خطاب العفي
خطاب العفي مجرّد خطاب إنشائي واستعراضي، فقد صاحبه صلاحيته خارجيا، وهو بنفسه متأكّد من ذلك تماما، ولكنه خطابٌ معمول للداخل، لترهيبه فقط. خطاب العفي، الذي لا يأكل لقمته أحد، خطاب مراهقة سياسية، بل هو خطاب حاراتٍ ضيقةٍ في أزمنة الحرب وبقايا الفتوات، لا خطاب دول.
خطاب العفي بمثابة خطاب مراهقين داخل الساحات الشعبية المزوّدة بالكاميرات ووكالات الأنباء الملاكي تحت الطلب، بعدما ظهرت للمراهق عضلة أو مقنص بعد أسبوعين من رفع الأثقال أمام بلكونات بنات مدرسة التطريز في شبرا أو عين الصيرة.
خطاب العفي هو خطاب طلاب المدارس الفنية على مقهى "العتبة الخضرا" كي يثبتوا لأصدقائهم، بعد الوشم، أن لهم أصدقاء في "العطوف"، ممكن أن يقلبوا وسط البلد في ربع ساعة. وبعد الحصول على ورقة الدبلوم، تراهم كصبية في المقاهي الصغيرة، بعدما انسكروا أو تزوجوا أو نام أحدهم في القسم ليلتين أو انكسرت له سنة في معركة على قهوة، أو أدّى ربع الخدمة العسكرية، ثم هرب كي يعمل في مزارع الإسماعيلية.
خطاب العفي بعد فشخة الحنك ولعبة كيلو بامية مع آبي أحمد أمام عيون المراسلين الأجانب الذين يسكنون الفنادق مجانا في شرم الشيخ، نظير أكاذيبهم لجرائدهم في الخارج، بعدما أتقنوا العربية والأونطة أكثر من وكالة أنباء الشرق الأوسط وسمير رجب والقط والفأر وأبو علبة وأبو طبنجة، هو خطاب المكسور أمام رغباتة، ألا وهي الكرسي، ما اضطرّه للتوقيع ولعب كيلو بامية، وتخويف الداخل فقط بالعضلة والمقنص وحمقة العين واحمرارها، وذلك بعدما صارت السهوكة ممجوجة، والدمعتين انتهى مفعولهما، حتى أطفال السرطان أو حلقان الأرامل والسيدات وخلاخيلهن انتهى سحرها بعد غرامات البناء الباهظة التي فاقت الجباية بآلاف المرّات، فلماذا لا "يعتّروا" له عن واحدة ما زالت تحتفظ بخلخال جدّتها، على فكرة فيه والله.
نام مجلس الشعب بكامله في حظيرة العفي الأمنية. والآن يحاول بمجلس شيوخ، فلم يذهب إلا صاحب الحاجة وبقايا الحزب الوطني القديم تحت مسمى "مستقبل وطن"، وكانت فضيحة تذكّر الناس من خلالها "مَعْلمة" كمال الشاذلي، رجل حسني مبارك الراحل وحرفيته، وحزنوا هم على خبّار العيش الشاطر بعدما جاؤوا بعيال لا تفهم إلا في "الفينو".
أعتقد أن الرجل أنهى كل كروته ابتداء من "عربات الفول للشباب" حتى مجلس شيوخه، مرورا بـ"كارت" الإرهاب، بعدما حصدت كورونا في شهور من العالم أضعاف ما حصده الإرهاب في سنوات. وما عاد "كارت" الإرهاب صالحا لإثارة الغرب، وخصوصا بعدما مات داخل سجونه رئيس منتخب شرعي، وابنه بعده بشهور، بعد رجوعه من النيابة، ثم الصحافي محمد منير بعد إصابته بكورونا داخل سجون العفي، ثم تواصل المسلسل البائس بموت الدكتور عصام العريان، وهو عضو سابق في مجلس الشعب، فهل هذه سجون أم غرف انتقام معدّة بإتقان للخصوم السياسيين؟ خطاب العفي.. خطاب التفويض.. خطاب "مالناش طمع في حكم مصر والله".. خطاب "إنتو عارفين حصل لكوا إيه في رابعة والنهضة إلى آخره".. خطاب "أيوه هبني وهبني وهبني".. خطاب "أصل إنتوا مش عارفين".. خطاب "مين إنتوا"؟؟.. خطاب "إنتوا هتخوفوني ولا إيه"؟ هه... كلها خطابات تعبر عن أزمة رجل أخطأ الطريق إلى الحكم، حيث وجد الدم طريقا سهلا لفرض سطوته على الشعب بكل الأساليب. أما الخارج فهو هناك رجل رقيق جدا وهائم جدا وصموت جدا، ويستمع للكلام جدا وقد سبل في عينيه، وخصوصا في حضرة ترامب، أما بوتين، فيحتفظ منه بتميمة، "الجاكت" الأحمر.