يشعر البحريني الشاب أحمد خليل، بالمرارة لعدم تمكنه من استكمال تعليمه العالي في جامعة البحرين، في الوقت الذي لا تسمح ظروف عائلته المالية بدفع نفقات الجامعات البحرينية الخاصة، حلم حياته بدراسة الهندسة، صار سرابا، إذ يجلس في منزله من دون دراسة أو عمل، لانسداد كل الطرق أمامه.
تشترط جامعة البحرين (واحدة من جامعتين حكوميتين) على خريجي الثانوية العامة، الحصول على معدل لا يقل عن 70 % حتى يتمكنوا من التنافس على المقاعد الدراسية في الجامعة والتي تفتح أبوابها للتسجيل في شهر مايو من كل عام، وتبلغ قيمة الرسوم الدراسية بها 150 دينارا بحرينيا (400 دولار أميركي)، بينما لا تقل رسوم الجامعات الخاصة البحرينية عن ألفي دينار في السنة ( 2700 دولار أميركي) لكل فصل دراسي.
فروع الجامعات المصرية
بسبب عدم تمكنهم من نيل مقعد في جامعة البحرين الحكومية، أو معهد التعليم العالي بوليتكنك البحرين الحكومي، لجأ العديد من الطلاب البحرينيين قبل عدة أعوام إلى الدراسة في الجامعات المصرية التي توفر نظام "التعليم عن بعد" مثل جامعتي القاهرة وعين شمس بأسعار مناسبة لهم، حتى يمكنهم استكمال دراستهم والعمل في الوقت ذاته، بالإضافة إلى تجنب التكاليف الباهظة للجامعات الخاصة في المملكة، من هؤلاء أحمد مبارك الذي قال إن "الجامعتين تسمحان للطلاب بالتسجيل وإجراء الامتحان في مقر الجامعة في القاهرة أو في أحد الفروع التي توجد في بعض الدول العربية مثل السعودية وقطر للتسهيل على الطلاب الذين لا يستطيعون السفر كل فصل دراسي إلى مصر لإجراء الاختبارات".
الحل السابق فقد جدواه في عام 2010، إذ أصدرت وزارة التربية والتعليم البحرينية، قراراً أوقفت بموجبه معادلة وتقويم الشهادة الجامعية التي تمنحها مؤسسات التعليم الأجنبية عن طريق نظام التعليم المفتوح ونظام الدراسة بالانتساب ونظام التعليم عن بعد. ليصبح الالتحاق بواحدة من أكثر من 20 مؤسسة تعليم عال في البلاد وفق نظام التعليم التقليدي، الخيار الوحيد لطلاب البحرين، وهو ما يتطلب حضور الطالب بشكل أساسي إلى مقر الجامعة. وعلى الرغم من تقديم بعض المؤسسات التعليمية فترات دراسية مسائية، إلا أن تكلفتها مرتفعة للغاية.
لا تمثل التكلفة المادية العائق الوحيد أمام آلاف الشباب البحريني، الذي لم يجد فرصته في الجامعة الحكومية، بحسب الشاب البحريني خالد محمود، إذ تبقى قيمة الشهادة الدراسية محل قلق وشك لدى خالد ورفاقه، خصوصا مع الصراع المستمر بين مجلس التعليم العالي وهو الجهة التي تدير التعليم الجامعي في البحرين وتلك الجامعات الخاصة، إذ أدى تكرار إصدار عقوبات وسحب تراخيص تلك الجامعات إلى صعوبة تقبل أصحاب سوف العمل لخريجي تلك الجامعات وأصبحت شهادات جامعة البحرين هي الأولوية للشركات والمؤسسات الكبرى.
من بين من يعانون مشكلة عدم الاعتراف بشهادات الجامعات البحرينية الخاصة، منصور داوود خريج جامعة دلمون للعلوم والتكنولوجيا، والذي قال إنه "حصل على بكالوريوس في نظم المعلومات الإدارية منذ ثلاثة أعوام، وقدم في الكثير من المؤسسات، لكن مساعيه قوبلت بالرفض".
