أخيرا أعلن وزير الداخلية السوداني عن التحاق 70 سودانيا من الجنسين بداعش، جلهم من الطلاب. من بين الملتحقين بداعش الشاب السوداني سعيد حامد (اسم مستعار)، عاد سعيد إلى السودان حديثاً، بعد أن قضى قرابة الستة أشهر في سورية، لكن فرحة عائلته بلقائه لم تكتمل، إذ تحفظت السلطات عليه، بعد أن مكث بين أهله ثلاثة أسابيع للعلاج من الإصابة التي لحقت بذراعه اليسرى خلال المعارك الدائرة في سورية.
ترفض والدة سعيد الحديث عن رحلة ابنها مع داعش، مكتفية بالقول لـ"العربي الجديد"، إن ابنها كان طالباً مثالياً يدرس في السنة الثانية في الجامعة، وأنها لم تلاحظ عليه أي ميول نحو التطرف التديني، لكنها فوجئت باتصاله بعد أسبوع من اختفائه يخبرها فيه أنه ذهب إلى أرض العراق والشام لإنشاء دولة الخلافة الإسلامية.
كان لافتاً تحفظ والدة سعيد، في الكشف عن تفاصيل رحلة ابنها مع داعش، لكن الأمر تكرر مع والدة الطالب خالد أحمد (اسم مستعار)، التي اكتفت بالقول "لقد ضاع مستقبل الولد"، وتعيش معظم الأسر السودانية، حالة من القلق والخوف خشية التحاق أبنائهم بالتنظيم المتطرف، وهو ما يفسره ناشطون حقوقيون بأن تلك الأسر تخشى من الإجراءات التي قد تتخذها السلطات ضدهم في حال أفصحوا عن معلومات تتعلق بوجود ابنهم مع تنظيم داعش.
اقرأ أيضا: أميركيون في "داعش"..8 عوامل تدفعهم للانضمام إلى تنظيم الدولة
دوافع التحاق السودانيين بداعش
تمتد خارطة دولة داعش، على ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا، تمثل جميعها إحدى عشرة ولاية، ويتبع جزء من السودان لمصر التي سميت بأرض الكنانة، بينما تم ضمّ الجزء الجنوبي منه للحبشة، وسمي بدامس، ويعتبر الأكاديمي والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، الدكتور حسن مكي، أن التحاق الطلاب أو المراهقين بداعش تحركه دوافع مثل الرغبة في استعادة أمجاد التاريخ الإسلامي في ظل الأحداث التي يشهدها العالم الإسلامي، وخاصة في مرحلة ما بعد احتلال العراق، وسيادة شعور الانهزام وتراجع الربيع العربي.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية محمد خليفة الصديق، أن الطلاب الذين التحقوا بالتظيمات الجهادية المتطرفة، وبينها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يعيشون في جزيرة منعزلة عن الواقع السوداني، كما يحملون ثقافات وأفكار تجعلهم عُرضة للتأثر بخطاب داعش المؤثر والقوي الذي يبث على الإنترنت، بحسب تصريحات له في صحيفة التيار السودانية.
ويرى العسكري الليبيي حسن السرتاوي، أن العديد من مقاتلي داعش في ليبيا، سودانيو الجنسية، ويقول لـ"العربي الجديد"، نجح التنظيم في تجنيدهم في السودان وإدخالهم عن طريق حدود البلاد المفتوحة من الجنوب، ويقوم التنظيم بدفع مبالغ مالية كبيرة لمجنديه، تصل إلى 1500 ديناير ليبي (قرابة 500 دولار) وهو ما يجذب العديد من الشباب للتنظيم.
كتابات مؤيدة لداعش في أحد شوارع العاصمة السودانية (العربي الجديد) |
اقرأ أيضا: ليبيا.. 10 أسباب تدفع الشباب للانضمام إلى داعش
اختفاء بلا أثر
لم يترك الطلاب السودانيون، المنضمون إلى داعش، ما يدل على مكان وجودهم، ولم يشذ عن هذه القاعده أحمد محمود (اسم مستعار)، الطالب في السنة الثالثة بكلية الطب، والذي روى والده لـ"العربي الجديد"، تفاصيل اختفاء ابنه الذي سافر بتاريخ الأول من أبريل/نيسان 2015، في قافلة طبية الى إحدى ولايات السودان، لكنه ومنذ لك الحين لم يعد حتى الآن، وبعد مرور نحو ثلاثة أشهر تلقت الأسرة اتصالاً هاتفياً من مجهول أبلغهم في كلمات مقتضبة أن ابنهم في ليبيا، وأنه التحق بتنظيم داعش.
في يونيو/حزيران الماضي، نعى تنظيم داعش، سوداني يُكنى بأبو الفداء السوداني، قيل إنه قتل في الرقة. كما نعى نجل أحد أبناء الداعية السلفي السوداني أبو زيد، ويدعى عبد الإله، توفي متأثراً بإصابته نتيجة تفجير في منطقة سرت الليبية، التي يسيطر عليها تنظيم داعش.
اقرأ أيضا: صراع القاعدة وداعش في موريتانيا.. لمن البيعة؟
كيف تواجه الحكومة السودانية داعش؟
نشطت الحكومة السودانية، في محاربة داعش، عبر تبني المراجعات الفكرية التي تبناها مجمع الفقه الإسلامي، كما يقول القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، أمين حسن عمر، مضيفا أن الحكومة تحارب دعوات التعصب والتحريض على العنف، فكريا وشعبيا، وأنه يجب دراسة أسباب ظاهرة تفشي الغلو في أوساط الشباب السوداني ومعالجتها بمراجعة المناهج التعليمية والإعلامية وسائر وسائط التنشئة الاجتماعية والفكرية.
ويرى أمين في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد"، أن السودانيين لا يزالون من أقل المنضمين إلى داعش، وأن الشباب الذين التحقوا بالتنظيم متأثرين بأفكار وافدة من خارج السودان، وليس لها وجود محلي، لكنه عاد ليقول إنه "ليس هناك بلد معصوم من اتجاهات التشدد والغلو".
تعمل السلطات السودانية على مراقبة حركة المغادرين للبلاد، كما قامت بالتنسيق مع الحكومة التركية لمراقبة الوافدين إليها من الأراضي السودانية، فيما قامت مؤخرا بتوقيف عدد من مشايخ التيار السلفي الجهادي المتشدد والمؤيد لفكر داعش، في مسعى منها لتحجيم تأثيرهم على الشباب والطلاب. من بينهم الشيخ مساعد السديرة وعدد من تلاميذه، وأيضاً الشيخ عمر عبد الخالق، رئيس جماعة الإعتصام بالكتاب والسنة، وقبل يوم واحد من عيد الأضحى الماضي، أطلقت السلطات سراح الشيخ محمد علي الجزولي، المتهم بتأييد "داعش" بعد أن قضى في المعتقل ثلاثة أشهر. وهو الاعتقال الثاني له، حيث كانت السلطات قد أعادت اعتقاله في يونيو الماضي بعد أربعة أيام فقط من إطلاق سراحه، لكن هذه الإجراءات لن تعيد ابن الخمسيني السوداني حامد، الذي نعى ابنه إلى جيرانه بمجرد علمه بانضمام ابنه إلى داعش في سرت الليبية.