بكاف تشبيهٍ طاغية
أيتها المدينة الحزينة
كيف تناوب عليك عمّال الملك
بلا رحمة
كما يتناوب الأوغاد على الفتاة الوحيدة
العائدة من المصنع
ومات الأصدقاء
في البحر
حتّى اكتظت المقبرة بالحالمين
وجلسنا نحشوك بالمراثي
كما يحشو طبيب الأسنان الأضراس بالمعادن؟
كيف نبتت العمارات
واختفت بيوتنا الوطيئة
في الضاحية
وارتفع الدخان نكاية بوجودنا القديم؟
كيف سقطت الأشجار على وجهها
وصارت الحدائق مكبات نفايات
يرفع الأولاد فوقها أعلامهم الصغيرة
صارت المزابل أرجلاً
تمشي في الطرقات
وأردافاً حنونة تجلس على العتبات
والطرقاتُ حفراً نتخطاها بعكّاز الغريزة؟
كيف صرتِ أحجاراً صفراء
تحط فوقها الغربان
وقبورَ إسمنتٍ
يسكنها يتامى بلا عائلة
في المغرب أو خارجه
وتحاشتك طرقٌ سيّارة
وقضبان حديدٍ
كأنك خلل في القافية
أو عطبٌ في الإيقاع
يا عجباً حتّى في الأمثال لا صحّة لكِ ولا مال!
أيتها المدينة الحزينة
يا موّال جدّات ضاع في التواءات الجبال
يا هزّة كتفٍ تدحرجت مع بندير الليل
ويا ضفائر بناتٍ تدلت على وجوهنا
فأضاءت كرز الطفولة
هذا جسدك الضئيل محفور في أطلس الرّوح
مثل جحرٍ تقف أمامه العتمة
أو خدشٍ بالبركار
فوق طاولة مدرسة
صدرك الضيّق كجيب الفقير
تقضمه الحسرات
نهداك يندلقان فوق هضبةٍ
يتأهبان للإفصاح عن قسوة قديمة
يتراقصان ألماً بين مكناسَ والعاصمة
هبوطاً نحو تجويف بحيرة الوجود
حيث كبرتُ على عجلٍ
مثل تدفق حليبٍ على فرن غاز
أو استدارة في زحام
وجلستُ أتخاصم مع ذكرياتي
كما يتخاصم حاكمان حول تجاعيد خريطة،
أساتذة العربيّة حول شؤون لغويّة
والسكارى على كأسٍ تتعثر في الظلام بين يدٍ وأخرى
أنا شاعرك الأخير بحاجبين غاضبين
كمنجلين يتعاركان عند حدود حقل
كاللعنة لا انتماء ولا لون لي
ولا أغراض إلا ما ادّخرت من تشرّدي
ووقوفي أمام أبواب الله
أستجدي لغتي
وأرثيك بكاف تشبيهٍ طاغية
وواو عطفٍ زائدة
وأهرّب مرثيتي إلى مدنٍ بعيدة.
■ ■ ■
الحبّ يمشي متكئاً على عكّاز
الغرفة المستطيلة
الكرسيّ والطاولة والمزهرية
المصباح المتدلّي كقدرٍ محتوم والظلام الذي يتنفس خلف الباب
آهٍ يا إلهي
منذ أن صفعني الحبّ
وأنا أتحسّس وجهي في أغصان المرايا
وأكتب قصائد نثرٍ على شكل أدراج عمارة
مبعثرة كأسنان الفقير
طويلة ومكتظة كشاحنة نبيذٍ
وقصيرة وخانقة أحيانًا كربطة عنق
وبلا نقطٍ ولا فواصل كشتائم من خلف نافذة
أكتب هنا لأهرب إلى هناك
وتشعّ قصائدي هناك لأكنز الظلام والشقاء هنا
حتّى صرت شاعرًا بقليل من الإصرار
وجباناً بكثير من الوسواس
وصار الحبّ بطلًا قوميّاً بالإشاعة والمناصرين
أراه قادماً في مركبةٍ تجرّها خيول نشيطة
فأختفي في حفرةٍ واضعًا خوذة على رأسي
وكمّامة على فمي
يرميني بالحجارة ويضحك
فتسمع أذني الدويَّ وأصمت
ولا أدري متى وكيف تشجّعت، وأحكمت قبضتي عليه
جرّدته من ملابسه ووضعتها داخل مكبّ نفايات
من باروكة شعرٍ وأهديتها إلى قطّ الجيران
ليستعملها وسادة للنوم
أو مروحة يدوية عند الضرورة
من سمّاعة طبية وتركته منقطعاً عن العالم
ومن ساقٍ اصطناعية ليمشي متكئاً على عكّاز
ويلوّح للأشباح والعابرين
ما أقساك أيها الحب
وما أغباني حين رددتُ القسوة قسوتين
وأصبحنا غريبين لا نلتقي على رعشةٍ
إلا لنفترق بارتخاءٍ في العواطف
وما بين رعشةٍ وارتخاء تتهاوى قصور من شوكولاته
تُرشيني بإجاص الأعالي ومشمش السواحل
وأرشيك بالمال الوسخ وخمر الدوالي
فشكرًا أيها التاجر العربي.
* شاعر من المغرب