دمشق عطشى والماء يباع بمدينة السقائين
لن أنسى ذلك الحدث، وإن اختلط عليّ وقتذاك تصنيفه؛ أيدرج في حقل السياسة أم الاقتصاد أم التأسيس لما نحن عليه اليوم. في 11/6/2007، دشن بشار الأسد معمل مياه عين الفيجة، وحمل بيديه القوارير الممتلئة في مشهد يُرى ولا يروى، ربما من لا يعرف دمشق أو نبع الفيجة من القراء المحترمين، لن يستوعب الحدث وما له من مدلولات، إن بدأت لن تنتهي.
أوجزها باختصار. نبع الفيجة يا سادة، أهم روافد نهر بردى المرتبط بدمشق. عمره بعمر تلك المدينة التي يقال إنها الأولى المأهولة ولم تزل بالتاريخ، فيأتي رئيس الدولة ليدشن معمل تعبئة مياه جوفية، ليس له ولا للممانعة عليه منّة، في إنجاز رافقته خلاله كاميرات التلفزة، ليوزع الابتسامات العريضة خلال تدفق المياه التي تباع للسوريين بأسعار سياحية، على أنها مياه معدنية لا يشربها إلا الميسورون وذوو الحظ الوفير.
ومنذ ذاك، ومياه دمشق ممزوجة، من مياه نبع وادي بردى ومياه الفيجة ومياه الآبار السطحية، وربما حديث سبب خلط المياه يطول، إذ ليس استثمار وبيع مياه السوريين للصالح العام وخزينة الأسد وحده الدافع، إذ لدمشق المكتظة بالوافدين، سبب آخر وحديث أوجع، لن نفتح صفحاته لئلا نخرج عن موضوع دمشق العطشى الآن وسلاح تعطيش السوريين، الذي استخدمه نظام بشار الأسد على معارضيه، قبل أن يسحبه على مؤيديه الآن.
من السذاجة ربما التشكيك بمن قطع المياه عن دمشق أو قصف قرى وادي بردى تمهيداً لاقتحامها وتسليمها لشركاء الحرب في حزب الله اللبناني. لأنه وبمنتهى المنطق والبساطة، لو أن الثوار سيقطعون المياه عن أهلهم بمدينة دمشق، لما انتظروا أربعة أعوام رغم ما عانوه؛ إذ يعلم كل متابع للثورة السورية، أن مناطق غربي دمشق المحيطة بوادي بردى، يسيطر عليها الثوار منذ عام 2012، ويعلم ربما المتابع، أن قطع الماء جاء جراء قصف طيران الأسد الباسل ومدافع حزب الله الميامين لمنطقة وادي بردى، ما أدى لاختلاط وقود المحركات بالمياه، فقامت شركة المياه الحكومية، بقطع المياه منذ نحو 15 يوماً، ولم تزل عن العاصمة السورية.
ولأن الممانعة وتأييد الأسد على حربه على السوريين، لا تسد عطش زهاء خمسة ملايين قاطن بدمشق، بدأت الصيحات تتعالى، ما خلق سوقاً سوداء لبيع مياه الشرب، ربما بأكثر العواصم امتلاكاً للمياه، ووصل سعر برميل المياه لنحو 5 آلاف ليرة وملء الخزان المنزلي إلى أكثر من الدخل الشهري للسوريين، ووجدت شركة مياه عين الفيجة، التي دشنها الأسد، فرصة للبيع والربح والمتاجرة بعطش السوريين.
قد لا يستوي الحديث عن دمشق ومائها، دون التطرق لنهر بردي؛ تلك الهبة التي ألهبت قريحة الشعراء العرب قبل السوريين، وتاه المعجبون بأنه هبة دمشق أم أنها هبته. إذ ينبع النهر بردى من جنوبي الزبداني غربي دمشق، قبل أن يخترق وادي بردى الممتد على ثلاث عشرة بلدة، ربما هي الأجمل والأكثر إقبالاً للاصطياف في ريف دمشق، ليتابع مسيرته إلى منطقة الهامة فقدسيا ودمر، ليتجلى جماله في الربوة، والتي نالت من غزل ووصف الشعراء، كما حسناء فاتنة، ليستقر بالغوطة الشرقية، أولى قرى ريف العاصمة تمرداً على حكم الأسد والخروج بركب الثورة، والتي حوربت ولأعوام وعلى مرأى ومسمع العالم، عبر الطعام والشراب.
