كان معتاداً في اليمن أن يُغتال ضابط أو يقع هجوم وأن تقيد العمليات ضد مجهول، لكن الذي لم يكن شائعاً أن تصل السلطات إلى "الُجناة" وتقدم معلومات وُصفت بـ"الأهم" منذ سنوات.
وأكدت السلطات الأمنية خلال الأيام الماضية مقتل زعيم خلية "القاعدة" الأخطر في صنعاء، ويدعى صالح التيس، الذي يوصف بأنه أمير القاعدة في صنعاء، في عملية "نوعية" نفذها الأمن في مديرية أرحب 20 كيلومتراً شمالي العاصمة.
وفي بيان موسع يوم الخميس الماضي، قدمت "اللجنة الأمنية العليا" معلومات هامة مدعومة ببعض الصور حول عمل خلية "التيس" والعمليات المسوؤل عنها، وأبرزها، التفجير الانتحاري في ميدان السبعين في صنعاء أثناء بروفة عرض عسكري في 21 مايو/أيار 2012، ما أدى إلى مقتل أكثر من 80 جندياً. يضاف إلى ذلك، محاولة اغتيال وزير الدفاع، اللواء محمد ناصر أحمد، بسيارة مفخخة في العام نفسه وعمليات أخرى. كذلك اتهمت الخلية بتنفيذ العديد من عمليات الخطف والاغتيالات التي طالت عسكريين وأمنيين وأجانب في صنعاء.
صالح التيس
"صالح هادي عبد الله التيس الوائلي"، هو قيادي في "القاعدة" سبق أن أعلنت السلطات مقتله في يناير/ كانون الثاني 2010 في غارة جوية إلى جانب القائد البارز في التنظيم قاسم الريمي، ثم تبين أنهما لم يقتلا. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2011 تحدثت مصادر عدة عن إصابة التيس في غارة جوية في مدينة زنجبار في محافظة أبين، وهي الغارة التي قتل فيها القيادي البارز عمار الوائلي.
وينتمي التيس إلى منطقة "وائلة" في مديرية كتاف في صعدة، وهي منطقة ينتمي إليها العديد من قادة التنظيم ومن أعضاء الخلية الخاصة في صنعاء. بدأ نشاط "القاعدة" في كتاف منذ التسعينيات بإشراف زعيم التنظيم، أسامة بن لادن. وكان التيس يوصف في فترات سابقة بأنه أمير "القاعدة" في محافظة الجوف المجاورة لصعدة، وله شقيق قتل في مواجهات مع قوات الأمن اليمنية في العام 2011 وهو عبد الله هادي التيس.
سنهوب والكبسي
وإلى جانب قائد الخلية، قُتل في عملية أرحب القيادي يحيى محمد ناصر سنهوب. وأفاد التقرير الأمني بأنه "شارك في تنفيذ عددٍ من أعمال الإرهاب في أمانة العاصمة وأبرزها التفجير في ميدان السبعين". وورد اسمه ضمن تقارير صحفية لاعترافات المتهمين في العملية في حينها.
كما قتل القيادي عبد الخالق محمد محمد الكبسي، الذي أوضح التقرير الأمني أنه "شارك في بعض من عمليات هذه الخلية، وكان المسؤول عن المجموعة التي تقوم بعملية الرصد للأهداف المطلوب تصفيتها من ضباط في الجيش والأمن ودبلوماسيين وأجانب".
تتبُّع الخلية
بحسب الإفادة الرسمية والمعلومات التي حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر مختلفة، فإن مقتل اثنين حاولا خطف أحد الأجانب (قالت الصحافة الأميركية إنهما ضابطان في الاستخبارات الأميركية)، بالإضافة إلى اغتيال فرنسي يعمل في بعثة الاتحاد الأوروبي في صنعاء، كانتا عمليتين فاصلتين قادت بعض تفاصيلهما إلى الكشف عن الخلايا.
تبع ذلك قيام قوات الأمن بمداهمات وملاحقات للعديد من الأهداف داخل صنعاء قبل الوصول إلى الخلية الرئيسية في منطقة "أرحب"، التي تقول مصادر محلية إن مجموعة جاءت قبل نحو عامين استأجرت فيها أحد المنازل، ولم يكن نشاطها معروفاً لدى الأهالي.
تساؤلات حول الخلية وأهدافها
بالرغم من صلة التيس الأصيلة بـ"القاعدة"، فإن الكثير من التساؤلات تُثار حول "الخلية" وعن عجز أجهزة الأمن اليمنية والأجهزة الدولية الناشطة في اليمن ضد "الإرهاب" عن الوصول إليها سابقاً، إذ نفذت الكثير من العمليات بأوقات متفاوتة. وكان المنفذون - للاغتيالات بالذات- ينجون في أغلب الأحوال. وهناك هجمات أخرى ظهرت فيها ثغرات لا يستبعد معها وجود تواطؤ، كالهجوم على السجن المركزي في صنعاء فبراير/ شباط الماضي وإطلاق سجناء.
لكن تضعف فرضية وجود تواطؤ رسمي عالي المستوى عند قراءة قائمة المستهدفين، اذ استهدفت "الخلية" وزير الدفاع ونفذت أبرز الهجمات ضد أهداف أمنية وعسكرية. كما كان ضباط الأمن والجيش، وخصوصاً من منتسبي جهاز الأمن السياسي (أحد فرعي الاستخبارات) من أبرز أهداف الاغتيالات.
كذلك تثار أسئلة أخرى عما إذا كانت الخلية هي صاحبة الإرادة الكاملة في ما قامت به من عمليات أم أنها أداة تُستغل بصورة غير مباشرة من جهات أخرى.
المعلومات التي قدمتها السلطات وقائمة المستهدفين تظهر تنوعاً، وتشير إلى احتمال وجود دوافع سياسية، ما يجعل "الخلية" وكأنها أداة تنفيذ لإرادات متعددة أو طرف أكبر.
ومن العمليات التي يمكن تفسيرها بأنها تحمل بعداً مرتبطاً بصراع ذي طابع ثأري أو مذهبي، استهداف محسوبين على جماعة "أنصار الله" الحوثيين، كعضو مؤتمر الحوار عن الجماعة، أحمد شرف الدين، وعضو شورى حزب الحق، اسماعيل الوزير.
في المقابل، تظل الاغتيالات للضباط على وجه التحديد غامضة يصعب تفسيرها. إذ لا يعرف لماذا هذه الأسماء بالذات مطلوب تصفيتها سواء كانت يمنية أو أجنبية على غرار اغتيال الخبير في الجيش العراقي السابق الذي كان يقيم في اليمن، اللواء خالد الهاشمي، الذي اغتيل في صنعاء في 2012. ويُستبعد أن يكون له صلة بعمل أمني ضد "القاعدة" يجعله هدفاً، فضلاً عن تنوع الأهداف الأجنبية والاختطافات من جنسيات متعددة.
خلايا أخرى
تظهر المعلومات التي كشفتها السلطات أن خلايا أخرى لا تزال تعمل في صنعاء، فحادثة اغتيال الملحق العسكري السعودي في صنعاء، خالد العنزي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وأبرز هجمات "القاعدة" باستهداف مجمع وزارة الدفاع في ديسمبر/ كانون الأول 2013، واغتيال القيادي المحسوب على الحوثيين، عبد الكريم جدبان، والعديد من الاغتيالات الأخرى ليست ضمن العمليات التي اتُهمت بها هذه الخلية في بيان اللجنة الأمنية الأخير.