داعش.. من الجانِب الآخر للمرآة (2/2)
يحتلُّ تنظيم الدولة الإسلامية الخشبة الرئيسة في قلب مسرحِ العبَث هذا، ويستحوِذ على كلِّ اهتمامنا، وكأنّه المشكلة الأهمَّ التي يتوجَّب حلُّها، وليس فَضالةَ المشكلات الأخرى العالِقة. وتُخفي التفسيراتُ التقليديّة لتصاعُدِ العنف التفاعُلاتِ الكامنةَ في المنطقة، والتي تمَّ تشخيصُها في بدايات الثورات العربية عام 2011. نَذكُر من هذه التفسيرات الطائفيّةَ، والهوّةَ بين العلمانيين والإسلاميين، والتنافسَ الاستراتيجيَّ بين إيران والمملكة العربية السعودية، وهمجيّةَ التأويل العدَمي للإسلام (ثقافة مرضية معرَّفٌ عنها ضمنيّاً على أنها سنِّيَّة، فيما الفصائلَ الشيعيّة والعلمانية ترتكِبُ جرائم همجيَّة كثيرة).
لا بدَّ من ذكرِ الصراعِ على تعريفِ الشرعيّةِ السياسية من جملة المشكلات الجوهريّة، وكذلك غيابِ النماذجِ الإيديولوجيّة الكبرى (تمَّ تبديلُها، في أحسنِ الحالات، بحنينٍ إلى عصرٍ ذهبيٍّ، يتعذَّرُ الوصول إليه، أو بطوباويّات ألفيّة)، وانسحابِ الدوْلة وبروزِ الحراكات الاجتماعية، لا سيَّما الإسلاميّة منها، والتي ملأت الفراغ. لا بدَّ من ذكرِ تغَيُّرِ المدُن بسبب تبدُّل الحالِ الاجتماعي والجغرافي، وتقوُّضِ الهوّة التربوية والمادِّيَّة بين الأغنياء والفقراء، وثورةِ المعلومات وإعادةِ صِياغةِ الهويّات الفرديَّةِ والجَماعيّة وعبر الوطنيَّة، فانهيارُ "النظام الإقليمي" مرتبطٌ جدَليّاً بانهيارِ رديفِه العالمي، مما يؤدّي إلى زيادةٍ في الإرباكِ، وتصعيدٍ في العنف، بدلاً من التحفُّظ والتنظيم.
ليسَت هذه المشكلات في معظمها جديدةً على الشرق الأوسط، فالقولُ إن المنطقةَ تُغلقُ فَصلاً أصحُّ من القولِ إنها تَفتحُ فَصلاً جديدا. تكوَّنت فترة القرنِ العشرين في العالم العربي من تجاربَ تعيسةٍ، ومشكلات مُتراكمة، وحلولٍ مُجهَضةٍ، وكان الجوابُ عليها مزيداً من الانكِفاء. كان همُّ الغربِ الأساسيِّ والدائم في المنطقةِ تقويضَ نفوذِ الاتحاد السوفييتي، و(التطرُّفِ العروبي)، الإسلامِ السياسي، سنِّيّاً كان أم شيعيّاً، والعراق وإيران، و"محورِ المقاومة"، إلخ. تَواكبَ ذلك مع سلسلةٍ من أنصافِ انتِصارات عسكريّة (أزمة السويس عام 1956، حرب أكتوبر عام 1973، مقاومة حزب الله في وجه إسرائيل عام 2006) وهزائمَ صادمة (بُعيْد الحرب العالمية الأولى عام 1918، الصراع العربي – الإسرائيلي عام 1948، حرب الأيّام الستّة عام 1967، حرب الخليج عام 1991، واجتياح العراق عامَي 1991 و2003). فأدّى ذلك إلى تَعميمِ حالةٍ من الشكِّ في الذات وأزمةِ هويّة متعدِّدة الجوانِب.
