الرعاية الطبيّة من أكثر ما يثير قلق الناس عموماً، ومنهم اللاجئون إلى بلاد الله الواسعة خصوصاً. في تركيا، تؤمّن الخدمات الخاصة بصحّة اللاجئين السوريين مجاناً، كما لو كانوا من المواطنين.
السوريون الذين لجأوا إلى تركيا هرباً من الحرب في الوطن، أعدادهم كبيرة. على الرغم من ذلك، تُعدّ الخدمات الصحية المقدمة لهم بالمقارنة مع تلك المتوفّرة في دول الجوار الأخرى، الأفضل على الإطلاق. هنا، يتساوى اللاجئ السوري بالمواطن التركي. يُذكر أنّه لا يدفع أيّ شيء في مقابل الخدمات الصحية التي يتلقاها في المستشفيات التابعة للدولة، بدءاً من معاينة الطبيب الذي يختاره ومروراً بالعمليات الجراحية الضرورية وانتهاءً بثمن الدواء. وتفيد الإحصاءات الرسمية أنّ ثمّة مليونَين و800 ألف لاجئ سوري تقريباً على الأراضي التركية، موزّعون على مختلف مدن البلاد. ولا يقيم إلا ربع ملايين منهم تقريباً في المخيمات المنتشرة على طول الحدود السورية التركية المشتركة.
باستثناء السوريّين الحاصلين على إقامات سياحية في تركيا والذين يضطرون بحكم القانون إلى دفع ثمن تأمينهم الصحي، يستفيد اللاجئون السوريون المشمولون بنظام الحماية المؤقتة - الحاصلون على بطاقة كمليك - من كلّ الخدمات الصحية في مستشفيات الدولة مجاناً. ولا يتوجّب على المريض السوري، كما هي حال المواطنين الأتراك، إلا الاتصال على أحد الأرقام الموضوعة في تصرّفه، لاختيار المستشفى والطبيب.
تخبر لمى (25 عاماً) أنّ أخاها مصاب بالفصام، "وكل ما فعلناه مذ تركنا سورية ووصلنا إلى تركيا، هو أنّنا قصدنا بمساعدة أحد الأتراك عيادة الأمراض النفسية في مستشفى أيوب الحكومي في إسطنبول. وبعد التشخيص، وصف لنا الطبيب العلاج اللازم، وأعدّ تقريراً طبياً سمح لنا بالحصول على الأدوية بانتظام من الصيدلية، شأننا شأن المواطنين الأتراك. وكل ذلك مجاناً". يُذكر أنّ هذه الأدوية هي باهظة الثمن. تضيف لمى أنّه "كلّ ثلاثة أشهر، نراجع الطبيب كي يجدد لنا الوصفة. فيطلب فحوصات طبية لمتابعة تأثير بعض الأدوية على أخي. وعندما لا نجد أحداً للترجمة، يقدّم لنا المستشفى هذه الخدمة عبر الهاتف أو بحضور موظّف معنيّ".
تغطية شاملة
عندما لجأت أم أسعد (45 عاماً) إلى إسطنبول قبل ستة أشهر، لم تتوقّع أن يتعرّض زوجها لحادثة. تخبر أنّ "المصعد سقط عليه أثناء عمله كنجّار باطون في منطقة بازار إيجي في مدينة إسطنبول. نقل إلى المستشفى، حيث اضطر الأطباء إلى بتر ساقه من فوق الركبة". تضيف: "مكثنا في مستشفى أوك ميداني الحكومي أكثر من شهر، وقد خضع لعمليات جراحية عدّة، اضطر إثر بعضها إلى دخول العناية المركزة. وعندما تحسّنت حاله، خرجنا من المستشفى لنعود بعد أسبوعين، من أجل جراحة ترميمية. وقد طلبوا منّا العودة بعد ثلاثة أشهر لاستهلال العمل على تركيب طرف صناعي وتدريب زوجي على استعماله". وتعبّر أم أسعد عن "امتنان كبير. لا أعتقد أنّه كان سوف يتلقى العناية ذاتها حتى لو كان في سورية قبل الحرب"، لافتة إلى أنّ جمعيات خيرية وحقوقية تركية ساعدتنا في عملية رفع الدعوى والترجمة والتواصل مع المحامين لطلب تعويضات من المقاول".
تجدر الإشارة إلى أنّ الخدمات الطبية المجانية التي تقدّمها المستشفيات الحكومية التركية للاجئين السوريين، تشمل كلّ الاختصاصات بما فيها الطب النفسي والعمليات الجراحية الضرورية وكذلك علاج السرطان. وهي توفّر الأدوات المساعدة لذوي الإعاقات البصرية والسمعية والحركية، باستثناء عمليات زرع الأعضاء والعمليات التي تصنّف جراحات تجميلية.
عرقلة في التواصل
في سياق متصل، تشير غيزَم وهي ممرّضة تعمل في قسم جراحة العظام في مستشفى أوك ميداني في إسطنبول، إلى أنّ مشكلة التواصل مع المرضى السوريين هي أبرز العوائق التي تواجه العاملين في تقديم الخدمات الطبية. تقول: "ليس لدينا في المستشفى مترجمون بدوام كامل، وكثيرون هم السوريون الذين لا يعرفون أحداً يساعدهم في الترجمة. لذا، نضطر إلى الاعتماد على حركات اليدين وعلى متابعتنا للمريض من دون الاعتماد على التواصل معه بطريقة مباشرة". تضيف: "كذلك نعاني أحياناً من جرّاء أفكار مسبقة لدى عدد كبير من السوريين الذين يخافون من الخروج من المستشفى، على الرغم من أنّنا نسعى دوماً إلى طمأنتهم بأنّنا سوف نلالتابع المريض بعد خروجه من دون أن يكلّفه ذلك أيّ ثمن إضافي". وتؤكد أنّ "الخروج من المستشفى أفضل بالنسبة إلى المريض من الناحية النفسية، بالإضافة إلى حمايته من بعض الأمراض الذي قد يلتقطها هنا".
