فقد جاءت هذه الغارات في ظل مخاوف إسرائيلية من أن يسهم التوتر المتعاظم بين إيران والولايات المتحدة في منطقة الخليج، في تفجير الأوضاع الأمنية في الجبهتين الشمالية والجنوبية، انطلاقاً من افتراض مفاده أن طهران يمكن أن توعز لمنظمات تدور في فلكها باستهداف العمق الإسرائيلي انطلاقاً من سورية أو لبنان، أو قطاع غزة، لخلق أزمة إقليمية أو عالمية تقنع إدارة دونالد ترامب بتعديل سلوكها تجاه طهران.
ولكن في حال كانت إسرائيل تتخوف من انفجار الأوضاع في الجبهة الشمالية، فلماذا أقدمت على شنّ هذه الغارات، التي قد تمثل مسوغاً لتبرير أي ردّ فعل إيراني، سواء نفذته طهران بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر المنظمات المتحالفة معها؟
قد يكون التخوف من قيام إيران بالإيعاز للمنظمات المتحالفة معها بتفجير الجبهة الشمالية، هو ما أقنع القيادة الإسرائيلية بشنّ حملة الغارات الواسعة في محيط دمشق وحمص، على اعتبار أن إسرائيل معنية بضرب القدرات والإمكانيات التي يمكن أن تُستخدم من قبل طهران أو المنظمات التي تعمل إلى جانبها في استهداف العمق الإسرائيلي انطلاقاً من سورية، ما يقلص من فرص تحقق هذا السيناريو. في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل الاعتبارات الداخلية الإسرائيلية، لا سيما بعد قرار حلّ البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات تشريعية جديدة في 17 سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي هذا الصدد، حذر المعلّقان الإسرائيليان، بن كاسبيت وعاموس هارئيل، من وجود الكثير من المؤشرات التي تدل على أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو معني بالتسبّب في تصعيد على إحدى الجبهات، بهدف خلق حالة طوارئ أمنية، تساعده على إقناع الرأي العام الإسرائيلي بالتراجع عن إجراء الانتخابات.
فنتنياهو، بحسب المعلقين، قلق من نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجريت أخيراً، والتي دلّت على أنه لن يكون بإمكانه تشكيل حكومة يمينية قادرة على تمرير قانون يمنحه الحصانة في مواجهة المحاكمة. وبحسب هذه الاستطلاعات، فإن حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة الوزير السابق أفيغدور ليبرمان، سيؤدي دوراً وازناً في الحكومة المقبلة، وهو الحزب الذي يعارض ضمّ الأحزاب الدينية الحريدية لأنها تعارض سنّ قانون يلزم طلاب المدارس الدينية بالتجنيد، مع العلم أن الحكومة التي تشارك فيها هذه الأحزاب تحديداً، يمكن أن تسمح بقانون يمنح نتنياهو الحصانة من المحاكمة.
وعلى الرغم من المخاوف من أن تؤدي المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران إلى إقناع الأخيرة بتسخين الجبهة السورية، إلا أن التجربة قد دلّت على أن الجبهة السورية ظلّت مريحة لإسرائيل، ليس فقط لأن تل أبيب استغلت الحرب الدائرة هناك في تنفيذ الغارات، بل أيضاً لأن تل أبيب استفادت كثيراً من التنسيق الوثيق مع الجيش الروسي، في تقليص المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها طائراتها خلال شن الغارات.
ولفت المعلقان إلى ما كشفته جهات إسرائيلية، اليوم الإثنين، من أن قوات النظام السوري لم تقدم على تفعيل منظومة الدفاع الجوي المتطورة "إس 300"، أثناء تنفيذ الغارات الليلة الماضية، واستخدمت بدلاً منها منظومة أقل كفاءة بكثير، وهذا يدل على أن الروس يستغلون نفوذهم في سورية، وتحديداً على نظام بشار الأسد، في توفير بيئة ميدانية تسمح لإسرائيل بمواصلة غاراتها.
ومع أنه بدا أن هناك تبايناً بين موقف موسكو وكل من تل أبيب وواشنطن أثناء اجتماع مستشاري الأمن القومي للأطراف الثلاثة في القدس المحتلة الأسبوع الماضي، في كل ما يتعلق بالموقف من إيران، إلا أن السلوك العملي يدل على أن الصمت الروسي إزاء الغارات الإسرائيلية، يشي بأن موسكو ترى في الوجود الإيراني في سورية تهديداً لمصالحها.
فروسيا تنطلق من افتراض مفاده أن الوجود العسكري الإيراني سيقلص من فرص الشروع في تنفيذ مشاريع إعادة بناء سورية، وهي المشاريع التي تراهن موسكو عليها في الحصول على عوائد مادية ضخمة، على اعتبار أن الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية لن توافق على الإسهام في هذه المشاريع في حال حافظت طهران على وجودها هناك.