فراغٌ في القياداتِ العربيّة
زادت ثورات 2011 من تفاقمِ المشكلات. كشفَت فشلَ النُخب في المباشرةِ، على الأقل، بالإجابةِ على هذه الرهانات، علمانيةً كانت هذه النخب أم إسلاميّة، أو دينيّة، أو ذوات قواعد أقلَّوِيَّة أو قبليّة، أو ذوات ميولٍ أمنيّة. أمّا العناصرُ المجتمعيّة التي رُحِّب بها على أنَّها حاملة مشاريعَ بديلةٍ، كالنخَبِ الجديدة في أوساطِ رجال الأعمال، فتبيّن أنها مُستسلمةٌ لواقعِ الأمر ومعتادةٌ على التفاوضِ مع أنظمةٍ فاسدةٍ وفاشلة. وبدلاً من الضغطِ على الأنظمةِ باتِّجاهِ التغيير، فضّلَت هذه النخبُ الطاعةَ وربطَ مصيرِها بأيّة جهةٍ تؤمِّن لها ولوْ قليلاً من الاستقرار. وبات الفنّانون والفاعِلون الاجتِماعِيّون الفئة "النخبويّة" الوَحيدة التي تَمتلِك خطاباً تقدِّمه، إلّا أن هذه الفئة تَنتمي إلى جيلٍ أصغرَ، لا تأثيرَ له على مجرى الأحداث.
في المقابل، حاولت الزعاماتُ التقليديّة الأكثر رسوخاً إعادةَ تأكيدِ سُلطتِها، وذلك من دون جدوى. ويشكلُ النظامُ المصري تحتَ سلطةِ عبد الفتاح السيسي خيرَ مثالٍ على نموذجٍ استغلّت فيه نخبُ العهد القديم كلَّ أخطاءِ النخبِ الناشئة لتعودَ بقوّة، من دون أن تصحِّحَ أيّاً من أخْطائها. نُلاحِظُ هذا التفاعُل في الدولِ التي هي في مرحلةٍ انتقالية، كما نجده على الصعيدِ الإقليمي، إذ إنّ الأنظمةَ التي تفادَت أيّ صراعٍ جدِّيٍّ تذرَّعَت بمآسي جيرانها، لتبرِّر جمودَها. ويتوجَّب على مؤسَّسات دينيّة، كالأزهر في القاهرة، وعلى المرجعيّة الشيعيّة في النجف، وعلى عُلماء الفِقْهِ في سورية أن يبادروا لبسطِ سلطتِهم المعنويّة، قبلَ أن يتركوا الساحة لمواجهات كارثيّة بين أشكالٍ مُختلفةٍ من الهِستيريا العلمانيّة أو الدينيّة.
حراكات سياسيّةٌ بلا مشاريعَ مُحدَّدة
أتَتْ انتِفاضات 2011 بتغييرَيْن جذريَّيْن. أوَّلُهما الظهورُ غيرُ المسبوق للفضاء العام. فالاستعمالُ المسيَّس للشبكات الاجتماعيّة فسَحَ مجالَ التعبير أمامَ شريحةٍ واسعةٍ من الناس، كانوا يستهلِكون الأخبارَ بشراهة، وكانت آراؤهم محصورةً في الدوائرِ الخاصَّة. ثانيهما الانتقالُ من بنى تراتبيّة إلى أنْماطِ تنظيمٍ أقلَّ شكليّة، وذلك من القاعدةِ إلى رأسِ الهرم. لا تمثِّلُ الحِراكاتُ السياسيَّةُ الجديدةُ أيديولوجيّةً ما، بل تعبِّر، وتصل إلى حدِّ تجسيد عن شعورٍ أشبهَ بروحِ العصر. وترتوي هذه الحراكات من إحباطاتٍ وأوهامَ ومخاوفَ مُتَنَوِّعةٍ، وتَبْني تأثيرَها على هذا الأساس، عِوضاً عن البدء برؤية واضحةٍ وتطوير الأطر اللازمة لتنفيذها، قبلَ النضال من أجلِ أخذِ السلطة، والمباشرة بتغيير المُجتمع بمشروعِ حقيقيّ.
