ارتبطت الخيمة لدى السوريين بتراجيديا التهجير والنزوح الذي طال لتكثر معه حكايات منازل وبلدات ومدن هُجّر أهلها وتحولت إلى مدينة أشباح بعدما أخليت من سكانها قسراً، كما حدث في مدينة معرة النعمان في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب شمال غربي سورية.
وليس الحصول على خيمة أمراً سهلاً في الشمال السوري هذه الأيام، خصوصاً في ظل النقص والحاجة إليها في آن. من هنا، برز دور الحدادين، وبات ما يصنعونه بمثابة طوق نجاة للنازحين في العراء، ويخفف عنهم اضطرارهم إلى دفع مبالغ مالية كبيرة.
"نشكر الله إذا حصلنا في آخر النهار على ما يكفي لشراء ربطة خبز وطعام". هذا ما يقوله الحداد محمد حربي الذي يملك ورشة في ريف إدلب، حيث يطوّع الحديد ليكون خيمة تؤوي تحت سقفها عائلات كانت تعيش في العراء. يتحدث عن المهنة اليوم وما يعانيه من صعوبات. ويوضح لـ "العربي الجديد": "المواد الأولية نؤمنها بالموت الأحمر"، فقد ذهب تجار الحديد ببضاعتهم إلى مدينة الباب. نعمل على جمعها لتأمين احتياجات الناس، كما نبحث عن حديد مستعمل تعرض لقصف الطائرات أو القذائف، ونجلبه إلى الورشة ونطرقه ونطوعه لنصنع منه خيمة".
اقــرأ أيضاً
يضيف أن الأمر في غاية في الصعوبة بعدما ارتفع سعر المحروقات. وفي الورشة عمال عائلاتهم تحتاج إلى الأكل والشرب. "وأنا كربّ أسرة اليوم، بتّ مسؤولاً عن أكثر من مائة شخص. في الوقت نفسه، أنا نازح وأنام في المكان الذي أعمل فيه. بعض الأشخاص يقصدوننا ويقولون إنهم لا يملكون ثمن الطعام، فكيف سيشترون خيمة؟ هنا لا نملك إلا تقديم المساعدة".
وعن العمل اليومي في مهنة الحدادة، يقول حربي: "نبدأ عملنا في الساعة الثامنة صباحاً في ذات المكان الذي ننام فيه، وهو مفتوح ليلاً نهاراً. أنا نازح وجميع العمال نازحين. أما عائلاتنا، فتتوزع بين عفرين والأتارب وكفركرمين. نحن ثمانية أشخاص نعمل في الورشة، وكل واحد منا لديه عائلة وأطفال وبيت مسؤول عنه. بالتالي، نحن مسؤولون عن نحو مائة شخص. عائلتي وحدها مكونة من 10 أشخاص، وبعض الأطفال مصابون. الورشة تجمع نازحين من كافة المناطق من حمص وحماه وإدلب وحلب. لا أعرف كيف اجتمعنا في هذه الورشة. غالبية الناس فقراء. وفي معظم الأحيان، نقدم خدماتنا برأس المال كون أوضاع الناس صعبة جداً".
يضيف حربي: "في بعض الأحيان، أتمنى أن تكون ورشتي أكبر مما هي عليه بـ 50 ضعفاً، وتؤمن عملاً لخمسين عائلة وحتى ألف عائلة، وعائلتي مثل بقية العائلات". أما عن المشاكل التي يواجهها الحداد، يوضح أنه "تواجهنا مشاكل في التعامل مع المنظمات، فهم يحاولون استغلالنا وهذه مشكلة كبيرة وقعنا فيها هنا. لذلك أرفض العمل معهم".
