داعش تُعدم الألوان أيضاً

21 سبتمبر 2014
أزياء مقاتلي داعش(تصميم أنس عوَض/العربي الجديد)
+ الخط -

ما قبل "داعش" ليس كما بعدها. فأخبارها التي تتناقل في كل مكان، جعلت من اسمها هاجساً يطارد الجميع. جرائمها ولّدت خوفاً من كلّ ما يمكن أن يشبهها، ومن كل لون أو إشارة ترمز إليها. بات استعمال الأبيض والأسود غير محبّب، وإطلاق الذقن صار تهمة. التدقيق في كلّ ما يتعلّق بـ "داعش" وأتباعها أصبح واجباً، وهذا ما بدا واضحاً في العديد من الأحداث في الفترة الأخيرة.
"isis: الآن مجموعة ألبسة داخليّة للنساء". خبر تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، منذ أسابيع قليلة. وانطلقت حملات واسعة احتجاجاً على المجموعة الجديدة لدار الأزياء البريطانية للألبسة الداخلية "آن سامرس" (Ann Summers). كان ذنب دار الأزياء مضاعفاً، الأوّل أنّها سمّت مجموعتها (isis) فشبّه لبعضهم أنّه اختصار لاسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو "Islamic State in Iraq and syria"، الذي يعرف أيضاً بـ"isil" في حال ترجمة كلمة الشام إلى Levant وليس Syria. ولكن غاب عن الجميع أنّ "إيزيس"، وقبل أن يكون اختصاراً لـ"داعش" هو اسم لآلهة القمر والأمومة لدى قدماء المصريين. ركّزوا فقط على "داعش" التي تهولهم وتسيطر عليهم، في ظاهرة عالمية تكاد تُسمّى "داعشفوبيا". أمّا الذنب الثاني، فيتعلّق بتوقيت إطلاق المجموعة، الذي صادف مرور أسبوع على قتل جيمس فولي، الصحافي البريطاني الأصل، على يد أعضاء الجماعة الداعشية، ما اعتبره البعض أمراً مستفزّاً.
الناطق باسم دار الأزياء شرح أن اختيار اسم المجموعة تمّ قبل إطلاقها بنصف سنة. ونفى أن يكون مستوحى من تنظيم الإرهاب العالمي، بل هو نسب للآلهة الفرعونية. طبعاً، خبر الملابس الداخليّة لم يكن الأوّل من نوعه. قبل هذه الحادثة بشهرين، انتشر على مواقع الإنترنت خبر آخر مشابه، يتناول إطلاق تنظيم الدولة الإسلامية سلسلة من المحال لبيع الأزياء "الداعشية".
دفع الخبرُ الصحافي جوزيف دانا إلى القيام برحلة بحث عن مصدر هذه الملابس. ونشر في موقع "سلايت" تقريراً عن رحلته. بعد بحثه الطويل في أزقّة المدن التركية، عثر دانا على متجر الثياب في إسطنبول. وفي لقاء مع صاحب المحّل، نفى الأخير أن يكون له أي ارتباط بتنظيم الدولة الإسلامية. وعن بيعه لهذه الأزياء تحديداً، يشرح أنّها ليست جديدة. قبل السيطرة على مدينة الموصل وإعلان الخلافة الإسلامية لم يكن مشهد القمصان ورباطات الرأس التي طبع عليها علم الراية الإسلامية وعبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ليلفت أنظار المارّة، ولم يسترع قطّ انتباه أيّ من السلطات المحلية والصحافيين الأجانب الذين يعملون في المنطقة. لكنّ الوضع الآن اختلف تماماً. بات صاحب المتجر يرى استهجان الصحافيين المحليين والأجانب، وقد بدأ ينزعج من أسئلتهم وشكوكهم حول بضائعه. ما يزعجه أكثر هو وصفهم لها بالـ"داعشيّة". بالنسبة إليه، الأمر أبسط بكثير مما يحاول البعض تصويره: "هذه الشعارات التي طبعت على البضائع هي شعارات الإسلام والمسلمين، فأين الخطأ في استعمالها. بعضهم يرى في الشعار صورة داعش والجهاد، بينما أنا أرى صورة الرسول محمد"، يقول صاحب المتجر.