وتَستخدم هذه الحركات حاجةَ شعوبِها للأمنِ النسبي، ولصياغةِ إطارٍ مفهومٍ لمراجعَ سياسيةِ وثقافيّة، سهلةِ التصوَّر، حيثُ تُفتقَد الثقةُ بالدولة. تخدمُ مصالحَ ملموسةً في إطارِ سيرورةٍ مستمرّةٍ من اللامركزية، تصبحُ فيها السلطةُ، لا سيَّما سلطةُ الدولةِ، أكثرَ توزعاً. تفرض نفسها بحكم أفضليّة نسبيَّة في فترة يَضعفُ فيها أداءُ الفاعلين الآخرين، وتحدِّد بذلك الحدّ الأدنى من المعايير المنتظرة من المجتمعات. وتدخلُ هذه الحراكات في منافسةٍ مع الروايات المُتباكِية على نفسها، وهذا سرُّ جاذبيَّتِها.
يشكِّلُ تنظيمُ الدولةِ الإسلاميّة أفضلَ مِثال عن هذا الاتِّجاه، لكنّه ليس الوحيد. ففي العراق، هناك بين الشيعة من يلعبُ الدورَ نفسَه، وينضمُّ إليهم جزءٌ من الفاعلين التقليديين. وخلفَ غطاءِ التماسُكِ الذي يقدِّمه بشار الأسد، يتداعى النظامُ ويتطرّف، في الوقت الذي تبرز فيه المليشيات. وهذا صحيحٌ في ما يخصُّ المعارضة السوريّة، فقد فشلَت كل الأطراف في بناء رؤيةٍ تتجاوزُ الزخمَ العاطفي للناخبين الذين من المفترض أن تمثِّلَهم. أمّا حزب الله، فقد نقلَ هدفَه من مُحاربةِ إسرائيلَ إلى مُحاربةِ مسلمين آخرين، مُوسِّعاً قاعدةَ تَجنيدِه، وبات صيتُه مهدَّداً كحزبٍ مقاومٍ مُتمكِّن من الناحيةِ الإيديولوجيّة، مِهنيٍّ وغيرِ مُتعصِّب. كذلك تعود الفصائل الكرديّة التي كانت قد تبنَّت سياسةً ونمطَ إدارةٍ، إلى تعريف عسكريٍّ عن نفسِها، وهذا اتجاه يحظى بموافقة الشعب، ويُلهي هذا الأخير عن نواقص الفصائل العديدة.
تَراتُباتٌ أخلاقيّة اعتِباطِيّة
وفي الوقت الذي يتَّجِهُ فيه الشرق الأوسط نحو القيادات الطائفيّة، يزيد الغربُ الأمور سوءاً. فبدلاً من أن يبني تصوُّراً استراتيجيّاً بعيدَ المدى، لجأ الغربُ إلى تفضيلِ بعض أشكالِ العنف على أخرى، وإلى إدخالِ تراتبات أخلاقيّة اعْتباطيّة بين مختلفِ الفاعلين، وقدّم مساعداتٍ عسكريّة وسياسيّة إلى الفاعل الذي وجد في الوقتِ المناسبِ في المكانِ المناسب. يدعمُ، علناً أو بشكلٍ لا إراديِّ، تصاعدَ نفوذِ المليشيات الشيعيّة المُساندة لإيران، والتي تعملُ تحت سلطةِ الحكومة العراقيّة. يُعَسكِر الغربُ مجموعةً مكوّنةً من فصائلَ كرديّة، مُنقسمةً على نفسِها وموجودة على بعضِ خطوط التصدُّع. ويعزِّز من حدّةِ الصراعِ السوريِّ بضربِه أهدافٍ جهاديّة، وإعادة الاعتبار بازدراءٍ لنظامِ بشار الأسد، وذلك من دون أيِّ مخطّط عامٍّ مسبَق. وكلُّها تدابير فنِّيَّةٌ مَحْضةٌ، ومُحايِدة سياسيا، يتَّخذُها الغرب رداً على الخطر المُباشَر الذي يشكِّلُه تنظيمُ الدولة الإسلاميّة، والتي سيكون لها في السنوات المقبلة انعِكاسات لا يُمكن التكهُّن بها اليوم.
