ومقابل حملات التأييد والإشادة بتأكيد ولد عبد العزيز التزامه بالدستور، خاصة في أوساط الأغلبية، أظهر بعض قادة المعارضة شكوكاً في نوايا الرجل. واستخدم ولد عبد العزيز لغة حادة تجاه المعارضة، معتبرا أنها تراهن على استجلاب الثورة للبلاد. ولم يفوّت الفرصة ليشدد على أنه لو كان يرغب في تعديل الدستور لفعل.
وحسم الرئيس الموريتاني بذلك موقفه بشأن عدم البقاء في السلطة بعد أشهر من الإشاعات والتصريحات المتضاربة في هذا الشأن. كما صب جام غضبه على المعارضة المقاطعة للحوار، مؤكداً تصدي النظام لمحاولات جر البلاد إلى "الفتنة والثورة"، ودافع عن تغيير النشيد والعلم الوطنيين لأنهما لا يعربان عن البلد وتم اختيارها بشكل أحادي ومن دون تشاور.
وكان لافتاً أن خطاب ولد عبد العزيز كان خلال حفل اختتام جلسات الحوار الذي عقد قبل ثلاثة أسابيع بين بعض أحزاب المعارضة والأغلبية الحاكمة، وتضمنت توصياته تعديلات دستورية تقضي بإلغاء مجلس الشيوخ وتغيير العلم والنشيد الوطني، إضافة إلى إصلاحات سياسية أخرى.
بعض الأصوات المعارضة بقيت على شكوكها بشأن الرئيس الموريتاني ونواياه. نائب رئيس حزب تواصل المعارض، السالك ولد سيد محمود، اعتبر خطاب ولد عبد العزيز مجرد "خدمة". أما رئيس المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، الشيخ سيد أحمد ولد باب، فقد قال على هامش اجتماع للمنتدى، صباح الجمعة: "إن مآخذ المنتدى على النظام لا تتوقف عند مسألة المأمورية".
ويعتقد بعض المراقبين أن ولد عبد العزيز وجه ضربة قوية لمسيرة المعارضة المقبلة وخلط أوراق اللعبة السياسية، حيث شد اهتمام القوى السياسية إلى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بما فيما منصب رئيس الجمهورية. وهو ما جعل الاهتمام يتجه إلى خليفته المحتمل مع أنه أكد في تصريحات سابقة أن المعارضة لن يسمح لها الشعب الموريتاني بالحكم، ما يعني أن ولد عبد العزيز يدفع بقوة للحيلولة دون وصول المعارضة للحكم.
من هو الرئيس القادم؟
سيناريوهات عديدة طرحت بشأن الرئيس المقبل، حيث طرح اسم قائد أركان الجيش، الجنرال محمد ولد الغزاوني، كمرشح محتمل للرئاسة المقبلة، باتفاق مسبق مع الرئيس ولد عبد العزيز، على شاكلة ما جرى في روسيا. وفسرت في هذا السياق التغييرات الأخيرة في المؤسسة العسكرية، حيث كان أغلب المعنيين محسوبين على الجنرال الغزواني مناطقياً وقبلياً، ويعتبر صديقاً شخصياً للرئيس ولد عبد العزيز، وكان شريكه الأساسي في انقلابيْ 2005 و2008.
وكان له نصيبه من التعيينات السياسية خاصة خلال الفترة الأولى من حكم الرئيس ولد عبد العزيز، حيث اعتبره بعض المحللين شريكاً في الحكم وليس مجرد قائد عسكري.
وفي سياق البحث عن الرئيس القادم والخليفة المحتمل لولد عبد العزيز، طرح اسم الوزير الأمين العام للرئاسة، مولاي ولد محمد لغظف، وهو رئيس الحكومة السابق طيلة السنوات الست الأولى من حكم الرئيس ولد عبد العزيز، وأحد الشخصيات التكنوقراط المقربين من الرئيس. وهو مكلف الآن بملف الحوار السياسي والتواصل مع المعارضة وله علاقات طيبة مع أغلب أحزاب المعارضة ومحسوب على الجناح المعتدل داخل النظام.
وأعيد انتخاب محمد ولد عبد العزيز عام 2014 في ظل مقاطعة أحزاب المعارضة، وتنتهي ولايته عام 2019، حيث يحظر الدستور الحالي بقاء الرئيس في السلطة أكثر من فترتين رئاسيتين.