ولم يعد داوود الذي يبلغ من العمر 26 عاما، يكترث كثيرا بالعمل، بعد أن أصابه اليأس، إذ يقول لـ"العربي الجديد"، وهو يدخن الشيشة في مقهى شعبي في مدينة الرفاع الشرقي:"ذهبت لكل المؤسسات، كنت أقوم بجولات يومية ومعي مئات النسخ من السيرة الذاتية، والرد دائما بأنه لا يمكن توظيف شخص تخرج من جامعة دلمون" ويضيف: "إنها تعتبر مشبوهة في البحرين، لقد دفعنا آلاف الدنانير ووالدي تحمل هذه التكلفة، والآن أنا مجرد عاطل يدخن الشيشة".
تشويه سمعة الجامعات البحرينية الخاصة
يبدي نائب رئيس الجمعية البحرينية للجامعيين علي سبت، أسفه لما آلت إليه الأمور، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن:"الجامعات البحرينية الخاصة تشوهت سمعتها في الخارج، وخصوصاً الدول الخليجية، إذ إن الكويت أوقفت الاعتراف بست جامعات خاصة، ومنعت طلبتها من التسجيل فيها". وكان مجلس التعليم العالي الكويتي أعلن في عام 2010، وقف الاعتراف بست جامعات بحرينية خاصة، في الوقت الذي سمحت الكويت لطلبتها بالتسجيل في ثلاث جامعات خاصة فقط في البحرين، ومازال القرار ساريا.
ولم يقدم مجلس التعليم ترخيصا لجامعات خاصة جديدة منذ عام 2012 باستثناء كلية طلال أبوغزالة الجامعية لإدارة الأعمال، التي باشرت عملها في سبتمبر/أيلول 2012، رغم تقدم أكثر من طلب منذ ذلك الحين، وهو ما عده مراقبون حرصا من المجلس على عدم تكرار الأخطاء الماضية.
الأزمة في البرلمان والقضاء
في عام 2009 ظهرت أزمة الجامعات الخاصة في البحرين، وقتها بدأت وزارة التربية والتعليم البحرينية، التشكيك في مصداقية تلك الجامعات، ووصلت القضية إلى البرلمان البحريني، وبدأت الشركات والمؤسسات في البحرين تأخذ موقفا موحدا في اعتبار خريجي تلك الجامعات خياراً أخيراً لديها. وحرصا على سمعتها لجأت عدة جامعات إلى ما عرف حينها بحملة تصحيح أوضاع الجامعات الخاصة من خلال سلسلة قرارات أصدرها مجلس التعليم العالي، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2012 رصدت الهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب 13 برنامجاً أكاديمياً في تسع مؤسسات للتعليم العالي غير جدير بالثقة، أو حاز قدراً محدوداً من الثقة. وفي العام نفسه، وصلت أزمات الجامعات الخاصة إلى القضاء، إذ تقدمت جامعة العلوم التطبيقية بدعوى قضائية ضد مجلس التعليم العالي بشأن إيقاف برنامج إدارة الأعمال لوجود عدة مخالفات، بحسب المجلس.
خلال العامين الأخيرين تطورت الأزمة، رغم اختفائها عدة أشهر من الإعلام المحلي، إذ أعلن وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013 أن مجلس التعليم العالي قرَّر سحب ترخيص جامعة دلمون للعلوم والتكنولوجيا اعتباراً من صدور القرار بسبب اتهامات للجامعة بوقائع تزوير، أقدمت عليها الجامعة لرفع درجات الطلاب الراسبين. بعد أقل من عامين قرر المجلس في مايو/أيار من العام الجاري اعتبار كافة كشوفات درجات الطلبة الثابت تزويرها والذين كانت معدلاتهم التراكمية أقل من نقطتين لاغية، واعتبار أولئك الطلبة مفصولين من الدراسة.
