لا تزال المستجدات في ليبيا في حالة اشتباك مستمر بين السياسي والعسكري، وسط صراع مكتوم تعيشه الأطراف الليبية داخل أجهزتها، وفي مفاصل مراكز الحكم فيها، رغم لغة التصعيد ومشاهد التحشيد العسكري التي تشهدها منطقتا سرت والجفرة.
ومقابل تأكيد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب"، عبد المالك المدني، استمرار الهدوء الحذر في محيط سرت، وسط البلاد، تزامنا مع تحشيد عسكري مستمر وانتظار لأوامر عسكرية بتقدم قوات "الوفاق" باتجاه المدينة، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، خلال الساعات الماضية، مشاهد تظهر تحرك رتل عسكري تابع لمجموعة "فاغنر" الروسية من قاعدة الجفرة باتجاه مدينة سرت.
من جانبها، قالت قناة "الحدث"، المقربة من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في خبر عاجل فجر الأربعاء، إن "الجيش ( مليشيات حفتر) بدأ بنشر أنظمة دفاع جوية من طراز إس–200 في محيط مدينة سرت، تحسباً لأي هجوم معاد"، في إشارة إلى استعداد قوات "الوفاق" للتقدم باتجاه سرت في أي لحظة.
وفي ظل تحفز طرفي الصراع في ليبيا، برزت ملامح جهود مغاربية حثيثة لحل الأزمة الليبية. فبموازاة دور جزائري تبلور في مبادرة تبناها الرئيس عبد المجيد تبون، تستهدف تفعيل وساطة جزائرية– تونسية لحل الأزمة، بدأ دور مغربي في التبلور معتمداً على اتفاق الصخيرات، الموقع نهاية عام 2015، لم تتبين ملامحه حتى الآن، إذ لم يغادر رئيسا مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، الرباط حتى الآن، رغم مضي ثلاثة أيام من المشاورات المنفصلة بوساطة مغربية لم يعلن عن تفاصيلها حتى الآن.
لكن الصحافية الليبية نجاح الترهوني تؤكد أن "المجتمع الدولي إما أنه لا يدرك خطورة الانقسامات الداخلية المتزايدة في ليبيا، أم أنه يدير ظهره لها، فمجلس الدولة والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق يبدوان في خلاف مستمر رغم توحدهما في هدف طرد مليشيات حفتر وإبعاد خطرها عن طرابلس".
ولفتت الترهوني، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى تصريحات المشري التي أكدت رغبته في إجراء تعديلات على الاتفاق السياسي تسمح لمجلسي الدولة والنواب بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وفصل حكومة الوفاق عنه، ومن جانب آخر الخلافات التي لا تزال في كواليس طرابلس بين رؤوس حكومة الوفاق.
وبعد تسرب أنباء مؤكدة عن عزم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، إعلان تعديل وزاري لحكومته، الأسبوع قبل الماضي، نشرت وسائل إعلام ليبية أنباء معارضة وزير الداخلية بالحكومة، فتحي باشاغا، الشديدة لقرار التعديل.
وعقد باشاغا مؤتمراً صحافياً ليل الثلاثاء، توعد خلاله بملاحقة كل الفاسدين وفتح تحقيقات بالتعاون مع مكتب النائب العام والمؤسسات بشأنهم، مشيراً إلى أن من وصفها بـ"منظومة الفساد" استشرت في كل مكان، وتقودها عصابات موجودة في كل مؤسسة.
وتعلق الترهوني بأن باشاغا كثيراً ما استهدف في تصريحاته بشكل مباشر مجموعات مسلحة على علاقة بالسراج، من بينها لواء النواصي الذي يؤمّن مقرات السراج الحكومية، بل مقره الخاص في قاعدة ابوستة البحرية، ما يشير إلى خلافات عديدة تعانيها طرابلس.
ووسط أنباء تداولتها وسائل إعلام ليبية بشأن إصابة رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح، بفيروس كورونا، وقلق على مسار المفاوضات التي يرعاها المغرب حاليا بينه وبين المشري، رغم نفي المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، أنباء إصابة صالح، خلال تدوينة على صفحته الرسمية فجر اليوم الأربعاء.
ويرى فوزي الأحمر، الناشط السياسي الليبي، في تصريحات بعض أعضاء مجلس النواب المجتمع بطبرق، الرافضة لمشاركة مجلس الدولة في حوار سياسي، مؤشرا على خلافات بين صالح وبقايا حلفاء حفتر في برلمان طبرق.
ونشرت وكالة الأنباء الليبية التابعة لحكومة شرق البلاد، اليوم الأربعاء، بيانا مشتركا لعضوي مجلس النواب، زياد دغيم وعيسى العريبي، طالبا خلاله البعثة الأممية في ليبيا بإطلاق المسار السياسي بعد توسعته، بما يحقق التوازن في العدد بين أقاليم ليبيا الثلاثة، مؤكدين على أن المسار السياسي محكوم بآخر مرجعية دولية، وهي اجتماع برلين.
وخلال مساعي صالح لإحياء اتفاق الصخيرات في مفاوضاته الجارية مع المشري، أكد العضوان المعروفان بقربهما من حفتر، أن الانسداد السياسي الكبير سببه اتفاق الصخيرات ولا يمكنه على أساسه إطلاق حوار سياسي جديد، مشددين على عدم اعترافهما بمجلس الدولة كطرف سياسي.
ووسط كل هذه التوترات والخلافات، أعلن عدد من النشطاء من الجنوب الليبي، الثلاثاء، عن تأسيس مجلس في المنطقة الجنوبية من البلاد، باسم "مجلس إقليم فزان"، يهدف لتمثيل المنطقة، في ظل ما تشهده البلاد من تشظٍّ سياسي ومن تجاذبات وضغوطات دولية وإقليمية، للتهدئة منعاً لاندلاع الحرب واستئنافها بين الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق، خاصةً على خط سرت-الجفرة، بحسب البيان.
وعلق الأحمر، في حديثه لــ"العربي الجديد"، بأن بيان تأسيس المجلس الجديد في جنوب ليبيا يشير إلى رغبة الجنوب في الاستقلالية في مواقفه عن طرفي الصراع في ليبيا، و"رغم أهمية مشاركة الجنوب، إلا أن خطر بروزه في هذه المرحلة الحساسة يشير إلى إمكانية تزايد الانشقاقات والانقسامات".
ولفت الناشط السياسي إلى أن البون بات شاسعاً بين الاختلافات الداخلية والجهود الدولية المرتبطة بمصالح الدول، لكنه يرى أن "المحرك الأساسي للملف الليبي لا يزال يدور حول التوجس الأميركي الروسي".
واعتبر الأحمر أن "التحركات الجديدة لفاغنر وانخفاض التصدير النفطي في ليبيا إلى مستوى لم يسبق ستدفع واشنطن إلى تغيير سياساتها في ليبيا بشكل سريع"، معتبراً أن الأنباء التي أشارت إليها صحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخراً بشأن إمكانية فرض واشنطن عقوبات على حفتر، بسبب علاقته مع الروس، أولى مؤشرات تغير السياسة الأميركية في ليبيا، التي ستكون لها مؤثراتها على مواقف الدول الإقليمية المتواجدة في الملف الليبي، وتحديدا القاهرة وأنقرة.