"خضر عنيد ويستمد عناده من إيمانه بقضيته، ونحن معه ولن نخذله"، بهذه الكلمات تلخص والدته التي باتت أسيرة الكرسي المتحرك بسبب شدّة المرض منذ شهور، موقف العائلة ورأي كل من يعرف الشيخ عدنان عن قرب.
اقرأ أيضاً: دعوات بضرورة مقاطعة الأسرى للمحاكم العسكرية الإسرائيلية
خضر عدنان أو "الشيخ"، كما يلقبه معارفه والأسرى وأهالي بلدته عرابة، قرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، ووسائل الإعلام، وبات لقبه يسبقه إلى أي مكان يذهب إليه، رغم أنه ما زال في منتصف عقده الثالث.
تابع الفلسطينيون والعالم أجمع قصة الشيخ الذي خاض أطول إضراب عن الطعام بلا مدعمات وبلا ملح، معتمداً فقط على الماء لمدة 66 يوماً، محطماً الرقم القياسي العالمي لأي إضراب عن الطعام، وكاسراً في الوقت نفسه عنجهية إدارة سجون الاحتلال، والتي انتزع منها أمراً بعدم تجديد اعتقاله الإداري حينها أي في عام 2013.
اليوم، يخوض الشيخ، وهو أحد قادة حركة "الجهاد الإسلامي" البارزين في الضفة الغربية، معركة أخرى ضد الاعتقال الإداري بأمعاءه الخاوية، وعناده الهادئ؛ فإدارة السجون الإسرائيلية لم تتعلم الدرس، إذ تبع إضراب الأسير عدنان حينها إضرابات نخبوية لعدد من قادة الأسرى، الأمر المتوقع أن يتكرر الآن.
الشيخ عدنان معتقل لدى الاحتلال منذ الثامن من يوليو/تموز 2014. صدر ضده أمراً بالاعتقال الإداري لمدة 6 شهور، تم تجديدها لمرة ثانية في السابع من يناير/كانون الثاني 2015. أضرب على إثرها لمدة أسبوع بشكل تحذيري، فقامت سلطات الاحتلال بتثبيت الحكم لمدة أربعة اشهر، تم تجديدها للمرة الثالثة في الخامس من مايو/أيار 2015 فأعلن الإضراب المفتوح عن الطعام تحت عنوان "فداك روحي يا أمي" ولإسقاط الاعتقال الإداري وملف الاعتقال الإداري.
ويلجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى الاعتقال الإداري والملف السري الذي تعده الاستخبارات الإسرائيلية، عندما تعجز النيابة عن إثبات تهمة على المعتقل، وعادة ما تتذرع بملف سري لا يستطيع أحد الاطلاع عليه، وتستهدف بالاعتقال الإداري قادة الرأي العام والمؤثرين في المجتمع الفلسطيني.
"لقد أخبرني في آخر زيارة له عزمه على الإضراب المفتوح عن الطعام، وإما أن يخرج منتصراً محمولاً على الأكتاف، أو شهيداً محمولاً على الأكتاف أيضاً"، تقول زوجته رندة لـ"العربي الجديد" من بيتها في بلدة عرابة.
يرفض الشيخ، إجراء فحوصات طبية، تاركاً إدارة السجون تتخبط في جهلها ولا تعرف طبيعة وضعه الصحي علّها تذعن لمطالبه، ويكون الفحص الطبي مقابل الحصول على أي مكسب مثل الحديث مع عائلته أو الخروج من العزل. يرفض استقبال بعض رجال الدين المشبوهين الذين تسمح لهم إدارة السجن بزيارته لإقناعه بأنه يقتل نفسه بهذا الإضراب، ليأتي رد زوجته عليهم وهي الواعظة والمحاضرة في الشريعة الإسلامية عبر الإعلام بفتوى دينية "لا يُفتي قاعد لمجاهد" وتكفيه مشقة الرد عليهم.
رندة التي تضيف كل يوم رقماً ليوم جديد من أيام الإضراب المفتوح في مربع أبيض على صورة كبيرة للشيخ عدنان، تتوسط البيت المتواضع، وفيما تنشغل بالحديث مع "العربي الجديد"، نجح أحد توائمها الثلاثة، حمزة، في نزع الورقة البيضاء التي ثبت عليها الرقم (23 يوماً) في إشارة لعدد الأيام التي قضاها الشيخ مضرباً عن الطعام.
وفيما تزجر الجدة الطفل ابن العام ونصف العام لإعادة الورقة، تبتسم رندة وتقول :"لا بأس سأثبت ورقة أخرى بعد قليل".
جميع أطفاله الستة معالي (6 أعوام) وبيسان (5 أعوام) وعبد الرحمن (3 أعوام) والتوائم الثلاثة حمزة وعلي ومحمد، يتحلقون حول صورته الكبيرة في البيت، عبد الرحمن يشير إلى أبيه، قائلاً: "بابا في السجن الإسرائيلي، بدي أروح أطلع بابا، وأسكر باب السجن على الإسرائيليين، ونروح أنا وبابا مشوار نشرب عصير في جنين".
يأخذ الأطفال الستة مصروفهم اليومي لشراء الحلوى وما يرغبون به من حاجيات من كيس صغير للمال اعتاد الأب حفظ قطع النقد المعدنية من بيع الخبز فيه.