وبينما تنصّلت دار الأزياء البريطانية والمحل التجاري في اسطنبول، من أي ربط بين داعش وبضائعهما، وجد بعضهم في فكرة "الثياب الداعشية" فرصة تجارية تزيد من أرباحه. هذا ما فعلته شركة تصميم الأزياء "Zirah Moslem" الأندونيسية، التي أطلقت تشكيلة أزياء تنوّعت بين أربطة للرأس وقبّعات وملابس للسيّدات والرجال. لكنّ الشركة لم تكتف فقط باستغلال اسم "داعش"، بل عمدت إلى الترويج لـ"الفكر الداعشي" عن طريق العبارات التي كانت تطبعها على بضائعها "أنا أحبّ الجهاد" و"مجاهدون حول العالم". الملفت في أمر أزياء "زيرا مسلم" أنّ تسويقها لا يقتصر فقط على "داعش"، فلـ "طالبان" و"جبهة النصرة" نصيب من بضائعها.
وهدف الشركة يتّضح أكثر في عبارة خُطّت على أحد القمصان: "لا مزيد من الديمقراطيّة". كما انتشرت أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأكواب زجاجية سوداء اللون، عليها عبارات "لا إله إلا الله محمد رسول الله" باللون الأبيض، أو العكس، أي الكوب بالأبيض والعبارة بالأسود، مع رسوم لعصابات الرأس التي يتميّز بها أتباع التنظيم. وإن تناول الكثيرون هذه الأكواب بسخرية إلا أنّ هذا التناول دليل نجاح التنظيم في اختراق كامل ليوميات الناس وفي إثبات أنه تنظيم متكامل، يفكّر في جميع التفاصيل حتى ألوان الأكواب ورسوماتها! بعيداً عن هذه المحاولات التي تستوحي تصاميم تتناسب مع انتشار "داعش" وأخبارها، هناك، حيث يوجد التنظيم فعلاً، لا حاجة للتصاميم. فالقوانين صارمة فيما يخصّ الملابس، وقائمة الممنوعات طويلة، ارتداء الثياب الملوّنة إحداها، فالألوان الزاهية عدو "داعش" الأوّل في عالم الأزياء. هي بالتأكيد ردّ فعل رافض للألوان الزاهية التي يتحلّى بها أعداء "الداعشيين"، أبرزهم الكرد والأيزديون، تحديداً النساء اللواتي يشتهرن بمناديلهن المزركشة وفساتينهن زاهية الألوان...

حوادث متكرّرة وردت من الموصل تحديداً ومن المناطق التي تسيطر "داعش" عليها، حول فرض النقاب، حتى على المحجّبات، سواء في تجوالهن أو حتى أثناء ممارسة أعمالهن. وقد وصلتنا حكاية الطبيبة العراقية السنيّة المحجّبة التي أجبرها "الداعشيون" على ارتداء النقاب أثناء عملها في أحد المستشفيات، فرفضت، ليس لأنّه يعيق قيامها بعملها ويقيّد حركتها فحسب، بل لأنّها اعتبرت هذا الفرض تدخلاً غير مبرّر في شؤونها الخاصة. انتهت الحكاية بطلقات نارية تلقّاها جسد الطبيبة في منزلها، بعد مهاجمة الداعشيين لها وتحقيقهم "قانونهم" بأسلحتهم. ما قاموا به من سلسلة أحداث مشابهة تجلى في إعدامٍ لأجل الزيّ وإعدام لأجل اللون. فإذا كان هناك من يعدمك بسبب لون ما تلبس، فماذا عساه يفعل في أمور أخرى؟

المساهمون