يمثل إعلان حزب "المؤتمر الشعبي"، الذي يترأسه علي عبد الله صالح، رفضه لتعيينات صادرة عن جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في مناصب حكومية في العاصمة اليمنية صنعاء، مؤشراً جديداً على عمق الخلافات التي ينظر إليها البعض على أنها تمر بمرحلة "الهدوء الذي يسبق العاصفة". وكان الطرفان نجحا، خلال الأسابيع الماضية، بالتوصل إلى تهدئة مؤقتة، بعد أن كاد ينفجر الصدام المسلح بين الشريكين، في ظل عدم بروز خطوات واضحة تنبئ باحتواء الخلافات.
وأفادت مصادر سياسية في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، أن أجواء التوتر في الأزمة بين الشريكين، واحتمالات التصعيد، عادت مجدداً، عقب قرارات التعيين الأخيرة التي أصدرها الحوثيون في المؤسسات الحكومية، وما تبعها من رفض معلن من حزب صالح، بعد أن كان الطرفان نجحا بتجاوز مؤشرات الصدام المسلح، الذي برز شبحه في العاصمة اليمنية، أواخر الشهر الماضي. وكان حزب صالح، خرج عن الصمت، للمرة الأولى، أمس الأول، تجاه حركة تعيينات الحوثيين في المؤسسات والدوائر الحكومية الواقعة في مناطق سيطرة الشريكين. وكشفت مصادر مقربة من الحزب، لـ"العربي الجديد"، أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تعيينات من دون توافق الطرفين، غير أن نوعية المناصب التي شملتها القرارات الأخيرة، كان لها الدور الأبرز، بدفع "المؤتمر" إلى إعلان رفضها، بعد أن شملت تعيين القاضي أحمد يحيى محمد المتوكل (أحد المحسوبين على الجماعة)، رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، بالإضافة إلى عمليات التعيين في مناصب حساسة في وزارة المالية والهيئات المرتبطة بها وبرئاسة الجمهورية.
ومن أبرز ما حمله بيان الرفض الصادر عن حزب صالح، الكشف عن أن القرارات الأخيرة المعلنة باسم "رئيس المجلس السياسي"، صالح الصماد، والذي يفترض أنه واجهة أعلى سلطة تمثل الطرفين، وتصدر عنها القرارات بالتوافق بينهما، لم تُناقش في إطار المجلس المؤلف من عشرة أشخاص، بالمناصفة بينهما، وهو ما يعني أن الشراكة التي دخل بها الطرفان باتفاق مستعجل، وُقع في يوليو/تموز 2016، دخلت مرحلة أقرب إلى الانهيار، ما يفتح الباب أمام جميع الاحتمالات، بما فيها التهدئة أو المواجهة. ومن زاوية أخرى، جاءت حساسية التعيين الخاص برئيس مجلس القضاء الأعلى كون القضاء كان أبرز مواضيع الخلاف التي برزت خلال الشهر الماضي، إذ اتهم الحوثيون حزب صالح، بعرقلة حركة التعيينات القضائية، ولوحوا بالمضي فيها من دون الحاجة إلى التوافق، بما يجعل القرار الأخير مؤشراً على مضي الجماعة بفرض سلطتها وقراراتها خارج إطار "التوافق" المفترض، على نحو يرتبط بمناصب حساسة مثل القضاء. وكان الحوثيون قد أصدروا قرارات خلال الأزمة الأخيرة، بينها تعيين القيادي في الجماعة، عبدالله يحيى الحاكم، المعروف بـ"أبو علي الحاكم"، رئيساً لهيئة الاستخبارات بوزارة الدفاع.
وتعكس أزمة القرارات الأخيرة، استمرار الخلافات العميقة بين الطرفين، وهشاشة الجهود المبذولة لاحتوائها من قبل قيادات في الطرفين، وهي الجهود التي كانت نجحت في الحد من مظاهر الأزمة في العاصمة صنعاء، بالتزامن، وعقب الفعالية الجماهيرية التي أقامها حزب صالح في ذكرى تأسيسه في 24 أغسطس/آب الماضي. وأعلن الحوثيون عن فعاليات لحشد المسلحين، رداً عليها، في اليوم ذاته. وعلى الرغم من تراجع المظاهر المسلحة بشكل محدود أواخر الأسبوع الماضي، على صعيد حواجز التفتيش التي أقامها الحوثيون في شوارع صنعاء، بقيت مؤشرات التوتر سائدة، مع توارد الأنباء عن استمرار الحوثيين بحشد مسلحيهم في صنعاء، في مقابل أنباء عن استعدادات مماثلة للقوات الموالية لصالح، وهو ما دفع نائب رئيس الحكومة اليمنية، وزير الخارجية، عبد الملك المخلافي، إلى اعتبار التهدئة النسبية في صنعاء بأنها "الهدوء الذي يسبق العاصفة". وتبرز احتمالات تصاعد التوتر مع فشل الطرفين، خلال الأسبوعين الماضيين، بالتوصل إلى اتفاق يتضمن معالم واضحة تنزع فتيل الأزمة، وحالة عدم الثقة المسيطرة على علاقات طرفي تحالف الانقلاب. وكانت الأزمة بلغت أوجها في العام 2014، ثم خلال الحرب التي شنها التحالف، بقيادة السعودية، ضد الطرفين منذ نحو عامين ونصف العام. لكن الخلافات التي برزت بينهما بدت وكأنها تمضي بخطى أسرع من الروابط التي تدفع الطرفين إلى تأجيل الخلافات. وفي خضم أجواء التوتر الحالية، لا تزال موازين القوى بين الطرفين محل غموض، مع الاستعراض الذي شرع الحوثيون فيه بصنعاء في الأسابيع الأخيرة، وحرصوا خلاله على إظهار قوتهم وسيطرتهم على العاصمة، في حين اختار صالح وحزبه امتصاص الصدمات والعمل على التهدئة، باستثناء رفضه المعلن للقرارات الأخيرة. لكن الاحتمالات لا تزال مفتوحة، على التهدئة أو التصعيد، الذي ينقل الأزمة إلى مرحلة جديدة.