من جهته، يتحدث علاء قشيط، وهو حداد، لـ "العربي الجديد"، عن صعوبات المهنة في الوقت الحالي وكيفية التوفيق بين المكاسب الشخصية ومأساة النازحين. يقول: "الأحوال المادية صعبة، واضطررت إلى مشاركة الورشة مع شخصين أحدهما شقيقي. وفي أحد الأيام، جاء شخص إلى الورشة، وجرى حديث بيني وبينه، قال فيه إن الخيمة التي تصل إلى النازحين كمساعدات تباع بنحو 180 دولاراً. كان الله بعون النازحين الذين يشترونها، لأن نسبة الفقر بين النازحين كبيرة. علقت كلماته في رأسي، فأخبرت شريكي على الفور وأخبرتهم أن الخيمة تباع بـ 180 دولاراً علماً أنها رديئة جداً، وقدمت لهم عرضاً، وهو أن نصنع خياماً حديدية مع شوادر. فإذا قصدنا أحد النازحين وكان بحالة سيئة وبلا مأوى، سيجد خيمة كاملة وليس فقط الهيكل الحديدي. والنازح الذي يستطيع الحصول على هيكل حديدي يحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أيام لتفصيل شادر جاهز لها. وبالفعل، صنعت الخيمة الأولى بأبعاد أربعة وستة أمتار، واتفقت مع أحد صانعي الشوادر على تأمين معدات له ليصنع لي شادراً لها، وكان الفرق كبيراً جداً بين ما صنعته وبين الخيام المتوفرة في السوق. بعت خيمتي بنحو 105 دولارات بينما تباع الخيمة في السوق بنحو 180 دولاراً، والخيمة التي صنعتها أفضل وأكثر متانة. نشرت عبر فيسبوك أنه لدي خيام متوفرة بهذا السعر، وأصبحت أعمل بربح قليل بهدف تأمين مأوى للنازحين".
اقــرأ أيضاً
ويشعر قشيط بالحزن حين يقصده نازح كبير في العمر، قائلاً: "عندما يقصدني أحد النازحين الكبار في السن، ويبكي أمام الورشة لأنه يريد خيمة ولا يملك المال، يطلب مني مراعاته فأعطيه إياها بربح لا يذكر. بعت نحو 30 خيمة بأقل من كلفتها". يضيف: "أعود إلى البيت بصوت مبحوح وتعب شديد، علماً أن في ساقي قضبان معدنية بسبب إصابة سابقة من جراء قصف الطيران. أصبت أنا وأخي وأجد صعوبة كبيرة في الاستحمام بسبب التعب، وأواسي نفسي بأن ما أفعله خير لي".
إلى ذلك، يكشف مصدر محلي في إدلب أن ما يدفع النازحين للبحث عن خيام ذات كلفة أرخص نسبياً، هو أن خيام المنظمات باتت تباع بـ 180 دولارا أو أكثر، في إشارة إلى شكوك بالفساد في عملية توزيع هذه الخيام والاستغلال من قبل بعض الأطراف.
وليس الحصول على خيمة أمراً سهلاً في الشمال السوري هذه الأيام، خصوصاً في ظل النقص والحاجة إليها في آن. من هنا، برز دور الحدادين، وبات ما يصنعونه بمثابة طوق نجاة للنازحين في العراء، ويخفف عنهم اضطرارهم إلى دفع مبالغ مالية كبيرة.
"نشكر الله إذا حصلنا في آخر النهار على ما يكفي لشراء ربطة خبز وطعام". هذا ما يقوله الحداد محمد حربي الذي يملك ورشة في ريف إدلب، حيث يطوّع الحديد ليكون خيمة تؤوي تحت سقفها عائلات كانت تعيش في العراء. يتحدث عن المهنة اليوم وما يعانيه من صعوبات. ويوضح لـ "العربي الجديد": "المواد الأولية نؤمنها بالموت الأحمر"، فقد ذهب تجار الحديد ببضاعتهم إلى مدينة الباب. نعمل على جمعها لتأمين احتياجات الناس، كما نبحث عن حديد مستعمل تعرض لقصف الطائرات أو القذائف، ونجلبه إلى الورشة ونطرقه ونطوعه لنصنع منه خيمة".
يضيف أن الأمر في غاية في الصعوبة بعدما ارتفع سعر المحروقات. وفي الورشة عمال عائلاتهم تحتاج إلى الأكل والشرب. "وأنا كربّ أسرة اليوم، بتّ مسؤولاً عن أكثر من مائة شخص. في الوقت نفسه، أنا نازح وأنام في المكان الذي أعمل فيه. بعض الأشخاص يقصدوننا ويقولون إنهم لا يملكون ثمن الطعام، فكيف سيشترون خيمة؟ هنا لا نملك إلا تقديم المساعدة".