وليس هذا سوى آخر التجلِّيات الكارثيَّة للموقِف الغربي الذي بدا على قدرٍ ملحوظٍ من التناقُضِ والتقلُّبِ وقِصر المدى. قَفزنا، في السنوات الأخيرة، من فكرةٍ إلى أخرى، على عكسِ روسيا وإيران اللتيْن حدَّدَتا أهدافَهما بوُضوح، وطوَّرتا استراتيجيّات ووَضعتا الإمكانات اللازمة لتنفيذِها، بغضِّ النظر عن موقفِنا من سياسةِ الدولتين. انتَقلَ الغربُ وبومضَة عين، من الشكِّ المُطلق، في ما يتعلّق بأيِّ تغيير مُمكنٍ في العالم العربي في بداية 2011 ، إلى حماسة ساذجٍة لفكرةِ ديمقراطيةٍ فوْريّةٍ بدَت ممكنةً لدرجةِ تغييرِ النظامِ في ليبيا (وقد كان للغربُ بخصوصِ سورية نيّة مشابهة وغير مُكتملة). خافَ بعدَها من الجمهور المُتزايد للإسلاميّين الذي رُصِد في الانتخابات، فحوَّل اهتمامَه إلى أمورٍ جانبيّة، الأزْمةِ الإنسانيّة وتصاعُدِ الدفْع القتالي، محاولاً تداركَ الأمورِ بدفعِه باتجاهاتٍ لا جدوى منْها، كمُفاوضات جنيف من أجل سورية. في بداية 2014، استسْلمَ الغربُ وحاولَ أن يَنْأى بنفسِه، قبل أن يعودَ إلى المنطقة كردٍّ انتقاميٍّ على تنْظيمِ الدولةِ الإسلامية، حين استولى الأخيرُ على مدينةِ الموصل في يونيو/حزيرانَ من العامِ نفسِه.
ولم نكتفِ بعدمِ تحدِيد أهدافٍ على المدى البعيد، لم نتمكَّن حتى من رؤيةِ الواقع، ولَوْ من خلالِ جوابٍ واحدٍ من تلك الأجوبةِ المغفَّلة. وكأن كلَّ مشكلةٍ مُستجِدَّة تصرفُ انتِباهَ الحكوماتِ الغربيّة عن المشكلات السابقة. وقد زادَ الارتباكُ الغربيُّ الوضعَ سوءاً بدلاً من تثْبيتِه. من هنا يغدو تنظيمُ الدولةِ الإسلامي في آنٍ واحدٍ مسربَ الهروب للغرب، والنتيجةَ التراكميّة لسياساته العَرجاء.
ولا تزال الولاياتُ المتحدةُ الأميركية تبحثُ يائسةً عن الوسيلةِ التي بها تعيدُ انخراطَها بجديّة في مسائلَ المنطقة. وقد قدَّمَت عن الحربِ ضدَّ الإرهاب روايةً مركَّبة تكادُ لا تُخفي فيه غيابَ استراتيجيّة فعليَة. فوجود هذه الاستراتيجيّة يعني التطرُّق إلى الأسبابِ العميقةِ للأزمةِ في العراق وسورية: الإقرارُ بفشل سياسي مَنْهجي. ذلك يعني الإقرار، أيضاً، بأنَّ بناءَ الدولةِ في العراق خرجَ عن مسارِه، وأنه لم يعدْ هناكَ حكومةٌ، ولا جيشٌ للتعامل معهما. عوضاً عن ذلك، لا تنفَكُّ الولايات المتحدة تجدُ أسباباً تُقنِع نفسَها بها لإبقاءِ الوضع السوري في تدهورِه، وتقويةِ إيران من دونَ توكيلِها بمسؤوليةِ دورِها في المنطقة. هذه أسبابٌ تمكِّنها، بشكلٍ عامٍّ، من التظاهرِ بلعبِ دورٍ في منطقةٍ من العالم، لم تعدْ ملائمةً، وباتَت مُهمَّشةً من الناحية الاستراتيجيّة، ولا زالت غيرَ ناضجةٍ سياسيّاً، وأضحَت متروكةً لدولٍ منهارةٍ، وعرضةً لحروبٍ بالوكالةِ، لم يعدْ في وسعِ واشنطن إيقافُها. بمعنى ما، باتَت الضرباتُ الجوِّيّةُ وسيلةً لتبسيطِ الأسئلةِ والبقاءِ على مسافةٍ من المُجْتَمعات ومعطياتِها المعقَّدة.
