وما يُعزّز عجز التوصلّ للحلّ السياسي، هو إصرار النظام السوري والمعارضة بمختلف تشكيلاتها، على "الحسم العسكري". وسبق لرئيس النظام بشار الأسد، أن ردّد في خطابه الأخير، يوم الأحد، بأن "الحديث عن حل سياسي مجرد أضغاث أحلام، وأن الحسم هو للميدان، لا لمؤتمرات التفاوض". وهو الرأي نفسه الذي تنطق به مختلف قوى المعارضة العسكرية، وأغلب القوى السياسية.
وبالنسبة إلى الآليات التي اقترحها المبعوث الدولي أمام مجلس الأمن، فتعتمد على مقاربة جديدة لحلّ الأزمة في سورية، تجمع بين إجراء "محادثات حول مواضيع محددة" بين السوريين، من ضمنها مسألة "مكافحة الإرهاب"، وإنشاء "مجموعة اتصال" دولية، على أساس أن تُثمر هذه الجهود في وضع حدٍّ للنزاع حتى أيلول/ سبتمبر المقبل.
وتفيد المحطات السابقة في جهود الحلّ السياسي للأزمة السورية، بأن مقاربة دي ميستورا الجديدة ستولد "ميتة" لأن المشكلة ليست في الآليات، بل في الأهداف والغايات، وهي مختلفة ومتناقضة لدى طرفي النزاع في سورية، وأطراف النزاع الداخلية والخارجية. كما أن العودة إلى مفاوضات متشعّبة، كما يقترح دي ميستورا، لن تحل المشكلة، وفقاً للتجارب السابقة.
ولعلّ ما يدل على ضآلة المساحة التي تتحرك فيها جهود المجموعة الدولية، عجز المبعوث الدولي خلال الأشهر الماضية عن فرض وقف لإطلاق النار في حي أو حيين من مدينة حلب، ما يشير إلى صعوبة توقّع أن تثمر هذه الجهود عن وقف شامل لإطلاق النار، وعن حلّ سياسي تريده معظم قوى المعارضة من دون رأس النظام، بينما يريده النظام تثبيتاً لحكمه، وشرعنة له.
اقرأ أيضاً: النظام والأكراد والتحالف يهزمون "داعش" في الحسكة
في هذا الصدد، أفاد مصدر من داخل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" السورية، لـ"العربي الجديد"، بأن "الخطة التي خرج بها دي ميستورا تنحرف تماماً عن مسار تطلعات الثورة السورية والشعب السوري". ورجّح "رفض الائتلاف لهذه الخطة في الأيام المقبلة لعدم نجاعتها في إيجاد حل سياسي قابل للتطبيق، وإيقاف نزف الدماء في سورية".
وأشار المصدر إلى أن "ما خرج به دي ميستورا يعيد إنتاج الأسد بطريقة أو بأخرى، ولا يمكن لأي حلّ يُبنى على أساس بقاء الأسد في منصبه، أن يفضي إلى نجاح العملية السياسية ووقف ما يعانيه الشعب السوري من قتل وتشريد وجوع".
ولفت المصدر إلى أن "دي ميستورا ابتعد عن جوهر بيان جنيف، القاضي بإنشاء هيئة حكم انتقالية"، موضحاً أن "تلك الخطة تختلف مع الوثيقة السياسية التي أقرّها الائتلاف، وتوافق عليها مع باقي أطياف المعارضة السورية ومنها هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة".
وكان "الائتلاف" قد أصدر بياناً، أمس الخميس، ذكر فيه أن "الهيئة السياسية تجتمع لليوم الرابع على التوالي، لمناقشة مقترح دي ميستورا". وأكد "الائتلاف" تمسكه بـ"مبادئ الثورة السورية وثوابتها، وعلى إيمانه بأن الحلّ السياسي المستند إلى بيان جنيف، والقاضي بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات، بما فيها صلاحيات رئيس الجمهورية، هو القادر على إنهاء معاناة الشعب السوري وتحقيق تطلعاته. كما أن الائتلاف مؤمن بأن هيئة الحكم الانتقالية قادرة على مكافحة الإرهاب وإعادة التوازن إلى المنطقة".
وكان دي ميستورا قد قدّم الأربعاء تصوراً جديداً، للتوصل إلى حل سياسي في سورية، خلال إحاطته التي قدمها في نيويورك أمام المجلس وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وتنص الخطة من أجل وقف العنف، على المضي قدماً في العملية السياسية بنقاط أربع، يمكن تنفيذها عن طريق إقامة مجموعات عمل متوازية مكونة من سوريين، تتعامل مع المحاور الرئيسية لبيان جنيف وتطبيقه على مراحل.
وبحسب دي ميستورا، فإن "اللجان ستقوم ببحث نقاط أربع: الأمن للجميع (عبر وضع حد للحصارات وتقديم المساعدات الطبية والإفراج عن المعتقلين) والمسائل السياسية (وبينها الانتخابات وحكومة انتقالية محتملة) والطابع العسكري (مكافحة الإرهاب واحتمال وقف إطلاق النار) وإعادة إعمار البلاد".
وسبق أن تدرّجت خطوات دي ميستورا في المشاورات التي قام بها منذ أن بدأ مهمته في 10 يوليو/تموز 2014. وطالب في المرحلة الأولى "النظام السوري بإطلاق سراح المعتقلين، وإدخال المساعدات الإنسانية لكافة المناطق المحاصرة". غير أن الأمر باء بالفشل، قبل أن يخرج بخطة "تجميد القتال" في مدينة حلب، بين كافة الأطراف، واعتماد أسلوب الحل من الأعلى للأسفل، عكس الخطوات التي انتهجها سلفاه الأخضر الإبراهيمي وكوفي عنان، وكان له ذات النتيجة.
وحين فشلت هذه الخطة أيضاً، دعا دي ميستورا إلى مشاورات ثنائية منفصلة، مع كل أطياف المعارضة السورية والنظام السوري وعدد من الدول الفاعلة في الملف السوري، بناءً على طلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قبل أن يطرح خطته الأخيرة.
ميدانياً، تشهد جبهات القتال في كل من محافظتي إدلب وحلب، هدوءاً نسبياً، بعد أن توقفت معركة "جيش الفتح" في جنوب غرب إدلب، على حدود القرى الموالية للنظام، والتي تتبع محافظتي اللاذقية وحماة، وتقع ضمن حدود "دولته المفيدة" التي يسعى للحفاظ عليها.
وفي المقابل ضمنت قوات المعارضة مواقع استراتيجية، يُمكن أن تكون مصدراً هاماً للطاقة، كمنطقة زيزون التي تحتوي على محطة زيزون لتوليد الكهرباء. كما ضمنت مواقع تستطيع من خلالها أن تطاول الحاضنة الشعبية للنظام، وبالتالي الضغط عليه في حال حاول التقدم بمواقع أخرى.
وعدا عن الشمال، تشهد جبهات القتال في دمشق ومحيطها، استماتة من قبل "حزب الله" اللبناني ومليشيات ايرانية بغية تأمين العاصمة دمشق، التي تُعتبر الجزء المهم لإيران في "دولة النظام المفيدة" ورمزاً للسيادة. وقد تكون ورقة بيده يستطيع رميها، في حال قرر تعزيز فرص سيناريو التقسيم والانكفاء في المناطق التي تضم حاضنته الشعبية الأكبر.
اقرأ أيضاً خطة طويلة الأمد لدي ميستورا بسورية: مفاوضات فإطار.. فجنيف