وعن العمل اليومي في مهنة الحدادة، يقول حربي: "نبدأ عملنا في الساعة الثامنة صباحاً في ذات المكان الذي ننام فيه، وهو مفتوح ليلاً نهاراً. أنا نازح وجميع العمال نازحين. أما عائلاتنا، فتتوزع بين عفرين والأتارب وكفركرمين. نحن ثمانية أشخاص نعمل في الورشة، وكل واحد منا لديه عائلة وأطفال وبيت مسؤول عنه. بالتالي، نحن مسؤولون عن نحو مائة شخص. عائلتي وحدها مكونة من 10 أشخاص، وبعض الأطفال مصابون. الورشة تجمع نازحين من كافة المناطق من حمص وحماه وإدلب وحلب. لا أعرف كيف اجتمعنا في هذه الورشة. غالبية الناس فقراء. وفي معظم الأحيان، نقدم خدماتنا برأس المال كون أوضاع الناس صعبة جداً".
يضيف حربي: "في بعض الأحيان، أتمنى أن تكون ورشتي أكبر مما هي عليه بـ 50 ضعفاً، وتؤمن عملاً لخمسين عائلة وحتى ألف عائلة، وعائلتي مثل بقية العائلات". أما عن المشاكل التي يواجهها الحداد، يوضح أنه "تواجهنا مشاكل في التعامل مع المنظمات، فهم يحاولون استغلالنا وهذه مشكلة كبيرة وقعنا فيها هنا. لذلك أرفض العمل معهم".
من جهته، يتحدث علاء قشيط، وهو حداد، لـ "العربي الجديد"، عن صعوبات المهنة في الوقت الحالي وكيفية التوفيق بين المكاسب الشخصية ومأساة النازحين. يقول: "الأحوال المادية صعبة، واضطررت إلى مشاركة الورشة مع شخصين أحدهما شقيقي. وفي أحد الأيام، جاء شخص إلى الورشة، وجرى حديث بيني وبينه، قال فيه إن الخيمة التي تصل إلى النازحين كمساعدات تباع بنحو 180 دولاراً. كان الله بعون النازحين الذين يشترونها، لأن نسبة الفقر بين النازحين كبيرة. علقت كلماته في رأسي، فأخبرت شريكي على الفور وأخبرتهم أن الخيمة تباع بـ 180 دولاراً علماً أنها رديئة جداً، وقدمت لهم عرضاً، وهو أن نصنع خياماً حديدية مع شوادر. فإذا قصدنا أحد النازحين وكان بحالة سيئة وبلا مأوى، سيجد خيمة كاملة وليس فقط الهيكل الحديدي. والنازح الذي يستطيع الحصول على هيكل حديدي يحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أيام لتفصيل شادر جاهز لها. وبالفعل، صنعت الخيمة الأولى بأبعاد أربعة وستة أمتار، واتفقت مع أحد صانعي الشوادر على تأمين معدات له ليصنع لي شادراً لها، وكان الفرق كبيراً جداً بين ما صنعته وبين الخيام المتوفرة في السوق. بعت خيمتي بنحو 105 دولارات بينما تباع الخيمة في السوق بنحو 180 دولاراً، والخيمة التي صنعتها أفضل وأكثر متانة. نشرت عبر فيسبوك أنه لدي خيام متوفرة بهذا السعر، وأصبحت أعمل بربح قليل بهدف تأمين مأوى للنازحين".
ويشعر قشيط بالحزن حين يقصده نازح كبير في العمر، قائلاً: "عندما يقصدني أحد النازحين الكبار في السن، ويبكي أمام الورشة لأنه يريد خيمة ولا يملك المال، يطلب مني مراعاته فأعطيه إياها بربح لا يذكر. بعت نحو 30 خيمة بأقل من كلفتها". يضيف: "أعود إلى البيت بصوت مبحوح وتعب شديد، علماً أن في ساقي قضبان معدنية بسبب إصابة سابقة من جراء قصف الطيران. أصبت أنا وأخي وأجد صعوبة كبيرة في الاستحمام بسبب التعب، وأواسي نفسي بأن ما أفعله خير لي".
إلى ذلك، يكشف مصدر محلي في إدلب أن ما يدفع النازحين للبحث عن خيام ذات كلفة أرخص نسبياً، هو أن خيام المنظمات باتت تباع بـ 180 دولارا أو أكثر، في إشارة إلى شكوك بالفساد في عملية توزيع هذه الخيام والاستغلال من قبل بعض الأطراف.