كلامٌ قاسٍ وضربات أشبهُ بوَخزاتِ الإبر
يَعكسُ ذلك كله نزعات أوسعَ وأعمقَ في الدائرةِ السياسيّة الغربيّة. باتَ إعدادُ السياسات مَحكوماً أكثرَ فأكثرَ بالعلاقات العامّة، حيث تؤدي الأحداثَ الكبرى إلى تصريحاتٍ تُدلى في حالةِ طوارئ. إثرِ ذلك، تأتي الخطواتُ العَمليّة مستوحاةً من هذه التصريحاتِ، ومحدَّدةً بها. فتكونُ هذه الخطواتُ مطابقةً لروايةٍ أكثر منْها لاستراتيجيّة، أي لمجموعةِ مصالحَ وأهدافٍ محددةٍ قابلةٍ للتحقيقِ بالوسائلِ المتوفِّرة. وتكمنُ سخريةُ مقاربَتِنا لتنظيم الدولة الإسلامية في أننا نعرِّف به على أنّه الخَطر الأوّل، في حينَ أنّ الوسائلَ المُعتمَدةَ لمحاربتِه لا تزالُ رَمزية (كلامٌ قاسٍ، وضربات أشبهُ بوَخْزات الإبَر، ووُعودٌ رَخْوة). وبهذا المعنى، يُضحي التنظيمُ عذراً للتراخي تجاهَ مَشكلات المنطقة، وهو سليلٌ منها بطبيعةِ الأمور.
لنَكُن عادلين. المشكلات في الشرق الأوسط في غايةِ التعقيد، وليسَ هُناك من حلٍّ بسيط. علاوةً على ذلك، ليس هناكَ من سببٍ، لكي نتوقّع أو حتّى نأملَ أن تَبُتَّ حكوماتُنا بمصائر الشعوب في العالم، إذا أخذنا بالاعتِبار سوابقَنا في هذا المجال. وفي الوقت نفسه، باتَت الرهاناتُ حقيقيّة، ومن السهولة بمكانٍ إحالةُ المسألةِ إلى استثنائيّةٍ عربيّة ما. أصبحَ العالمُ العربيُ جزءاً من مُجتمعاتِنا أكثرَ ممّا نريدُ الاعتِرافَ به. وللأحداثِ التي تدورُ به أصداءٌ أبعد من مسائل الهجرة وحدها. ولمعظمِ التوتّراتِ الاجتماعيَّة والاقتصاديّة والسياسيّة والبيئيّة التي تدور فيه أبعادٌ عالميّة. نختبرُ، اليوم، قدراتنا على القيام بأكثرَ من اللجوءِ، مراراً وتكراراً، إلى سياساتِ الهويّة والأمنِ التي تزدادُ كُلفَتُها. تعطي الحربُ ضدَّ تنظيمِ الدولة الإسلامية المثالَ الأحدثَ للثّمَنِ الباهِظ الذي يتوجَّبُ دفعُه، من أجلِ تحقيق انتقالٍ ضروريٍّ وإن فَشِل.
ما العمل إذاً؟ السؤالَ ذو طابعٍ سياسيّ. تستطيعُ حكوماتُنا أن تلعبَ دوراً إيجابيّاً باتَّجاهِ الاستقرار إن وَضَّحت نواياها (إذاً، إن ملأت الفراغَ بين طموحاتها المُفرِطة وإمكاناتِها المنْقوصة). ويُشتَرَط عليها، أيضاً، تقييِمُ ما تستطيعُ الحصول عليه سريعاً (خصوصاً أن تعالِجَ بالطريقةِ المناسبةِ الأزمة الإنسانيّة السوريّةِ، والتي ستكون نتائجُها في مجالاتِ الهجرة والتطرُّفِ والبَلْبلةِ من أكثرَ المسائل التي تواجِهُنا جديّةً). كما يُشترطُ عليها أن تربطَ الدعم لبُنى الدوّلِ القائمةِ بإصلاحاتٍ جوهريّةٍ بقيَت مُهملة. يحتاجُ الشرق الأوسط، اليوم، وأكثر من كلِّ شيء، إلى تعاطفٍ وصبرٍ وتماسكٍ وإمكانات مناسبة. بمعنى آخرَ، يتوجَّب علينا أن نقدِّم له جلَّ ما نَفتقِرُ إليه.
عن الفرنسية والإنكليزية، هناء جابر