الجمهور والمطربين وهم يصدحون فيه، فقد كانت الخانات في بغداد آنذاك المقصد الرئيس لأي نشاط ثقافي أو فني واجتماعي وتعدى إلى السياسي في العهد الملكي بالعراق".
ويقول أحد باعة هذا الخان باسم الشمري (45 عاماً) لـ"العربي الجديد": "هنا غنت أم كلثوم لبغداد واكتظ الخان بالجمهور ترحيباً بزيارة كوكب الشرق، التي غنت أيضاً أغنية "قلبك صخر جلمود" للراحلة سليمة مراد وألحان الفنان العراقي صالح الكويتي".
ويوضح أن تسمية الخان بـ"المدلل" نسبة إلى أصحاب الخان "عائلة المدلل"، وقد بني عام 1906 والآن يعد من أهم المراكز لبيع "الأنتيكات".
ويؤكد أن "الحقب التي مرت بها العراق كالحقبة العثمانية والملكية ثم الجمهورية، تعد تأريخاً مختلفاً من حيث المقتنيات التي تعرض اليوم بمحلاتنا كقيمة غنية بتأريخها، من حيث جودة الصناعة والقيمة التاريخية"، لافتاً إلى أن الأسعار تختلف حسب القيمة التاريخية والنوع.
ويتابع "تمثل الأنتيكات هوية بلد؛ كقيمةٍ وطنية ومحلاتنا اليوم تُعد متاحف عالمية مصغرة، لأنها تحتوي على بضائع من حضارات مختلفةٍ وبلدان عديدة، منها ما يعود إلى الحضارة الصينية أو الرومانية أو الشرقية والسورية والتركية العثمانية".
لكن الخان يعاني اليوم من الإهمال الحكومي كباقي المناطق التراثية التي تعبّر عن هوية بغداد العربية الحقيقية، وفقد الكثير من زبائنه للظروف الأمنية المعروفة في العراق، فلم يعد للسياحة دور يذكر، وأيضاً هجرة العوائل البغدادية العريقة التي كانت تهتم كثيراً بمقتنياتها العريقة.