ترافقت عملية "الانتخابات" الرئاسية السورية مع شائعات كثيرة، تخوّف السوريين منها كتوقيف المعاملات الرسمية لمن لم يشارك، والتفتيش على هويات المارة واعتقال من لم ينتخب، وذلك على غرار الإشاعات التي رافقت يوم الانتخاب في الخارج، والتي تحدثت عن عدم تجديد الجوازات في السفارات السورية لمن قاطع الانتخابات.
وخلت الشوارع من المارة، خاصة في الصباح الباكر، إلا من موظفي الدولة وطلاب الجامعات، بينما تحسنت الحركة قليلاً في منتصف النهار، بسبب قيام بعض الشبان والشابات الذين ارتدوا قمصان طبع عليها شعار حملة الرئيس السوري، بشار الأسد، "سوا" بالهتاف والرقص على أغاني تمجد الرئيس.
وفي مشهد يذكر بالإضراب العام، أُغلقت المحال التجارية والمكاتب الخاصة بشكل شبه كلي، بسبب التزام أصحابها منازلهم، إمّا تجنباً للمضايقات بسبب عدم الانتخاب، أو خوفاً من حصول حوادث أمنية.
وشهدت الشوارع العامة كثافة في أعداد "الشبيحة" وعناصر الدفاع الوطني، حتى أن أعدادهم تجاوزت أعداد المارة.
وتعرض كل من تجوّل في دمشق أو ضواحيها، للتفتيش الدقيق على حواجز مكثفة، وبما لا يقل عن عشر مرات، ولم يقتصر التفتيش على الهويات الشخصية، بل شمل الحقائب والأجساد، عبر أجهزة تفحص خاصة.
وخُصصت عناصر نسائية من الدفاع الوطني، حتى لا يكون هناك حرج من تفتيش السيدات وتمرير تلك الأجهزة على أجسادهن.
ووُضعت صناديق الاقتراع في كافة المراكز الحكومية والمدارس، وأُجبر الموظفون على الانتخاب، ومُنعت الإجازات والمهمات الرسمية، بتوجيهات أمنية غير رسمية، ولم يُسمح بها إلا لمن هم "غير مشكوك بولائهم"، حسب تعبير أحد مدراء المؤسسات الحكومية، فيما استمر تقديم المواد الامتحانية لطلاب الجامعة بكثافة، لإجبارهم على الحضور والانتخاب.
وترافق إجبار الموظفين على الانتخاب، إشاعة مسبقة تحدثت عن زيادة الرواتب للعاملين في الدولة بقيمة 50 في المئة، علماً أن الرواتب الحالية لا تكفي للحدود الدنيا من المعيشة، بسبب غلاء الأسعار الفاحش.
وتمّت العملية الانتخابية عبر البطاقة الشخصية، إذ سُجل الرقم الوطني في جداول، مرفقاً بتوقيع الناخب، الذي يحق له الانتخاب لمرة واحدة حيث يُمهر الإصبع بالحبر.
واستحُدثت في المراكز الانتخابية غرف سرية، لكن قلة هم من دخلوا إليها، حتى لا يكون هناك أدنى شكوك عن اختيارهم للأسد.
وفي بعض المناطق مَنَع "الشبيحة" الناخبين من الانفراد بالغرفة السرية، كما حصل في مراكز جامعة دمشق.
واحتوت المراكز الانتخابية كاميرات مراقبة، واستقدم إليها عدد كبير من عناصر الأمن والدفاع الوطني من أجل التفتيش والمراقبة، كما تولى مهمة إجراء عمليات التفتيش لجان معينة من قبل الفرق الحزبية في المؤسسات الحكومية.
وقام بعض عناصر الدفاع الوطني طوعاً بسؤال المارة عما إذا كانوا قد انتخبوا أم لا، ومشاهدة الحبر على أصابعهم، والطلب إليهم الذهاب إلى مركز انتخابي قريب، إذ أن مخالفة ذلك تعني التعرض إلى الإساءة أو الضرب، وربما التسبب في الاعتقال، الأمر الذي حصل مع العديد في مدينة جرمانا.
وحسم قسم كبير من أهالي دمشق وضواحيها أمره بعدم الانتخاب، وفضل البقاء في البيت، بعد شراء الحاجيات المنزلية ليومين مسبقاً، وسط مخاوف من إشاعات تحدثت عن نية الأمن تفتيش البيوت، والسؤال عمن لم ينتخب.
واضطر البعض خوفاً من ذلك إلى إقفال منزله وإطفاء الأنوار والتزام الصمت، وتحدث البعض بالفعل عن صناديق جوالة يحملها مدنيون تقوم بالتجول بين منازل دمشق القديمة.
وقبل أسابيع من إجراء العملية، سعى النظام إلى الحصول على بيانات صحيحة للانتخابات، وغير مزورة، على خلاف الاستفتاءات الرئاسية السابقة، حتى لا يقع بالحرج أمام المراقبين من الدول الداعمة له، الذين استقدمهم.
لكن تلك الانتخابات ظلت غير شرعية ومزوّرة، بسبب إجرائها بالإكراه وتحت التهديد بلقمة العيش، وتحت الخوف من الاعتقال والقتل، إذ لا يكاد يخلو حي في دمشق من معتقلين وقتلى تحت التعذيب.
وترافقت عمليات التصويت في الانتخابات، مع تحليق الطيران الحربي في سماء دمشق على علو منخفض جداً، محدثاً صوتاً قوياً، من أجل إحداث أكبر قدر من الرعب في قلوب المترددين في المشاركة، والنزول إلى الانتخاب درءاً لانتقام محتمل من الشبيحة أو الأمن، فيما لو كشف أمرهم.
شكل الثالث من يونيو/حزيران يوماً استثنائياً في دمشق، التي أُجبرت على الانتخاب، ولكنه كان يوماً دموياً بالنسبة إلى مناطق جوبر والمليحة في الغوطة الشرقية، فالقصف بالطيران الحربي والمدفعية الثقيلة لم يتوقف، واستمرت المعارك في الجبهات القريبة جداً من المراكز الانتخابية، ومن "الأعراس الديمقراطية".