كما لا يكتمل المشهد، دون التطرق إلى وضع سورية المائي، التي باتت بعد السياسات الحكيمة، تعاني من عجز سنوي بالمياه يبلغ نحو 1,5 مليار متر مكعب، وتتم تغطية العجز بالموازنة المائية بضخ كميات من المياه الجوفية تفوق الواردات الجوفية من مياه الأمطار (المتجدد السنوي) ما يزيد من كميات العجز المائي لتصل خلال العامين الفائتين لنحو 3,5 مليارات متر مكعب، ومن المتوقع أن يزيد العجز خلال العام الجاري ليصل إلى 6 مليارات متر مكعب.
وسورية التي يمارس على أهلها سلاح التعطيش لينصاعوا للأسد ويتوبوا عن ثورتهم، تحتاج إلى 23 مليار متر مكعب سنوياً، لتكون حصة الفرد فيها مساوية لخط الفقر المائي البالغ 1000 متر مكعب للفرد في السنة لكل الأغراض. لكن وسطي الحصة خلال السنوات الخمس الماضية حوالي 825 مترا مكعبا في السنة للفرد.
ربما لا ذنب مباشر لنظامي الأسد بتراجع التهطال المطري، وإن كانت السياسات الغائية والفساد الذي استعاض بالحجر عن الشجر وأفسح المجال للمخالفات السكنية على حساب الغوطة بدمشق، تتحمل وزراً، وقد ساهمت بتراجع معدل الأمطار السنوي لنحو 46 مليار متر مكعب؛ يتبخر منه حوالي 80 % لتتحول أقل من 20 %، وتراجع بالمقابل، مستوى التخزين في السدود إلى أكثر مما تتطلبه الممانعة والتصدي.
خلاصة القول: هبّ بعض الدمشقيين أخيراً عبر احتجاجات خجولة، بعدما أوصلهم حكم الأسد ليشتهوا المياه، وهم الذين لم يقوموا على نظام أجرى أنهار دم خلال سنوات الثورة، لتكاد الماء تجمع بين السوريين، ويكون رابطها أكثر من الدم، على خلاف ما يقوله العامة "الدم ما بصير ماء".
أوجزها باختصار. نبع الفيجة يا سادة، أهم روافد نهر بردى المرتبط بدمشق. عمره بعمر تلك المدينة التي يقال إنها الأولى المأهولة ولم تزل بالتاريخ، فيأتي رئيس الدولة ليدشن معمل تعبئة مياه جوفية، ليس له ولا للممانعة عليه منّة، في إنجاز رافقته خلاله كاميرات التلفزة، ليوزع الابتسامات العريضة خلال تدفق المياه التي تباع للسوريين بأسعار سياحية، على أنها مياه معدنية لا يشربها إلا الميسورون وذوو الحظ الوفير.
ومنذ ذاك، ومياه دمشق ممزوجة، من مياه نبع وادي بردى ومياه الفيجة ومياه الآبار السطحية، وربما حديث سبب خلط المياه يطول، إذ ليس استثمار وبيع مياه السوريين للصالح العام وخزينة الأسد وحده الدافع، إذ لدمشق المكتظة بالوافدين، سبب آخر وحديث أوجع، لن نفتح صفحاته لئلا نخرج عن موضوع دمشق العطشى الآن وسلاح تعطيش السوريين، الذي استخدمه نظام بشار الأسد على معارضيه، قبل أن يسحبه على مؤيديه الآن.
من السذاجة ربما التشكيك بمن قطع المياه عن دمشق أو قصف قرى وادي بردى تمهيداً لاقتحامها وتسليمها لشركاء الحرب في حزب الله اللبناني. لأنه وبمنتهى المنطق والبساطة، لو أن الثوار سيقطعون المياه عن أهلهم بمدينة دمشق، لما انتظروا أربعة أعوام رغم ما عانوه؛ إذ يعلم كل متابع للثورة السورية، أن مناطق غربي دمشق المحيطة بوادي بردى، يسيطر عليها الثوار منذ عام 2012، ويعلم ربما المتابع، أن قطع الماء جاء جراء قصف طيران الأسد الباسل ومدافع حزب الله الميامين لمنطقة وادي بردى، ما أدى لاختلاط وقود المحركات بالمياه، فقامت شركة المياه الحكومية، بقطع المياه منذ نحو 15 يوماً، ولم تزل عن العاصمة السورية.