من جهتها، تتحدّث سلمى (50 عاماً) عن الرعاية الطبية التي لقيها ابنها (16 عاماً) بعد إصابته خلال حادثة سير. تقول: "صدمت سيارة ابني أثناء عودته إلى المنزل، فأصيب بكسور متعددة في عظام الفخذ والركبة وفي الأضلاع كذلك، فيما لحق ضرر بإحدى رئتَيه. في مستشفى شيشلي الحكومي، مكث في العناية الإسعافية لمدة يومين تحت المراقبة، قبل نقله إلى قسم جراحة العظام. لكنّ عمليته الجراحية تأجّلت مرات عدّة". تضيف: "ظننت أنّ ابني تعرّض للإهمال إذ كان في مستشفى حكومي، ورحت أبحث عن إمكانية نقله إلى مستشفى خاص وقد رأيت أنّ وضعنا المالي قد يساعد. لكنني اكتشفت أنّ تكاليف رعايته في أي مستشفى خاص لن تقلّ عن 45 - 50 ألف ليرة تركية (ما بين 13 ألفاً و14 ألفاً و300 دولار أميركي)". وتلفت سلمى إلى أنّ "المشكلة كانت في التواصل مع الأطباء. فقد اكتشفت في وقت لاحق أنّ سبب تأجيل العملية كان القلق على الرئتين". وتكمل سردها: "أجريت له العملية، ولم نترك بعد ذلك لوحدنا. المستشفى قدّم لنا بعد ذلك سيارة إسعاف لنقله إلى المنزل. وخلال المراجعة، قصدنا البلدية التي أمّنت لنا خدمة نقله إلى المستشفى وإعادته إلى المنزل بواسطة سيارة إسعاف تابعة للبلدية كأيّ مواطن تركي".
أمّا أحمد (40 عاماً) فقد تمكّن من الحصول على علاج كامل لابنه البالغ من العمر عشرة أعوام والمصاب بسرطان الدم، من دون أيّ تكاليف مالية. يخبر أنّ "علامات التعب بدأت تظهر على ابني. وأثناء مراجعتنا الطبيب، طلب له فحص دم وسألنا مراجعة قسم أمراض دم الأطفال في مستشفى سليمان القانوني في إسطنبول. هناك، شخّص باللوكيميا فأدخلناه إلى المستشفى وبدأنا بعلاجه الكيماوي". يضيف: "دخل في حالة هجوع، لكنّ الأطباء أبلغوني باحتمال عودة المرض، بالتالي هو في حاجة إلى عملية زرع لنقيّ (نخاع) العظم. أبلغت أنّ الحكومة التركية لا تغطّي عمليات الزرع، واليوم أنتظر قبولي في برامج إعادة التوطين في إحدى الدول الأوروبية".
مراكز طبية خاصة
في سياق متصل، نجد في مدينة إسطنبول عشرات المراكز الطبية التي يعمل بها أطباء سوريون ويقدّمون خدماتهم فقط للاجئين السوريين. في واحد منها في منطقة إسنيورت في إسطنبول، التقت "العربي الجديد" الدكتور أحمد. يشرح أنّ "هذه المراكز تضمّ كلّ الاختصاصات الطبية، لتعالج على سبيل المثال لا الحصر أمراض العيون والأمراض الجلدية والأمراض العصبية والأمراض النسائية وكذلك الأسنان". ويوضح أنّ "هذه المراكز تقدّم خدماتها بأسعار زهيدة، فلا يتخطى بدل المعاينة ثلاثين ليرة تركية (8.5 دولارات). أمّا بالنسبة إلى الأسنان، فإنّ التكاليف في هذه المراكز تقلّ عن نصف ما يتقاضاه الأطباء الأتراك". ويلفت الدكتور أحمد إلى أنّ "السوريين يقبلون على هذه المراكز لسهولة التواصل مع الطبيب السوري، على الرغم من أنّ الأدوية في وصفاتنا الطبية تباع في الصيدليات بأسعارها الحقيقية من دون أيّ دعم من الحكومة التركية مثلما هي الحال مع وصفات المستشفيات الحكومية التركية".
لا تقدّم هذه المراكز خدماتها الطبية إلى المواطنين الأتراك، والسبب بحسب الدكتور أحمد "حاجز اللغة. وباستثناء ثلاثة أو أربعة مراكز، فإنّ هذه المراكز الطبية بمعظمها غير مرخّصة وتعمل في إطار جمعيات خيرية. بالتالي، لا تُغطّى نفقاتها من قبل التأمين الصحي". ويقول إنّ "الحكومة تغضّ الطرف عنها لتسهيل حياة السوريين والأطباء، والحؤول دون هجرتهم إلى أوروبا. وثمّة حديث عن أنّ الحكومة التركية سوف تعمل على إصدار قوانين لتشريع وجودها".