في العام الثالث للحرب في اليمن، لا يخلو المشهد السياسي من الألغاز والرسائل الإعلامية المشفرة بين السعودية، التي تقود تحالفاً عربياً لدعم الحكومة الشرعية منذ أكثر من عامين، وبين شريكي الانقلاب، اللذين أرهقتهما الحرب ويبدو انفصالهما أو اشتعال الصراع كما لو أنه سيكون عنواناً في المرحلة المقبلة، أو أنه هدف للتحالف العربي، قد يسعى "حليفا الضرورة" لتفويت الفرصة على نجاحه.
في هذا السياق، مثل التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، أمس الثلاثاء، تحت عنوان "علي عبدالله صالح يأمر إعلامه بفضح الحوثيين ويعد خطة لاستعادة صنعاء"، التطور الأكثر إثارة للتساؤلات، من حيث الرسائل التي حملها، والتي تضمنت لغة أقل حدة تجاه صالح، في سياق يثير خلافاته مع حليفه جماعة أنصار الله (الحوثيين).
وعلى غير العادة، التي طبعت اللغة الإعلامية خلال الحرب وتصفه بـ"المخلوع"، وصفت الوكالة، صالح، بتقريرها أمس، للمرة الأولى، برئيس المؤتمر الشعبي العام، هو الحزب الحاكم سابقاً والذي يترأسه صالح منذ تأسيسه. وذكرت الوكالة المخلوع في ثنايا الخبر مرة واحدة، ونقلت تصريحات لصحافي وقيادات في حزب صالح لم تسمها، تتحدث بمجملها عن أفعال الحوثيين وتصرفاتهم ضد الحزب وما جنوه على البلاد، في أسلوب يتناغم عموماً مع التصريحات التي أدلى بها، ولي ولي السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، مطلع الشهر الحالي، وفحواها أن صالح تحت حراسة الحوثيين وأنه قد يغير مواقفه إذا خرج من صنعاء.
الجدير ذكره، أن التقرير الذي نشرته الوكالة السعودية الثلاثاء، جاء بعد أيام من تقرير سابق، تحدث عن تهديد الحوثيين لصالح بالتصفية وعن اتهامهم له بالوقوف وراء مقتل مؤسس الجماعة، حسين بدر الدين الحوثي (خلال الحرب مع الحكومة عام 2004)، كما جاء بعد التصريحات المثيرة لمحمد بن سلمان بمقابلته الشهيرة التي نقلها التلفزيون السعودي، حيث كان قد تحدث عن صالح بلغة أقل حدة، معتبراً أن موقفه الحالي (خلال الحرب)، قد يكون مجبراً عليه.
واتفقت مختلف التأويلات لإعلامية والتصريحات السعودية، على أنها تصب في اتجاه واحد، وهو تعزيز الخلافات بين شريكي الانقلاب وإثارة حالة من الشك بينهما، بعد أكثر من عامين على تصاعد الحرب التي اشتعلت مع اجتياح الحوثيين بالتحالف مع صالح للعاصمة صنعاء عام 2014، وتصاعدت مع بدء التدخل العسكري للتحالف في مارس/آذار 2015، ضد الشريكين، اللذين جمعهما الانقلاب في 2014 والحرب مع التحالف والحكومة في الفترة التي تلت ذلك.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن اللغة الناعمة، في تقرير الثلاثاء، للوكالة السعودية، في حديثها عن صالح، أثارت العديد من التساؤلات، باعتبار أن التقرير حمل مضامين ورسائل للمرة الأولى، كذكر وصفه برئيس المؤتمر والحديث عن تحركه ضد "مليشيا الانقلاب"، والنقل عن مصادر في حزبه، وسط تباين للتفسيرات من قبل المتابعين، بين من اعتبرها "مغازلة سياسية"، أو مؤشراً على تفاهمات غير معلنة يحيط بها الشك والريب ويتم اختبارها بتسريبات إعلامية كرسائل حذرة.
في المجمل، يبدو الوضع اليمني، وقد أصبحت الحرب في عامها الثالث، مفتوحاً على جميع الاحتمالات، بما في ذلك أن تفتح الرياض نافذة للحوار مع خصومها في اليمن، جنباً إلى جنب مع استمرار عملياتها العسكرية الجوية، خصوصاً بعد أن فرضت نتائج الحرب واقعاً مغايراً يجعل السعودية هي من يفرض شروطها، سواء على صالح أو على الحوثيين، خلافاً لما كان قبل الحملة الجوية حينما كان المسؤولون الإيرانيون يصرحون بأنهم أسقطوا عاصمة عربية رابعة، وذهب الحوثيون لإقامة مناورات على الحدود مع السعودية في رسالة تحدٍّ واضحة، لم يفصلها سوى ما يقرب من أسبوعين عن "عاصفة الحزم".
وفي السياق نفسه، لا يمكن الاعتماد على أي مؤشرات سياسية في واقع شديد التعقيد وصراع تتداخل فيه الصراعات المحلية بالتداخلات الإقليمية والدولية، إذ إنها ليست المرة الأولى التي تتبادل فيها أطراف الحرب رسائل سياسية، وأطلق صالح دعوات متكررة لسلام مع السعودية، مثلما أن الحوثيين سبق أن دخلوا العام بحوار مباشر مع ممثلين عن الجانب السعودي، في إطار تفاهمات استمرت أشهراً وتخللتها زيارات قيادات حوثية للجانب السعودي، وتصريحات ناعمة، على غرار قول وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، حينما قال "الحوثيون جيراننا".