من بين هؤلاء الطلاب سراج محمد (اسم مستعار)، والذي يعد واحدا من بين 500 طالب ألغيت شهادتهم، ينفي سراج وجود تزوير ويؤكد حصوله على الشهادة بصورة طبيعية، بينما يقول طلاب آخرون إنهم ابتعثوا على حساب المؤسسات التي يعملون لديها، والآن مطالبون برد التكاليف التي دفعت أو الفصل من العمل.
التربية والتعليم: مخالفات أكاديمية ومالية في الجامعات الخاصة
يؤكد وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي أن "عدة جامعات خاصة في البحرين تواجه صعوبة بتعديل أوضاعها والتكيف مع متطلبات التعليم العالي والشروط والمعايير المحددة رغم إمهالها 3 سنوات"، لكن بعض المختصين يرون أن التراخيص التي صدرت لإنشاء الجامعات الخاصة لم تكن مدروسة بشكل كاف، مما يصعب عملية تصحيح المسار.
قسم العلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم البحرينية رد على أسئلة "العربي الجديد" حول الأسباب الحقيقية للأزمة، بأن المخالفات الخاصة ببعض الجامعات الخاصة، تتعلق بالنواحي الأكاديمية والإدارية والمالية للجامعات الخاصة، وخصوصا الامتحانات ومستوى المحاضرين وكذلك المباني والمعامل والمختبرات، وتشير لطيفة البونوظة الوكيل المساعد للتعليم العام والفني إلى أن القرارات صدرت بناء على "جسامة المخالفات والهدف هو وجود كوادر لديها الكفاءات المطلوبة في سوق العمل".
وتضيف البونوظة لـ "العربي الجديد":"لا يمكن السماح بمخالفة الشروط، مثلما الحال مع الجامعات التي تقدم برامجها بنظام التعليم المفتوح والتي لم تعد اللجنة الوطنية لتقييم المؤهلات العلمية تعترف بها من منطلق سوء مخرجات تلك المؤسسات، وبالتالي التأثير بشكل سلبي على احتياجات مؤسسات الدولة وسوق العمل".
لا يقتصر الصراع بين الجامعات الخاصة في البحرين ومجلس التعليم العالي على مرحلة البكالوريوس فحسب، إذ قرر المجلس أيضا في مايو/أيار الجاري ايقاف برامج الماجستير في جميع التخصصات في الجامعة الأهلية وجامعة العلوم التطبيقية والجامعة العربية المفتوحة.
حصلت "العربي الجديد" على قائمة بأعداد طلبة الماجستير في تلك الجامعات، تبين أن 611 طالبا يدرسون في الجامعة الأهلية، في حين يوجد 275 طالبا في الجامعة العربية المفتوحة و107 طلاب في العلوم التطبيقية، كلهم ستتوقف دراستهم بعد التكاليف الباهظة التي دفعوها في الفصول الماضية. من هؤلاء فيصل منصور، طالب الماجستير في إحدى الجامعات التي شملها القرار. يصف فيصل القرار بـ"الظالم والذي لا يراعي الطلاب". ويستطرد قائلا لـ"العربي الجديد":"الوزارة تتخذ قرارات من منطلق الحفاظ على التعليم في البحرين، ولكنها لا تراعي ظروف الطلاب ولا تعوضهم أو توفر لهم بدائل كافية".
في مقابلة عمل في شركة نفط البحرين (بابكو) المملوكة للحكومة البحرينية، جلس محمد رشيد (اسم مستعار)، ممسكا بأوراقه على أريكة في قاعة الانتظار وعلامات التوتر تبدو على وجهه، يقول بوجه عابس لـ "العربي الجديد":"متأكد بأنها ستكون مثل كل مرة، سأرفض لأنني أحمل شهادة جامعة خاصة، أنا هنا فقط حتى أثبت لوالدي بأنني أحاول".
--------
اقرأ أيضا :
مافيا رخصة السواقة..المدربون في البحرين يستغلون المواطن والمقيم
زحام الخليج (3).. الاختناق المروري كابوس الإماراتيين
زحام الخليج(2).. 7 أسباب لمشكلة التكدس المروري في الدوحة
زحام الخليج (1)..4 سنوات من الازدحام المروري تنتظر الرياض