صدرت أخيراً نتائج التقرير عن مسح الفقر في الاردن، عن دائرة الإحصاءات العامة، وتم تحديد القيمة النقدية لخط الفقر المطلق، بالاستناد إلى بيانات مسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2010. ويُعرّف خط الفقر المطلق، وفق التفسير العالمي، على انه خط الفقر العام، حيث يُعبّر عن مستوى الدخل أو الإنفاق اللازم للفرد لتأمين الحاجات الأساسية، التي تتعلق بالغذاء والمسكن والملبس والتعليم والصحة والمواصلات.
وبالعودة الى تقرير الفقر، أشارت النتائج إلى أن القيمة النقدية لخط الفقر المُطلق في الأردن بلغت 814 ديناراً للفرد سنوياً، أو 96 دولاراً أميركياً للفرد شهرياً. وبحسب التقرير، فإن 14.4% من إجمالي سكان الأردن، يقعون تحت خط الفقر العام المطلق، وهو رقم إن بدا متواضعاً وبعيداً عن الواقع، إلّا أنه لم يكن مفاجئاً قياساً إلى القيمة النقدية الزهيدة، التي تم تحديدها لخط الفقر. قيمة تُثير الكثير من التساؤلات حول طريقة احتسابها، فهي لا تلبي الحاجات الأساسية للأفراد، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
وفقاً لأرقامها الرسمية الأردن اقل فقراً من أسبانيا وألمانيا!
ولو افتراضنا جدلاً صحّة هذه الأرقام، فإن الأردن بات أقل فقراً من دول، كإسبانيا، التي سجلت نسبة فقر 19.4%، وألمانيا، التي سجلت 15.5%، وكوريا الجنوبية، التي حققت 16.5%، والبرتغال، التي سجلت 18%، واليابان، التي اعلنت أن نسبة الذين يقعون تحت خط الفقر العام فيها تصل إلى 16%، بل إن الرقم المسجل في الأردن بات يُزاحم دولاً تتميز بارتفاع مؤشر التنمية البشرية لديها، مثل المملكة المتحدة وهولندا والدنمارك!
وبغض النظر عن عدالة القيمة النقدية، التي تم تحديدها لخط الفقرالمطلق، فإن الأردن لا يزال يُفضّل أسلوب "الدخل" كمعيار أساسي، عند تحديد خطوط الفقر، وهو معيار يعتبر الفرد "فقيراً" إذا لم يحقق حدا أدنى من الدخل. ويبدو للوهلة الأولى أن أسلوب "الدخل" تعتريه سلبيات جوهرية في قياس معدل الفقر الحقيقي لبلد ما، ذلك أن تحديد حجم النقود هو كل ما يلزم لتصنيف الأفراد فوق خط الفقر أو تحته، في حين أن الفقر لا يمكن قياسه بالقيمة النقدية فقط، فهناك عوامل يصعب تقييمها بالنقود، مثل الوضع الصحي للفرد والمستوى التعليمي والتهميش الاجتماعي وغيره.
صعوبات في تحديد خط الفقر بالأردن
كذلك، هناك صعوبة في تحديد خط الفقر المطلق من خلال "الدخل" فقط، وذلك لسببين، أولاً، لعدم وجود حد أدنى من الدخل الفردي متفقاً عليه دولياً. وثانياً، لأن المقارنات الدولية تصبح قليلة الفائدة، مع تباين حجم الفجوة بين الدخل الفردي وتكلفة المعيشة بين بلد وآخر، في حين بات الأردن في السنوات الأخيرة أكثر غلاءً من السابق، مع ارتفاع الأسعار لتتجاوز القدرة الشرائية للمواطن.
وفي هذا الصدد، فإن حلول العاصمة الأردنية عمّان في المرتبة الرابعة على مستوى المدن العربية، من حيث تكلفة المعيشة، وذلك حسب "مؤشر ميرسر" العالمي، والذي يقيس تكلفة المعيشة لنحو 200 سلعة وخدمة أساسية، يعتبر مؤشراً آخر على فشل السياسات الاقتصادية. سياسات ساهمت في المزيد من الغلاء، في مقابل بقاء مستوى الدخل الفردي من دون زيادة مؤثّرة.
اليوم، عدد كبير من الدول المتقدمة بات يستخدم أسلوب "الاستمرار في الحياة"، في قياس معدل الفقر. فهو معيار أكثر دقة وأوسع شمولاً كونه يأخذ بالحسبان الحاجات الأساسية للإنسان. فمن خلال هذا الأسلوب، يمتد قياس الفقر ليشمل أبعاداً إنسانية واجتماعية أخرى، مثل عدم الحصول على الغذاء الكافي، وارتفاع وفيات الأطفال الرضع، وانخفاض معدل الحياة، وقلة فرص التعليم، وعدم توافر مياه شرب آمنة، وعدم كفاية الرعاية الصحية، وسوء ظروف المسكن والحياة المعيشية وغيرها.
