خيارات السلطة الفلسطينية أمام "صفقة ترامب"... قديم يعاد

27 فبراير 2018
لا تبدو السلطة معنية بحالة مواجهة شعبية(توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -


تقف السلطة الفلسطينية اليوم أمام خيارات صعبة للغاية بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، والعمل على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، بما لذلك من تداعيات ومآلات على مسار القضية الفلسطينية، فيما تبدو السلطة في موقف حرج، فإما الدخول في مواجهة مع واشنطن والاستعداد لمزيد من التضييق على كافة المستويات، أو القبول بما فرضته الإدارة الأميركية مقابل إبقاء الوضع كما هو عليه، وإزاحة قضية القدس من أي مفاوضات مقبلة.

خطوة الإدارة الأميركية حول القدس ليست فقط تطوراً خطيراً من قِبل إدارة يمينية مناصرة لإسرائيل، بل إن قرار ترامب عارض، وإن نظرياً، اتفاقاً في المجتمع الدولي على خيارات حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يتضمن رفض الاستيطان ورفض ضم القدس أو تغيير أوضاعها ودعم حل الدولتين، وهو بذلك يقف أيضاً ضد خيار ومنهج التسوية، الذي تلوّح السلطة من خلاله بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو المطلب الذي لا تنفك تُعرّف وجودها وخياراتها من خلاله.
وحتى لو تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة أي قرار جديد مناهض لقرار ترامب، فإن هناك إجماعاً بين مراقبين على أن القرار الأميركي يستدعي ضرورة التفكير بجدوى التعويل الأحادي على الدبلوماسية والقانون الدولي، في ظل انتهاكات متواصلة له، ومن دون اهتمام من اليمين الإسرائيلي مدعوماً باليمين الأميركي.

في غضون ذلك، يظل السؤال عن خيارات السلطة الفلسطينية ضرورياً، حتى وإن بدا الأمل بجدية هذه الخيارات في الشارع الفلسطيني باهتاً. وفي هذا السياق، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن القيادة قررت الذهاب إلى الأمم المتحدة وطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في مجلس الأمن، على الرغم من وجود احتمالية كبيرة لأن تصوت الولايات المتحدة بحق النقض على أي من تلك القرارات.

أما رئيس اللجنة السياسية في المجلس الثوري لحركة "فتح"، أحمد صبح، فأشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأدوات الدبلوماسية ليست الخيار الوحيد بل هي الأكثر وضوحاً، مؤكداً أن الخيار الأول هو الرفض الشعبي المطلق، على حد تعبيره. ورأى صبح أن الدول العربية لا يمكنها أن تنحاز إلى الموقف الأميركي على حساب قضية القدس مهما قيل، مشيراً إلى أن التعويل الحقيقي ليس فقط على المواقف الرسمية العربية بل على الالتفاف الشعبي في الشارع العربي المنحاز للمنظومة الدولية والأخلاقية. ودعا الدول العربية إلى تبنّي مواقف لمواجهة القرار الأميركي، من أجل تشجيع الدول الأجنبية التي تمارس الولايات المتحدة الأميركية عليها ضغوطاً لثنيها عن الانحياز للحق الفلسطيني، باتخاذ قرارات واضحة وجريئة في هذا الجانب.

وعن مدى واقعية التعويل على تطبيق القرارات الدولية، اعتبر صبح أن القرارات الدولية ليست مجرد حبر على ورق، ويتجلى ذلك في الرفض الإسرائيلي لهذه القرارات وبحثها عن دول صغيرة لتأييد موقفها، معتبراً أن هذه القرارات تشكل مخزوناً يمكن أن يُبنى عليه مستقبلاً، إضافة إلى أن هذه المواقف يمكنها أن تعزل إسرائيل عن العالم. وأضاف أن تجاوز وانتهاك إسرائيل للقرارات الدولية يشكل ضغطاً هائلاً عليها، فيما لا يمكن أن يتم تجاوز هذه المنظمات بدعوى أن قراراتها غير فاعلة في حالة الاحتلال الإسرائيلي، كون الخيار الدبلوماسي والسياسي في المحافل الدولية سيؤدي في نهاية الأمر إلى عزل إسرائيل. واعتبر أن وجود مخزون من القرارات الدولية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، سيشجع دول العالم على اتخاذ قرارات مثل منع المستوطنين من الدخول إلى أراضيها.


في المقابل، رأى نائب الأمين العام لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، قيس عبد الكريم، أن الخطوات الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، بما فيها قضية القدس واللاجئين، تستدعي رداً نوعياً، ينهي مرحلة أوسلو ويفتح الطريق أمام استراتيجية جديدة للنضال الوطني الفلسطيني، تقوم على أساس تطوير المقاومة الشعبية إلى انتفاضة شاملة، بالتوازي مع مواصلة العمل الدولي من أجل محاصرة الموقف الأميركي والتأكيد على شرعية القرارات الدولية، وتحميل العالم مسؤوليته الأخلاقية والقانونية إزاء انتهاك إسرائيل للقانون الدولي.

وأشار عبد الكريم إلى أن قرارات مجلس الأمن الخاصة بالصراع العربي الاسرائيلي لم تجد طريقها للتنفيذ، لكن هذا لم يقلل من أهميتها السياسية والدولية كونها تشكل مؤشراً للمواقف التي يجب على دول العالم تبنّيها، وتُعدّ بمثابة تمهيد لتمكين المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته. ولفت إلى أن المجلس المركزي الفلسطيني أوعز بضرورة تقديم طلب إحالة رسمي وبشكل فوري للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك انضمام فلسطين للمنظمات الدولية على الرغم من تهديدات الولايات المتحدة بالانسحاب منها في حال انضمام فلسطين.

أما على الأرض، فلا يبدو أن الخيارات التي اتخذتها ولوّحت بها القيادة الفلسطينية في سبيل مواجهة قرار ترامب، ستصمد، فالحديث مثلاً عن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل نهائي يبدو غير ممكن لأسباب قد تؤدي إلى تفكيك الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وكذلك خيار الانفكاك عن الاحتلال لا يبدو أكثر قابلية من الخيار السابق، إذ إن إسرائيل تسيطر بشكل كامل على المعابر وهو ما يمنع إقامة اقتصاد فلسطيني غير معتمد على اقتصاد إسرائيل. غير أن أبو يوسف يؤكد أن الانفكاك ممكن ولكن بشكل تدريجي خصوصاً في الجانب الاقتصادي.

كل ذلك يأتي في ظل ما عرف بـ"صفقة القرن"، إذ صرح ترامب في غير مرة بأن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل جاء ليُخرج قضية القدس من ملفات التسوية ومن أي مفاوضات مقبلة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وهو ما تبعه تهديد واشنطن بقطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" الأونروا"، ما أعطى مؤشراً على أن المرحلة المقبلة ستتركز على إزاحة ترامب لقضية اللاجئين أيضاً وتحييدها عن عملية المفاوضات، بحسب كثير من المحللين.
إجمالاً، يبدو أن الخيارات أمام القيادة الفلسطينية لمواجهة قرار ترامب، محدودة بشكل كبير، بل يمكن القول إنها تعوّل فقط على الجهود الدبلوماسية والقانون الدولي في سبيل منع أي تغيير على أرض الواقع، فيما لا تبدو السلطة الفلسطينية معنية بإيجاد حالة مواجهة شعبية شاملة قد تضر بمكانتها، وتضعها أمام أسئلة صعبة لا يمكن الإجابة عليها.