ولأن الممانعة وتأييد الأسد على حربه على السوريين، لا تسد عطش زهاء خمسة ملايين قاطن بدمشق، بدأت الصيحات تتعالى، ما خلق سوقاً سوداء لبيع مياه الشرب، ربما بأكثر العواصم امتلاكاً للمياه، ووصل سعر برميل المياه لنحو 5 آلاف ليرة وملء الخزان المنزلي إلى أكثر من الدخل الشهري للسوريين، ووجدت شركة مياه عين الفيجة، التي دشنها الأسد، فرصة للبيع والربح والمتاجرة بعطش السوريين.
قد لا يستوي الحديث عن دمشق ومائها، دون التطرق لنهر بردي؛ تلك الهبة التي ألهبت قريحة الشعراء العرب قبل السوريين، وتاه المعجبون بأنه هبة دمشق أم أنها هبته. إذ ينبع النهر بردى من جنوبي الزبداني غربي دمشق، قبل أن يخترق وادي بردى الممتد على ثلاث عشرة بلدة، ربما هي الأجمل والأكثر إقبالاً للاصطياف في ريف دمشق، ليتابع مسيرته إلى منطقة الهامة فقدسيا ودمر، ليتجلى جماله في الربوة، والتي نالت من غزل ووصف الشعراء، كما حسناء فاتنة، ليستقر بالغوطة الشرقية، أولى قرى ريف العاصمة تمرداً على حكم الأسد والخروج بركب الثورة، والتي حوربت ولأعوام وعلى مرأى ومسمع العالم، عبر الطعام والشراب.
كما لا يكتمل المشهد، دون التطرق إلى وضع سورية المائي، التي باتت بعد السياسات الحكيمة، تعاني من عجز سنوي بالمياه يبلغ نحو 1,5 مليار متر مكعب، وتتم تغطية العجز بالموازنة المائية بضخ كميات من المياه الجوفية تفوق الواردات الجوفية من مياه الأمطار (المتجدد السنوي) ما يزيد من كميات العجز المائي لتصل خلال العامين الفائتين لنحو 3,5 مليارات متر مكعب، ومن المتوقع أن يزيد العجز خلال العام الجاري ليصل إلى 6 مليارات متر مكعب.
وسورية التي يمارس على أهلها سلاح التعطيش لينصاعوا للأسد ويتوبوا عن ثورتهم، تحتاج إلى 23 مليار متر مكعب سنوياً، لتكون حصة الفرد فيها مساوية لخط الفقر المائي البالغ 1000 متر مكعب للفرد في السنة لكل الأغراض. لكن وسطي الحصة خلال السنوات الخمس الماضية حوالي 825 مترا مكعبا في السنة للفرد.
ربما لا ذنب مباشر لنظامي الأسد بتراجع التهطال المطري، وإن كانت السياسات الغائية والفساد الذي استعاض بالحجر عن الشجر وأفسح المجال للمخالفات السكنية على حساب الغوطة بدمشق، تتحمل وزراً، وقد ساهمت بتراجع معدل الأمطار السنوي لنحو 46 مليار متر مكعب؛ يتبخر منه حوالي 80 % لتتحول أقل من 20 %، وتراجع بالمقابل، مستوى التخزين في السدود إلى أكثر مما تتطلبه الممانعة والتصدي.
خلاصة القول: هبّ بعض الدمشقيين أخيراً عبر احتجاجات خجولة، بعدما أوصلهم حكم الأسد ليشتهوا المياه، وهم الذين لم يقوموا على نظام أجرى أنهار دم خلال سنوات الثورة، لتكاد الماء تجمع بين السوريين، ويكون رابطها أكثر من الدم، على خلاف ما يقوله العامة "الدم ما بصير ماء".