لم يتأخّر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعد التفجير الذي استهدف حاجزاً عسكرياً في محافظة شمال سيناء، يوم الجمعة الماضي، وأوقع عشرات القتلى والجرحى، في اتهام أطراف خارجيّة بتقديم الدعم لمنفّذي التفجير، ووصل إلى حدّ اعتبار أنّ بلاده "تخوض حرب وجود"، خلال كلمة وجّهها أمس السبت إلى المصريين.
وفي موازاة ذلك، ذهب السيسي باتجاه تضييق الخناق أكثر على قطاع غزّة، بإعلانه "أننا بصدد اتخاذ إجراءات على الحدود مع قطاع غزة، لإنهاء المشكلة (الإرهاب) من جذورها"، غداة إقفال سلطات بلاده معبر رفح، صباح أمس. وفي حين لم يوضح ماهية هذه الإجراءات وطبيعتها، اكتفى بالقول إنّ تلك الإجراءات ستكون "كثيرة".
ولم يقتصر الردّ المصري على خطاب السيسي فحسب، إذ سبقه ترؤس الأخير اجتماعاً للمجلس الأعلى للقوات المسلّحة، والذي صادق على "خطة لمواجهة الإرهاب" في سيناء، وكلّف لجنة من كبار قادة الجيش "دراسة ملابسات الأحداث الإرهابيّة الأخيرة في سيناء".
في غضون ذلك، أجمع خبراء عسكريون مصريون، على أنّ الحلّ الأمني والعسكري في التعامل مع الأزمة في سيناء، لن يجدي نفعاً في المواجهة مع التفجيرات والعمليات المسلّحة المتصاعدة، مطالبين بضرورة وجود رؤية سياسيّة للأحداث.
ولا يبدو أنّ الحكم بدقة على أوجه القصور لدى قوات الجيش والشرطة، ممكناً، في ظلّ حالة التعتيم الإعلامي على حقيقة ما يحدث في سيناء من مواجهات مع المجموعات المسلحة. ويرى خبراء مصريون، انّ إقحام الجيش في المواجهات بسيناء، هو أحد أكبر الأخطاء، على الرغم من أنّه جيش نظامي غير مؤهل لمواجهة حروب العصابات، مشددين على ضرورة إعادة النظر واعتماد حلول أخرى سياسيّة، ومجتمعيّة وفكريّة، لوقف نزيف الدم المستمر منذ فترة طويلة.
وتشهد سيناء حالة من الارتباك والتخبّط، منذ عزل الرئيس محمد مرسي، في 3 يوليو/تموز من العام الماضي، وبدء الجيش المصري حملة عسكريّة موسّعة ضد المجموعات المسلحة هناك.
ويشير الخبير العسكري، اللواء عادل سليمان، إلى أنّ "النظام المصري الحالي يتعامل مع سيناء بالقوة العسكريّة، ويرفع الحلّ الأمني من دون سواه، وهذا فشل كبير في التعامل مع أحد أكبر الأزمات المصريّة". ويضيف "هناك أخطاء بالطبع في التعامل مع ملف سيناء، وفي مقدمها أنّ قوات الجيش ليست مؤهلة لخوض مثل تلك الحروب، ولم يعتد الجيش على تعاملات عسكريّة مماثلة".
ويؤكد سليمان أنّ "حرب العصابات تتطلّب طريقة أخرى، بخلاف المتّبعة في التعامل مع ملفّ الجماعات المسلّحة في سيناء، وهي في الأساس مسؤوليّة الأجهزة الأمنية، التي تعتمد على المعلومات بالدرجة الأولى، وبصورة أساسية". ويلفت إلى أن "العمليّات التي تقع ضد قوات الجيش والشرطة تكون مفاجئة، وبالتالي حتى مع عدم وجود أخطاء كبيرة فهي فعالة، نظراً لعدم الاستعداد لها، وعدم معرفة حقيقة من يواجهه الجيش".
ويشدد سليمان على أنه "لا بد أولاً من إجراء تحقيق مهني داخل الجيش لمعرفة أوجه القصور والتقصير، وهل هناك تقصير متعمّد أم لا"، موضحاً أنّ "التعامل مع مجموعات تعتمد على حروب العصابات أمر في غاية الصعوبة". ويستطرد: "لم يستطع أي جيش في العالم التعامل مع المجموعات التي تعتمد حرب العصابات، نظراً لأنها ليست جيوشا نظاميّة محدّدة العدد والأسلحة والعتاد، وبالتالي الجيوش تحارب وتواجه عدواً مجهولاً".
