رغم التوافق الواضح بين الأتراك والروس حول ضرورة الحل السياسي في الأزمة السورية، وتحضيراتهم المشتركة فيما يخص مؤتمر جنيف 4، يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة بتوجهها نحو إقامة المنطقة العازلة وإعادة التعاون مع أنقرة، أدت إلى خلاف كبير في وجهات النظر بين موسكو وأنقرة.
وبينما تودّ تركيا أن تشمل المنطقة الآمنة فقط مناطق سيطرتها في شمال سورية، تشترط روسيا لقبولها بأن تشمل جميع مناطق الشمال السوري بما في ذلك الخاضعة لسيطرة قوات "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني).
وكانت المنطقة الآمنة أو الخالية من الإرهاب أحد أهم المواضيع الرئيسية التي تم التباحث بشأنها خلال زيارة رئيس المخابرات الأميركية، مايك بومبيو، في 9 من فبراير/ شباط الحالي، مما أحيى الآمال التركية في إعادة إحياء خططهم القديمة في إنشاء هذه المنطقة.
ورغم أن الأميركيين لا يمتلكون بعد خطة واضحة المعالم بخصوص تنفيذ هذا الأمر، حيث أن الاقتراح التركي كان بأن تشمل هذه المنطقة الآمنة مناطق سيطرة "درع الفرات" في شمال سورية والمقدرة بحوالى ألفي كم مربع، إلا أن الرد الروسي حول الأمر لم يكن إيجابياً.
ولمواجهة الضغط الأميركي ولمنع الأتراك من الانجرار وراءه، طالب الروس بأن تشمل المنطقة الآمنة جميع مناطق الشمال السوري الخالية من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها "الاتحاد الديمقراطي"، مشيرين إلى إمكانية إصدار قرار في هذا الشأن من مجلس الأمن الدولي.
وأكد مصدر تركي مطلع، لـ"العربي الجديد"، أن كلاً من أنقرة وموسكو ناقشتا الأمر، لكن الخلاف كان واضحاً بين الجانبين، حيث أن روسيا لا تود أن تخسر "كرت" العمال الكردستاني لصالح الأميركيين، الأمر الذي ترفضه أنقرة، لأن ذلك تراه تهديداً على وحدة الأراضي السورية، ويجعل لعدوها الأول، ممثلاً بالكردستاني، موطئ قدم في شمال البلاد، قد يتحول إلى منصة لانطلاق هجمات ضدها.
وبانتظار اتخاذ قرارها النهائي حول الاستراتيجية الجديدة الخاصة بسورية، تقوم واشنطن في الوقت الراهن بمراقبة تحركات المعارضة السورية المعتدلة المتحالفة مع الأتراك في ريف حلب، وقدرتها على إدارة المنقطة وتوحيد قواها، لذلك يعمل الأتراك على تسريع العمليات في سبيل تقديم هذه القوى كأحد العناصر الرئيسية في أي حملة للسيطرة على الرقة من يد "داعش".
وعن خطة تحرير الرقة، كان الاقتراح التركي بأن تقوم قوات خاصة تابعة لكل من القوات التركية والأميركية بقيادة عمليات ضد "داعش" بالتعاون مع العناصر العربية في المنطقة وبالذات تلك التابعة لعملية "درع الفرات"، انطلاقاً من مدينة الباب. ولكن لبعد المسافة بين الباب والرقة والمقدرة بحوالى 200 كيلومتر وتكلفتها المادية الكبيرة، فإن واشنطن لازالت تقيم مختلف الخيارات الأخرى، وسط معارضة روسية لأي تعاون تركي أميركي في هذا الشأن.
يأتي هذا بينما يحاول نظام بشار الأسد بالتعاون مع الروس قطع الطريق أمام الأتراك في أي محاولة للتقدم باتجاه الرقة، عبر التقدم الواضح الذي حققه النظام جنوب الباب.
ومازالت قوات النظام تحاول التقدم شرقاً باتجاه منبج، مما سيفرض على الأتراك، في وقت لاحق، ضرورة التنسيق مع النظام في أي عملية ضد "داعش" في الرقة، في حال استمرت قوات "الاتحاد الديمقراطي" في التقدم باتجاه الرقة عبر الدعم الأميركي. وهو ما يفسر الرغبة التركية بالتعاون مع الدول الخليجية، الأمر الذي أكده الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال زيارته للبحرين، يوم أمس.