إن تحديد حد أدنى من دخل الفرد، بمعزل عن عوامل أخرى، لن يؤدي بالضرورة إلى تحديد معدل الفقر في الأردن بالدقة المطلوبة، ذلك أن آليات قياس الفقر لا تقتصر على تحديد المبلغ النقدي للاستهلاك، أو الدخل، حتى وإن كان هذا المبلغ عادلاً، بل تتعداه لتشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لاحتياجات الإنسان الأساسية.
(باحث وخبير اقتصادي أردني)
وفقاً لأرقامها الرسمية الأردن اقل فقراً من أسبانيا وألمانيا!
ولو افتراضنا جدلاً صحّة هذه الأرقام، فإن الأردن بات أقل فقراً من دول، كإسبانيا، التي سجلت نسبة فقر 19.4%، وألمانيا، التي سجلت 15.5%، وكوريا الجنوبية، التي حققت 16.5%، والبرتغال، التي سجلت 18%، واليابان، التي اعلنت أن نسبة الذين يقعون تحت خط الفقر العام فيها تصل إلى 16%، بل إن الرقم المسجل في الأردن بات يُزاحم دولاً تتميز بارتفاع مؤشر التنمية البشرية لديها، مثل المملكة المتحدة وهولندا والدنمارك!
وبغض النظر عن عدالة القيمة النقدية، التي تم تحديدها لخط الفقرالمطلق، فإن الأردن لا يزال يُفضّل أسلوب "الدخل" كمعيار أساسي، عند تحديد خطوط الفقر، وهو معيار يعتبر الفرد "فقيراً" إذا لم يحقق حدا أدنى من الدخل. ويبدو للوهلة الأولى أن أسلوب "الدخل" تعتريه سلبيات جوهرية في قياس معدل الفقر الحقيقي لبلد ما، ذلك أن تحديد حجم النقود هو كل ما يلزم لتصنيف الأفراد فوق خط الفقر أو تحته، في حين أن الفقر لا يمكن قياسه بالقيمة النقدية فقط، فهناك عوامل يصعب تقييمها بالنقود، مثل الوضع الصحي للفرد والمستوى التعليمي والتهميش الاجتماعي وغيره.
صعوبات في تحديد خط الفقر بالأردن
كذلك، هناك صعوبة في تحديد خط الفقر المطلق من خلال "الدخل" فقط، وذلك لسببين، أولاً، لعدم وجود حد أدنى من الدخل الفردي متفقاً عليه دولياً. وثانياً، لأن المقارنات الدولية تصبح قليلة الفائدة، مع تباين حجم الفجوة بين الدخل الفردي وتكلفة المعيشة بين بلد وآخر، في حين بات الأردن في السنوات الأخيرة أكثر غلاءً من السابق، مع ارتفاع الأسعار لتتجاوز القدرة الشرائية للمواطن.
وفي هذا الصدد، فإن حلول العاصمة الأردنية عمّان في المرتبة الرابعة على مستوى المدن العربية، من حيث تكلفة المعيشة، وذلك حسب "مؤشر ميرسر" العالمي، والذي يقيس تكلفة المعيشة لنحو 200 سلعة وخدمة أساسية، يعتبر مؤشراً آخر على فشل السياسات الاقتصادية. سياسات ساهمت في المزيد من الغلاء، في مقابل بقاء مستوى الدخل الفردي من دون زيادة مؤثّرة.
اليوم، عدد كبير من الدول المتقدمة بات يستخدم أسلوب "الاستمرار في الحياة"، في قياس معدل الفقر. فهو معيار أكثر دقة وأوسع شمولاً كونه يأخذ بالحسبان الحاجات الأساسية للإنسان. فمن خلال هذا الأسلوب، يمتد قياس الفقر ليشمل أبعاداً إنسانية واجتماعية أخرى، مثل عدم الحصول على الغذاء الكافي، وارتفاع وفيات الأطفال الرضع، وانخفاض معدل الحياة، وقلة فرص التعليم، وعدم توافر مياه شرب آمنة، وعدم كفاية الرعاية الصحية، وسوء ظروف المسكن والحياة المعيشية وغيرها.
إن تحديد حد أدنى من دخل الفرد، بمعزل عن عوامل أخرى، لن يؤدي بالضرورة إلى تحديد معدل الفقر في الأردن بالدقة المطلوبة، ذلك أن آليات قياس الفقر لا تقتصر على تحديد المبلغ النقدي للاستهلاك، أو الدخل، حتى وإن كان هذا المبلغ عادلاً، بل تتعداه لتشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لاحتياجات الإنسان الأساسية.
(باحث وخبير اقتصادي أردني)