ويقول الخبير العسكري إن "الدولة المصريّة ترتكب أخطاء فادحة مع ملفّ سيناء، ولا بدّ من اعتماد حلول أخرى إلى جوار الحلّ العسكريّ الأمني، واعتماد مشاريع تنمويّة حقيقيّة سريعة لوقف مسلسل تمدّد الجماعات". ويوضح أن "الطريقة التي اعتمدها الجيش خلقت حالة من الرفض داخل سيناء، خصوصاً مع القوة الغاشمة في مواجهة المدنيين، لأن الجيش يعتبر كل من حوله في هذا النوع من الحروب عدواً".
وعن تأثير العمليات على الجنود، يشير سليمان إلى أنّه "لدى الجيوش طرقها في تقليل حجم التأثير النفسي على الجنود"، ويضيف: "لكن لا شك أن هناك تأثيراً واسعاً على نفسية الجنود، وروحهم المعنوية، جراء هذه العمليات".
من جهته، يؤكد الخبير العسكري، صفوت الزيات، أنّ "التعتيم الإعلامي المتعمّد في التعامل مع قضايا وعمليات سيناء، لا يسمح بمعرفة أوجه القصور في التعامل مع المجموعات المسلّحة"، ويشير إلى أنه "لا بد من الكشف عن ملابسات الحادث الأخير وكافة الحوادث السابقة"، مطالباً "بضرورة إجراء تحقيق ومعالجة القصور".
ويؤكّد أنّه "لكل حادثة أوجه قصور، ولا يمكن الحكم على تقصير قوات الجيش وأجهزة الأمن إلا عقب التحقق من تفاصيل كل واقعة، وحتى الآن لم يخرج علينا مسؤول رسمي ليوضح تفاصيل عملية الهجوم على الحاجز الأمني".
ويلفت الزيات إلى أنّ "الخطأ الأكبر الذي قام به النظام الحالي، هو إقحام الجيش في مواجهات مماثلة، ليست في الأساس من اختصاصه، ولم يتدرّب على القيام بمثل تلك المهام وحروب العصابات". ويشدّد على أنّ "الحلّ الأمني في التعامل مع سيناء لن يجدي نفعاً"، لافتاً إلى أنّ "عدم وجود رؤية سياسيّة للأزمة القائمة منذ أكثر من عام، لن يساعد على الإطلاق في إيجاد حلول ناجعة لها".
ويدعو الزيات "القيادة السياسية إلى وضع تصوّر ورؤية لما يمكن أن يكون عليه حلّ الأزمة، بعيداً عن الحلّ الأمني"، لكنّه لم يستبعد "اللجوء للخيار العسكري ولكن ليس بمفرده". ويشير إلى "ضعف المعلومات التي توفرها الأجهزة الأمنية، للتعامل مع المجموعات المسلحة في سيناء وبالتالي الفشل في الوصول إليهم".
وشهدت محافظة شمال سيناء عدداً من التفجيرات خلال الشهر الحالي، آخرها مقتل ما يقرب من 28 عسكرياً، وإصابة 26 آخرين، أمس الأول الجمعة، في استهداف مجهولين لنقاط أمنية وعسكرية وإطلاق قذائف هاون على مدرعتين في العريش والشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء.
وفي التاسع عشر من الشهر الحالي، قتل 6 جنود من القوات المسلحة وأصيب 5 آخرون بمدينة العريش، إثر انفجار عبوة ناسفة في العربات المكلفة بمهام التأمين بمنطقة السبيل على الطريق الدائري بالعريش. قبل ذلك، بيوم واحد، أحبطت قوات الأمن محاولة لاستهداف رتل أمني في رفح، في حين استهدف مسلحون في 17 الجاري سيارة شرطة مصفّحة، ما أسفر عن مقتل وإصابة عشرة من رجال الشرطة.
كما قام مجهولون في الرابع عشر من الشهر الحالي، بتفجير خط الغاز جنوب شرقي مدينة العريش، وتبيّن أنه خط الغاز العابر إلى الأردن ويحمل التفجير رقم 26 من سلسلة التفجيرات. وأحبطت قوات الجيش أيضاً محاولة تفجير سيارة مفخخة جنوبي مدينة رفح، كانت معدة للتفجير في إحدى نقاط التفتيش، في التاسع من الشهر الحالي.