اختار عدنان، المتخصص في الرياضيات الاقتصادية من جامعة بيرزيت عام 2001، أن يفتح مخبزاً ليكون مصدر رزقه، فقد أدرك أن مصادر كسب الرزق في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحولت إلى أفخاخ ومقصلة للأرزاق إن قرر من يعمل فيها أن يغرد خارج السرب، فابتعد عن العمل في السلطة الفلسطينية، والمؤسسات غير الحكومية والقطاع الخاص، ليفتح مخبزاً صغيراً في بلدة قباطية قرب جنين، ويعتاش منه وعائلته.
تقول زوجته" كان شعار الشيخ الذي ربى كل من حوله عليه (أنا حر ولن يربطني أحد)".
خريج الرياضيات الاقتصادية، والمثقف العميق، ومنظّر الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، لا يتوانى عن حمل الخبز والمعجنات التي يصنعها بيده في مخبزه ويبيعها في سوق الخضار القريب من المخبز.
لا يقبل الشيخ خضر أي عذر لشاب أو فتاة ينتظر وظيفة جاهزة، هناك آلاف الأفكار لمشاريع صغيرة بتكاليف متواضعة لا تجعل رقابهم بأيدي مشغليهم وتضمن لهم الاكتفاء الذاتي، هذه النصيحة التي سمعها كل شاب وفتاة قصد الشيخ يوماً طلباً للمساعدة أو النصيحة.
للشيخ عدنان تاريخ طويل مع الإضراب المفتوح عن الطعام، كان سلاحه الفتاك ضد الاعتقال السياسي عند السلطة الوطنية الفلسطينية، وضد الاعتقال الإداري بلا تهمة عند الاحتلال الإسرائيلي.
المرة الأولى التي لجأ فيها الشيخ لهذا السلاح كانت ضد اعتقاله لدى السلطة الفلسطينية عام 2000 بتهمة التحريض على رشق رئيس الوزراء الفرنسي حينها لوينيل جوسبان بالحجارة لدى زيارته جامعة بيرزيت. أمضى حينها ثمانية أيام في سجن السلطة، وهي مدة اعتقاله مضرباً عن الطعام احتجاجا على اعتقاله.
لا تستطيع والدته حصر المرات التي اعتقل فيها ابنها خضر، من كثرتها، سواء لدى السلطة أو الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك عدد إضرابته الكثيرة عن الطعام، لكن ذاكرة الأم تتوقف عند إضرابه الكبير عام 2013 ولحظات الألم العميقة بعدما بات استشهاده مسألة وقت ليس أكثر. أما الاعتقال الذي ما زالت الأم تتذكر مرارته أكثر فكان حين تخرج من جامعة بيرزيت. وضع أصدقاؤه صورته على مقعد التخرج في حينه، بينما كان يمضي حكماً بالاعتقال الإداري لمدة عام في سجون الاحتلال.
اعتقل الاحتلال فرحة الأم، تماما كما اعتقل فرحة زوجة ابنها في كل مرة كانت تلد أحد أبنائها الستة بعيداً عن والدهم المعتقل.
يؤكد كل من يعرف الشيخ عدنان أنه شخصية وحدوية، يتواجد في كل مسيرات الأسرى والمناسبات الوطنية بغض النظر عن الفصيل الذي ينظمها، يمتاز بعلاقات قوية مع جميع الفصائل الفلسطينية، ويشرف الأسير مروان البرغوثي على رسالة الماجستير التي يعدها الشيخ خضر من سجن هداريم قبل أن يبدأ إضرابه عن الطعام.
من المحطات اللافتة في حياة الشيخ خضر بعد خوضه إضرابه الشهير وتحرره عام 2013، حين عاد بعد بضعة أسابيع من تحرره، وأعلن إضرابا مفتوحا عن الطعام في مقر الصليب الأحمر الدولي في رام الله، وسرعان ما انضم إليه العديد من الأسرى المحررين مسلمين ومسيحيين، لمدة 12 يوما متواصلا، بهدف دعم الأسرى المضربين داخل المعتقلات الإسرائيلية.
الشيخ مفجر الإضرابات الفردية المفتوحة عن الطعام، وضع على القائمة السوداء في عدد من المعتقلات الإسرائيلية لأنه يقود استنفارا داخلها، وسرعان ما يبدأ بتنظيم احتجاجات وإضرابات مفتوحة، لذا عادة ما تعتذر عن استقباله في حال نقله.
اقرأ أيضاً: الاحتلال يعزل جميع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام
ورغم علاقة الشيخ الوثيقة مع الفصائل وقادة الأسرى في معتقلات الاحتلال وخارجها، غير أن السلطة الفلسطينية تضيق الخناق عليه وعلى حركته، وحاولت مرارا مضايقته وعزله عن الفعاليات الوطنية، كما تقول زوجته.
تشعر عائلة الشيخ بالأسف لعدم وجود زخم رسمي يدعم إضرابه عن الطعام، بل الأسوأ ملاحقة الناشطين في فعاليات الأسرى من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، لكن الشيخ يراهن على صدق الشارع الفلسطيني وحسه الوطني في دعم قضية الأسرى.
الشيخ عدنان، أحد أعضاء لجنة الحريات الفلسطينية المنبثقة من اتفاق المصالحة في القاهرة، وقائد "الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية، والخبّاز أبو الأطفال الستة، قال في رسالته الأخيرة لعائلته: "لا مجال للمخذّلين الذين يريدون شل كل عمل وطني وإخراس الشعب بحجة أن المرحلة السياسية لا تسمح".