تدور معارك كرّ وفر في جنوب مدينة حلب السورية، بين قوات النظام وحلفائه كحزب الله من جهة، وبين قوات من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة أخرى، للسيطرة على مدينة خناصر والمنطقة المحيطة بها، والتي خرجت من قبضة قوات النظام منذ أيام، للمرة الأولى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2013.
تواردت أنباء عن استعادة قوات النظام وحلفائه للمدينة بعد أيام من طردها منها، وقيام التنظيم بقطع الطريق الواصل البري الذي يمرّ بها، آتياً من بلدة أثريا في ريف حماة الشرقي إلى حلب، التي لا يزال النظام يسيطر على العديد من أحيائها الغربية.
تفيد مصادر إعلامية بأن علي فياض (اسمه الحركي علاء البوسنة) قائد القوات الخاصة بحزب الله، لقي مصرعه في محيط قرية حمام، بالقرب من خناصر، مع ثلاثة من عناصر الحزب، كما قتل عدد من قادة وعشرات من عناصر المسلّحين الموالين للنظام. ما يؤكد الأهمية العسكرية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة لقوات النظام وحلفائه، بفعل تدخّل الطيران الروسي "بشكل وحشي"، وفقاً لناشطين، إثر كل محاولة من التنظيم لانتزاع السيطرة عليها. وقد كثّف، الطيران الروسي، أمس الاثنين، من غاراته على قرى محيطة بخناصر، منها: العضامي، والحمام، والمغارة، والقليعة، وأم ميال، وسرداح.
يُذكر أن مدينة خناصر، التي يشكل الشركس نسبة كبيرة من سكانها، تقع إلى الجنوب من مدينة حلب، بنحو 60 كيلومتراً، على الطريق الذي يصل الأخيرة بمدينة سلمية، شرقي حماة، التي تُعدّ أهم معاقل قوات النظام على أطراف البادية السورية. يُعتبر هذا الطريق، الشريان البري الأهم والوحيد الذي يربط النظام بالشمال السوري.
تبرز أهمية خناصر من كونها عقدة وصل بين العديد من المناطق الهامة في وسط سورية، ويشير الصحافي مرشد النايف، إلى أن "الطرف الذي يفرض سيطرته عليها يصبح بإمكانه أن يتوسع في اتجاهين: الأول باتجاه ريف إدلب، والثاني باتجاه منطقة السفيرة الاستراتيجية جنوب شرق حلب، وريف حلب الشرقي عموماً".
اقرأ أيضاً سورية: النظام يستبق الهدنة بتصعيد عسكري واستهداف المدنيين
يلفت النايف في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "خناصر الواقعة في الطرف الشرقي لجبل الحص، وتُعدّ من أفقر المناطق في سورية، تُمثل الشريان الوحيد لنظام (الرئيس بشار) الأسد باتجاه قواته المتمركزة في حلب، ولا سيما بإمدادات المحروقات، إذ لا يتمتع نظام الأسد بإمدادات كافية في منطقة حلب، ما يجعل من فقدانه السيطرة عليها خسارة كبيرة ذات مغزى عسكري، ومعنوي".
من جهته، يؤكد النقيب أمين أحمد ملحيس، المتحدث باسم "جيش المجاهدين" في حلب، أن "السبب الرئيسي وراء الصراع الدائر بين النظام وبين داعش على منطقة خناصر، يعود لوجود بترول فيها". يضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لا شك أن للمنطقة أهمية استراتيجية، كونها تقع على الطريق المؤدي إلى حلب، ولكن أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لطرفي الصراع (النظام وداعش) ينبع من وجود حقل بترول فيه سبع آبار كانت تستثمره شركات روسية".
يشير ملحيس إلى أن "النظام كان يعتبر هذا الحقل احتياطياً، ولكن بعد خسارته للمنطقة الشرقية من سورية الغنية بالبترول، بدأ بتأهيل حقل خناصر للاستفادة منه". يتوقع ملحيس أن "تحسم قوات النظام المعركة لصالحها، ولكن بعد وقت، وخسائر كبيرة في الأرواح والعتاد".
مع العلم أن المعارك الدائرة في خناصر، والقصف المتواصل من الطيران، أديا إلى نزوح غالبية أهل المنطقة باتجاهات مختلفة، ويكشف الرائد موسى الخالد، وهو من قيادات الفرقة 13 التابعة للجيش السوري الحر الفاعلة في ريف حلب، أن "قوات النظام أزالت عدة قرى في محيط المدينة"، موضحاً في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "قوات النظام وحلفائها تستميت في السيطرة وتأمين المنطقة كونها خط الإمداد الأخير لها في داخل حلب".
وفقاً للخالد، فإن "داعش يحاول تلميع صورته أمام عناصره، إثر انسحابه أخيراً من عشرات القرى لصالح قوات النظام، شرق حلب". يلفت إلى أنه "كان بإمكان الجيش السوري الحر استغلال الصراع الدائر بين عدوين، لولا سريان وقف إطلاق النار".
من جهته، يذهب العقيد عبد الباسط سعد الدين، إلى القول إن "ما يجري من معارك جنوب حلب بين قوات النظام، وداعش، هو مجرد تمثيلية متفق عليها بينهما". يتابع في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الغاية الأساسية من وراء ما يجري، هو تسليم التنظيم المزيد من الأسلحة، وكي يظهر النظام أمام المجتمع الدولي على أنه يحارب الإرهاب، في محاولة منه لتخفيف الضغط عليه، وتحقيق مكاسب سياسية من خلال المفاوضات المرتقبة تنجيه من السقوط".
كما يرى مراقبون، أن المعارك التي تدور جنوب حلب فصل آخر من فصول الصراع المرير للسيطرة على حلب وأريافها، إذ تدرك جميع الأطراف المتصارعة أن هذه المدينة ترسم مستقبل سورية، فهي تُعدّ مركز الثقل الاقتصادي والبشري، ومن يفرض إرادته عليها، يحسم إلى حدٍّ بعيدٍ الموقف السياسي والعسكري لصالحه.
اقرأ أيضاً: الشمال السوري بعد تطورات خناصر بحسابات الهدنة